السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خزائن روما.. العربية

خزائن روما.. العربية
21 مايو 2014 21:13
على مدى عهود حصل تدفق للمخطوطات العربية باتجاه أصقاع شتى، بطرق متنوعة، حتى باتت لا تخلو مكتبة من مكتبات كبريات المدن العالمية من حيازة قسط من ذخائر التراث العربي. وقد أشاع المخطوط العربي خلال تلك الرحلة معارف جليلة في لغات عدة بشكل قلّ نظيره. فالمخطوطات المهاجرة أو المهجَّرة تُعَدّ بالألوف، وعلى سبيل الذكر يتجمع في المكتبة الوطنية في باريس وحدها 6835 مخطوطا عربيا، وبما يفوق 7000 مخطوط في مكتبة الدولة في برلين في ألمانيا، مع ذلك قسط ضئيل فحسب من هذه الثروة الثقافية، تمت فهرسته أو إعادة نشره. المخطوطات العربية في إيطاليا تحوز إيطاليا، وعلى غرار سائر الدول الغربية، نصيبا معتبرا من هذه الثروة. غير أن تلك المخطوطات لا تزال شبه مطمورة. فمع حلول القرن الخامس عشر الميلادي، انطلقت من الدويلات المتناثرة فوق التراب الإيطالي أولى مساعي الاهتمام بالآداب العربية في أوروبا. فقد حصلت بمناسبة انعقاد مجمع فلورنسا سنة 1441م أولى عمليات تجميع المخطوطات الشرقية من قبل مكتبة الفاتيكان في روما. من خلال ما استجلبه من نصوص رجالُ دين مشارقة، قدِموا من الإسكندرية وبيت المقدس للمشاركة في أشغال المجمع. ثم في مرحلة لاحقة تطور تعقّب المخطوطات مع تدشين مطبعة ميديشيا في فلورنسا (1584). وكانت أولى نسخ المخطوطات التي حازت عليها المطبعة، على ما يورد مؤلف «طريق الحروف» (2012)، متأتيةً مما وهبه البطريرك السرياني إثناسيوس نعمة الله (ت. 1587م)، من مخطوطات عن أسرار الكون، وعلم الفلك، وعلم الهيئة؛ وكذلك ما تأتى بواسطة الأخوين فيكييتي اللذين عُهِد إليهما اقتناء المخطوطات، وقد كانا يجوبان بلاد العرب وفارس والهند. وبالفعل ترافق المقصد التجاري مع الحافز الديني، فقد لقي المشروع ترحيبا لدى البابا غريغوريوس الثالث عشر، في وقت حرص فيه على كسب ودّ نصارى المشرق، فضلا عن رغبته الجامحة في إيجاد السبل الملائمة لتنصير المحمّديين. وتُقدَّر ذخائر المخطوطات العربية في مكتبة ميديشيا لاورينسيانا في الراهن بأربعمائة وثلاثين مخطوطا. ومن المهتمين الإيطاليين الأوائل بالمخطوط العربي، نذكر لويجي مرسيليي (1658 ـ 1730)، وهو رحالة وتاجر سلاح، اغتنم القلاقل التي رافقت حصار العاصمة المجرية بودابست (1686) ليحصل على 459 مخطوطا عربيا قام بترحيلها نحو إيطاليا. وهو ما سيشكل الذخيرة الأهم في مكتبة مدينة بولونيا. كما نجد أحد نبلاء البندقية ياكوبو ناني (ت.1797) وهو جامع تحف، استطاع أثناء تردده على السواحل التونسية الليبية تجميع عدد من المخطوطات؛ وكذلك الأديب إميليو تيزا (ت.1912) الذي أوكل بشأن مكتبة مارشيانا في البندقية. أيضا لعب الدبلوماسي روموالدو تيكو (ت.1867) دورا مهمّا في جلب المخطوطات العربية، وكذلك الأمير ليوني كايطاني (ت.1935) الذي تبرع بجملة من المخطوطات لفائدة مكتبة أكاديمية لينشيه. هذا بالإضافة إلى جوسيبي كابروتي الذي سنفرد له حيزا خاصا لدوره الرئيس في جلب المخطوطات اليمنية. جوسيبّي كابروتّي والمخطوطات اليمنية يُقدّر عدد المخطوطات اليمنية في إيطاليا بثلاثة آلاف وثلاثمائة مخطوط. حاز جوسيبي كابْروتّي نصيب الأسد في ترحيل المخطوطات اليمنية نحو إيطاليا، فقد رحّل بمفرده أكثر من ثلثي المخطوطات، وكان له الدور الأكبر في إدخال معظم المصنفات اليمنية إلى إيطاليا وإلى إمارة موناكو. تورد الباحثة فالنتينا روسّي ضمن مؤلَّف «المطبوعات الإيطالية» (2000) أن وصول جوسيبي كابروتي إلى مدينة الحديدة اليمنية كان سنة 1885، ثم استقر به المقام في صنعاء، حيث مكث هناك ما يزيد عن ثلاثة عقود. جمّع خلالها كمّا وفيرا من المخطوطات، تمّ ترحيلها خلسة نحو