السيدة هاجر.. أم العرب

أحمد مراد (القاهرة) كانت السيدة سارة زوجة نبي الله الخليل إبراهيم، عليه السلام، عاقراً لا تلد، وبقيت على هذه الحالة لسنوات عديدة، وكلما رأت زوجها يتطلع إلى أن يكون له ذرية تحزن حزناً شديداً، الأمر الذي دفعها بأن تطلب من إبراهيم، أن يتزوج خادمتها هاجر حتى تنجب له الولد الذي يتمناه، وهو ما تحقق بالفعل، حيث أنجبت السيدة هاجر إسماعيل، عليه السلام. بدأت السيدة سارة تشعر بالغيرة، ومع مرور الوقت زادت حدة الغيرة لديها، حتى طلبت من إبراهيم الخليل، أن يُقصي هاجر وابنها إسماعيل عن دارها، وأن يذهب بهما إلى مكان بعيد جداً، وكان الله تعالى قد أوحى إليه أن يطيع طلبها، فاستجاب الخليل إلى رجائها، وركب دابته، واصطحب الغلام وأمه، وسار بهما طويلاً في الصحراء، حتى استأنس مكاناً، فوقف وأنزل هاجر وابنها، وترك لهما قليلاً من الطعام والماء، وعندما همّ بالرحيل سألته هاجر: أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي، الذي ليس فيه أنيس، فلم يلتفت إليها، وكان على يقين من وعد الله تعالى، وقالت: الله أمرك بهذا؟، فرد إبراهيم: بلى، فقالت: إذن لا يضيعنا، وانصرف إبراهيم، وهو يدعو ربه: «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون». امتثلت السيدة هاجر، التي عُرِفت في التاريخ بـ «أم العرب» لحكمة الله تعالى، ومرت الأيام، ونفد الماء والطعام وجف ريقها من شدة الحر، فاحتملت صابرة، ولم يلبث أن جف ضرعها، وأصبحت لا تجد لبنا ترضع به الطفل، الذي ظل يتلوى جوعاً وعطشاً، ويصرخ، وتسرع وتصعد على جبل الصفا، لتنظر أحداً ينقذها وطفلها من الهلاك، أو تجد بعض الطعام أو الشراب، ولكنها لا تجد فتنزل مسرعة وتصعد جبل المروة، وتفعل ذلك سبع مرات حتى تمكن منها التعب، وكان الطفل يضرب الأرض بقدميه، حيث تفجرت المياه فأسرعت إليه لتغرف من المياه، وهي تقول لعين الماء: زمي زمي، فسميت هذه العين «زمزم». نزل على هاجر وابنها إسماعيل أناس من قبيلة «جرهم»، وأرادوا البقاء في المكان، لما رأوا عندها الماء، فسمحت لهم بالسكن بجانبها، ومشاركتها في الشرب من ماء زمزم، واستأنست بهم، وشب الطفل بينهم، وتعلم اللغة العربية منهم، واختلط بالقوم، وذاع صيته، وتزوج بواحدة منهم.