الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشعر الذي يشبهنا.. والحب الذي نشبهه

الشعر الذي يشبهنا.. والحب الذي نشبهه
15 مايو 2013 14:31
تتغذى أية تجربة شعرية من الروافد الجديدة التي يمكن أن تصب فيها. وفي المشهد الشعري في الإمارات تعمل الأصوات الشعرية الجديدة على توسيع فضاء المشهد. الشاعرة عائشة محمد الشيخ تقدم في ديوانها الجديد «لا شيء يشبهنا معا» تجربة واعدة، تضعنا بدءا من العنوان الرئيس في فضاء تجربتها الشعرية، التي تقدمها لنا في هذا الديوان باعتبارها تعبيرا عن حالة الامتلاء بالحب وما تقود إليه من تحول وتبدل وتمايزعلى صعيد الكينونة والذات. من هنا جاء اختيار العنوان نظرا لما ينطوي عليه من مقاصد دلالية، إضافة إلى شعريته التي تجعل منه واجهة إشارية ذات بنية دلالية موحية. يتميز العنوان من حيث بنيته النحوية بصيغة النفي التي تلح على معنى الاستثناء والاختلاف، بينما يتخذ الخطاب صيغة الجمع، وتكون حركته متجهة من ضمير المتكلم إلى الآخر الذي يشترك معه بالتوحد، ما يجعل من العنوان عتبة أولية، تجعلنا نطل منها على فضاء التجربة في هذا الديوان. تتوزع النصوص على قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر أو الخاطرة، وتتميز تلك النصوص بتكثيفها اللغوي الشديد، الذي يجعلها تندرج في إطار ما يعرف بقصيدة الومضة، أو الفكرة. وهي قصائد غالبا ما تكون العلاقة مع الآخر الرجل هي محور تلك النصوص، الأمر الذي يجعل الخطاب موجها في الغالب من ضمير المتكلم المفرد المؤنث/ الشاعرة، إلى الآخر/ الرجل، تبثه فيها أشواقها وحنينها، وتستعيد معه ذكريات الزمن الجميل الهارب، حتى يتحول إلى محور عالمها الذي تظل تدور حوله، وتستمد منه إحساسها بالفرح والحب والأمل. إن خطاب الحب في هذه النصوص يتحرر من تلك اللغة الحزينة المتوجعة، التي تطغى عليها غالبا مشاعر الفقد والأسى والغربة والعذاب، إذ إن الشاعرة رغم مرور عشر سنوات على غيابه ـ كما تصرح في إحدى نصوصها ـ يظل وهج تلك العلاقة مع الآخر/ الرجل ودفئها حاضرا، بمنحها الشعور بالحياة والنشوة والحب. نزعة التجريب على الرغم من أنني لم أقرأ للشاعرة فيما مضى، وبالتالي ليست لدي المعرفة بمدى تطور تجربتها، إلا أن الواضح من خلال نصوص ديوانها، أنها ما زالت في طور التجريب والبحث، وهو ما يكشف عنه تعدد الأشكال الشعرية لنصوص الديوان، بل إن بنية بعض نصوص قصيدة التفعيلة ما زالت تتميز باتصالها بالأشكال الأولى لتجربة قصيدة التفعيلة، التي تتميز بجملتها المكثفة والمحكمة البناء، دون أن تتخلى عن القافية لاسيما قافية الراء، في نصوص ديوانها الأخيرة: «وتنأى ويرحل عني القمر/ وتنأى الحياة بقلبي، وأًصبح ظلا لعهد أثير/ وذكرى لعمر مضى واندثر». إن هذا الميل نحو التجريب يعكس وعيا جماليا غير مستقر، إما لأنه ينطلق من اعتبار أن الحالة الشعورية المسـيطرة أثنـاء كتابــة القصيـــدة، هـي التـي يجـب أن تملـي شـكل القصيــدة، أو أن أنها تـرى قيمــة الشعر الجمالية عابرة لأشكال الكتابة الشعرية المعروفة، طالما أن قيمة الشعر فيما يقدمه من تجربة، وما يتميز به من بلاغة ولغة مركبة، عالية التكثيف والدلالة. تتباين مستويات النصوص بين قصيدة وأخرى، كما يتباين طولها، لكنها تظل في أغلبها تدور في إطار لغة البوح والمكاشـفة والنجـوى والشـوق، ما يجعـل الخطاب الشعري مستغرقا في استحضار الماضي، ومعاني الحب وذكرياته الجميلة، بينما تبقى الذات الشعرية مستغرقة في حضور الآخر فيها، وتملكه لكيانها ووجودها، وحصاره لها من جهات نفسها كلها: «ولا شوق بعدك أحمله/ ولا فرحا أستطيع/ وأبدأ يومي كل صباح بهذا السؤال/ إلى أين أهب منىَ هذا المساء؟