ميلانو. فقد شحن قرابة الستين صندوقا من المخطوطات حوَتْ ما يربو عن 1800 مخطوط. ولم تحل سنة 1909 حتى كانت 1610 مخطوطات عربية من مجموعة كابروتي ضمن ذخائر مكتبة أمبروزيانا. لينضاف خلال العام 1914 مائتان وخمسون مخطوطا آخر من «مجموعة كابروتي» وردت إلى أمبروزيانا بواسطة السيناتور لوكا بلترامي وهكذا بات بحوزة المكتبة 2040 مخطوطا ورد جميعها من جنوب الجزيرة العربية. ووِفْق ما تورده الباحثة أريانه دوتوني في مؤلف «المخطوطات العربية اليمنية» الصادر عن جامعة روما 2006، أن كافة نسخ المخزون اليمني، في مكتبتي أمبروزيانا والفاتيكان، تتراوح تواريخها بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر. ولئن كانت المصنفات واردة من اليمن فهي في مجملها ليست مصنَّفة في اليمن. وتُقدَّر المخطوطات التي جلبها كابروتي ألفين ومائتي مخطوط، وهي موزعة بين حاضرة الفاتيكان وميلانو وإمارة موناكو. الملامح والتوزّع والفهارس تمثل اليمن وسوريا ومصر وبلاد المغرب الفضاءات الرئيسية التي تأتّى منها المخطوط العربي. وهي متواجدة في سبع وأربعين مدينة. ويتجمع ثلثا تلك المخطوطات في مكتبتين. ووفْق بحث يغطي الفترة الممتدة بين 1921 و1970 أجراه المستشرق ريناتو ترايني، بلغ عدد المخطوطات التي شملها الاستقصاء 6798 مخطوطا. وهذا العدد سيتخطى الثمانية آلاف في حال أضفنا إليه مخطوطات الكاهن السرياني الحلبي بولس سباط (1887 ـ 1946) التي أودعها مكتبة الفاتيكان والبالغ عددها 1325 مخطوطا. مكتبتا الفاتيكان وأمبروزيانا بشكل متفرد تُعَدّ مكتبة الفاتيكان الأثرى من حيث احتضان المخطوط العربي. فهي تضم 2217 مخطوطا ليس من ضمنها المخطوطات المسيحية العربية. وهي ذخائر في منتهى الأهمية لا تزال خارج الحصر، لعل من أبرزها ما منحه الكردينال إغناطيوس جبرائيل تبوني بطريرك أنطاكية للسريان، بين العام 1935 و 1937. تولى جورجيو ليفي ديلاّ فيدا جرد المخطوطات العربية في مكتبة الفاتيكان، ونشر عقب ذلك فهرسين، ضم الأول 1152 مصنفا، وحوى الثاني 276 مصنفا. وأما مكتبة أمبروزيانا في ميلانو، التي تأتي في المقام الثاني بعد مكتبة الفاتيكان من حيث احتضانها للمخطوط العربي، فهي تضم على رفوفها 2040 مخطوطا. هذا علاوة عن مجموعة أخرى تبرع بها المستعرب اللومباردي أوجينيو غريفيني (1878 ـ 1925). ومنذ سنة 1905 اشتغل غريفيني على ذخائر أمبروزيانا الجديدة حتى رحيله. تخللتها سنوات عمل فيها حافظ مكتبة فؤاد الأول في القاهرة. وقد توقّف غريفيني بعد أن بلغ جرد أكثر من خمسمائة مخطوط. ليتولى بعده السويدي أوسكار لوفرغين، بالتعاون مع ريناتو ترايني، إتمام فهرسة مخطوطات أمبروزيانا. نُشر الجزء الأول من فهرس أمبروزيانا بالإنجليزية بعنوان «فهرس المخطوطات العربية في مكتبة أمبروزيانا» سنة 1975، وقد ضم 356 مصنفا من حصيلة المخطوطات القديمة والمتوسطة، لتتوالى الأجزاء الأخرى. في حين ضم الجزء الثاني من الفهرس 830 مصنفا، ثم الجزء الثالث وقد ضم 465 مصنفا، فضلا عن رابع هو بصدد الإنجاز. جرد المخطوطات العربية ضمن العناية بالمخطوطات العربية في إيطاليا، كان أول الفهارس العلمية التي أُنجِزت فهرس المستشرق نالينو، وقد ضمّ 109 من المخطوطات الإسلامية. وقد بات هذا الفهرس ـ للأسف ـ خارج الاستعمال جراء الحريق الذي شبّ سنة 1904. غدا فهرس نالينو وثيقة إخبارية عن قسم هائل من المخطوطات التالفة. وضمن ما تبقى أحصى ريناتو ترايني أربعة وخمسين مخطوطا عربيا. كما تُعَدّ مكتبة أكاديمية لينشيه مستودعا لنفائس المخطوطات العربية في روما، حيث تَعُدّ قائمة المصنفات العربية اثنين وثمانين مخطوطا من ضمنها تلك المتأتية من مجموعات كورسيني وأكاديميكا وكايطاني، علاوة على خمسة وسبعين مخطوطا حديثة الاقتناء، تولى ريناتو ترايني جردها في بحث سنة 1967، ضم خمسة وسبعين عملا منها ثلاثة وستون مصنفا يمنيا، وخمسة وردت من إتوري روسي (سنة 1938)، والثمانية الأخرى تم اقتناؤها من الدكتور شيزري أنسالدي، الذي عمل ضمن فريق البعثة الصحية في اليمن مطلع الأربعينيات من القرن الماضي. كما تحصي الباحثة أريانّه دوتوني أربعة وثمانين مخطوطا في دار الكتب الوطنية في روما، وذلك ضمن بحث صادر لها سنة 2002. بالإضافة توجد العديد من المخطوطات العربية المتناثرة في إيطاليا، على غرار المائة مخطوط في المكتبة الوطنية في نابولي، التي تشمل من ضمنها أحد وعشرين مخطوطا مسيحيا مدونة بعربية مشوبة بالعامية اللبنانية والمصرية؛ أو كشأن المائتي مخطوط في جامعة الأورينتالي في نابولي؛ أو في مكتبات خاصة أو في أديرة للرهبان. وفي بحث ريناتو ترايني «ذخائر المخطوطات العربية في إيطاليا» الذي سبقت الإشارة إليه، نجد قائمة مطولة بالمكتبات الإيطالية وبأعداد المخطوطات فيها. مخطوطات القرآن الكريم تُصنَّف مخطوطات القرآن الكريم في مكتبة الفاتيكان ضمن النفائس النادرة، وتبلغ أعدادها مئة وأربع وأربعين مخطوطا متباينة الأحجام. في حين يبلغ عدد مخطوطات المصاحف المتواجدة في سائر مكتبات العاصمة روما إحدى وسبعين نسخة وهي تتوزع كالتالي: ـ مكتبة كازاناتينسي وهي تضم أكبر عدد من مخطوطات القرآن الكريم في روما (أحد وثلاثون مخطوطا). ـ مكتبة أكاديمية لينشيه (ثمانية عشر مخطوطا). ـ دار الكتب الوطنية (ثلاثة عشر مخطوطا). ـ مكتبة أنجيليكا (خمسة مخطوطات). ـ مكتبة فاليشيليانا (مخطوط واحد). ترد المخطوطات القرآنية من ستة مصادر: من بلاد المغرب، بلدان ما وراء الصحراء، المشرق العربي، الدولة العثمانية، فارس، الهند. وأهمها تلك الواردة من الفضاء المغاربي. وما يميز المخطوطات المغاربية أنها فاخرة ومنسوخة بحِرَفية عالية، وهي مدوّنة في مجملها على الرقّ. كما أن هناك مجموعة مغاربية مدوّنة على الورق تعود إلى العام (1488م) وردت من جامع الزيتونة في تونس، وتتميز بأحجامها الكبيرة وجودتها. المجموعة الثانية من المخطوطات تتكون من مصاحف قرآنية عثمانية، ويبلغ تعدادها في مكتبات روما مائة وسبعة وخمسين، وهي موزعة على جملة من المكتبات. وهي تمثل القسم الأكبر من حيث العدد. والخاصية العامة التي تميز هذه المجموعة من المصاحف أنها تندرج ضمن مصاحف التلاوة الخاصة والمتوسطة الحجم. ثمة مجموعة ثالثة من المصاحف واردة من مصادر مختلفة: اثنا عشر من بلاد المشرق، اثنا عشر من فارس، أربعة من بلدان ما وراء الصحراء، وهي مدوّنة بالخط المغربي. كما أن هناك ضمن المجموعة الفاتيكانية نسخة لنص قرآني مدون بالحرف العبري، تعود ملكيته إلى جوفاني بيكو ديلا ميراندولا ويعود تاريخه إلى مطلع القرن الخامس عشر. كان الباحث كارلو أنزويني قد تناول مجمل المخطوطات القرآنية بالدراسة ضمن فهرس «المخطوطات القرآنية في مكتبة الفاتيكان وفي مكتبات روما»، نُشر سنة 2001. وقد اعتمد فيه منهجان في دراسة المخطوطات: خارجي يصف من خلاله العمل، وداخلي يتناول بمقتضاه مضمون المخطوط وإن كان جزءا أو مكتملا. تفتقد إيطاليا في الراهن إلى تكوين علمي يستهدف العناية المتكاملة بالمخطوط العربي. وهو ما أبقى هذه الثروة خارج الدراسة المعمقة والاكتشاف الشامل. فبعد العناية بفهرسة المخطوطات الشرقية، ونشر بعض الأعمال مع كوكبة من المستشرقين، أمثال أمّاري وغريفيني ونالينو وباوزاني وغابريالي ونويا، تبقى جهود الباحثين الجدد في هذا الحقل، أمثال أريانه دوتوني وباولا أورساتي وفالنتينا روسي وكارلو ألبرتو أنزويني، ممن يشغلهم موضوع المخطوط العربي مبادرات شخصية. وهو ما أبقى إيطاليا حتى الراهن مفتقرة إلى «فهرس الفهارس» بشأن المخطوطات العربية. * أستاذ بجامعة روما - إيطاليا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©