/ إلى أين أهرب؟». وتقول في نص آخر مستحضرة معاني الحضور الجميل لللآخر، والذي تستعيد معه حالة الامتلاء الكلي لوجودها به: «ها أنت تعود/ مختزلا كل الزمن الممتد/ ما بين غيابك ذات مساء/ عني/ وغيابي عن نفسي الآن/ أتخيل/ إني أبكيك لألف مساء قادم/ واقفة عندك لما/ كنت هنا وهنا وهناك». ثيمة المطر ينحو خطاب الحب والشوق في نصوص الشاعرة منحى مختلفا عن أغلب خطاب اللوعة والعذاب والهجر الذي نجده في خطابات الحب الأخرى، وكأن ثمة تصالحا يقوم بين الشاعرة، وماضيها تقفز به فوق لغة الأحزان والفجيعة والبكاء، بل إن ثمة حضورا مغايرا تستمد منه تلك العلاقة قيمتها وجمالها وسحرها، يتجلى في أغلب نصوص بوحها وأشواقها ومكاشفاتها، مادا غلالة من الحب والنشوة والفرح على وجودها، وعلى إحساسها به. تشكل مفردات المعجم الشعري الأكثر استخداما مفاتيح دلالية هامة يمكن للقارئ من خلالها أن يستدل إلى شواغل التجربة الأساسية، وهواجسها وثيماتها. ولعل استخدام الشاعرة المكثف لثيمة المطر وأخواتها (الغيوم/ الماء/ الهطول/ الشتاء) وما تدل عليه من معاني الحياة والخصب والتجدد، هو ما يمنح خطاب الحب عند الشاعرة منحى مغايرا، لا يفقد معه الإحساس بالآخر وبالماضي الذي كان يجمعهما معا، ذلك الوهج والجمال والشعور بالفرح والانطلاق والحبور. من هنا يكتسب خطاب الشاعرة قيمته الخاصة، التي تجعل تيمة الحب وتيمة المطر متلازمتين من حيث الدلالة والحضور، سواء في عنوان النصوص، أو في متنها (كان شتاء رائعا ـ وحدك يا مطر ـ شتاء آخر من دونك ـ ندى). أما في نصوصها فتقول: «تألقت كثيرا والغيم بين يديك كنتف (المارشملو) ...... يا غرفة الغيم والبرد وال.. مطر/ يا من جعلتك أماكني الكثيرة كلها... شرفتك تقطر حبا والغيم بين أصابعها يذوب ويذوب/ لكنه الشتاء يبدو مصرا على على الاحتفاء بك/ آخر مطر وأنت ـ آخر صباح بارد وأنت ـ آخر أنا.. وأنت». لغة الأنثى في قصائد الشاعرة المفعمة بالحب والشوق والحنين، تغيب تلك الثنائيات المتقابلة التي تسم غالبا خطاب الأنثى إلى الرجل. كما تغيب معها لغة التفجـع والاستسـلاب، فهي رغم الهجر ما تزال مسكونة بالحـب وذكرياته، وأشواقه، يأخذها الحنـين نحـو الماضـي، دون أن تفقد روعة الشعور وحالة الامتلاء بالحب، التي تستعيدها مع الذكرى، وهي تبحر في جهات العشق الممتدة بين أقنومي الأنا والآخر، في أكثر لحظات توهجها الحميم: «ويذكر قلبي ابتسامتك العاشقة/ وعينيك لما تشاغب عينيَّ/ كفيك/ يا للندى المتقاطر من بين كفيك/ يا للندى... غيمة غيمة/ يسافر منك إليّ/ فمنك إليَّ». تتعدد شواغل النص الشعري في نصوص الديوان الأخرى، وإن كان في نطاق محدود، إذ نجد الحنين والشوق لا يقف عند ذكريات الماضي المسكون بالحب، بل يمتد إلى المكان الذي بات يفقد ملامحه القديمة وألفته وحيواته التي بددتها التحولات الجديدة، التي طالت كل شيء فيه، ومعه طالت ذكريات الماضي والزمن الجميل، ما جعل خطاب المكان مسكونا بالشعور بالحزن والفقد والأسى واللوعة، وهي تستدعي صوره الغاربة، وتحاول أن تسترده من غيابه : «دعوا الأصوات تأتي من جديد/ أغنية (الدوخي) من الدكان/ قرآن (للحصري) من بيتنا/ أم كلثوم عند الظهيرة من سيارة عابرة/ أضواء بعيدة من (كشك) صغير/ مطر على سياج متداع/ شمس تتقن إلقاء التحية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©