السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثنائية الشخصية الثابتة: التسطيح والتكوير

ثنائية الشخصية الثابتة: التسطيح والتكوير
8 مايو 2013 20:48
بحسب تعريف الناقد الدكتور إبراهيم حمادة في كتابه «معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية»، فإن الشخصية في المسرح: «هو الواحد من النّاس الذين يؤدون الأحداث الدرامية في المسرحية المكتوبة، أو على المسرح في صورة الممثلين وكما قد تكون هناك شخصية معنوية تتحرك مع الأحداث ولا تظهر فوق خشبة التمثيل، فقد يكون هناك أيضا رمز مجسد يلعب دورا في القصة، كمنزل أو بستان، مثل مسرحية «بستان الكرز» لأنطون تشيكوف، أو نحوها. ويميل بعض النقاد إلى تقسيم الشخصيات المسرحية إلى نوعين: شخصية منبسطة، وأخرى كروية، فالشخصية الأولى لها وجه واحد، يعطي مظهرا واحدا: كشخصية الحلاّق الثرثار، أو الفتاة الساذجة، وسلوك تلك الشخصية يمكن التنبؤ به إلى حد بعيد. أما الشخصية الثانية فهي على عكس ذلك: إنها متعددة المظاهر، وترى كما لو أنها كروية، وفي تلك الحالة، فسلوكها غير متوقع، كما توصف الشخصيات المسرحية بأوصاف خاصة ترتبط بمجالات تحركها، ومنها: الشخصية الحركية، الثانوية، الجامدة، الرئيسية، النمطية (المكرورة المخزونة)، وهي الشخصية ذات الخصائص النفسية أو الاجتماعية المحددة التي تظهر تقليديا في العديد من المسرحيات، مثل شخصية الشرير، أو المجنون، الزوج المخدوع، الخادمة اللعوب، وغير ذلك». ويمكننا أن نضيف إلى كلام الدكتور إبراهيم حمادة، أن الشخصية المسرحية تتكون من أبعاد رئيسية ثلاثة، أولها: الكيان المادي، ويشمل الجنس والسن والصحة والمظهر والتكوين الفيزيقي بوجه عام، وثانيها: الكيان الاجتماعي، ويتكون من الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الشخصية، ونوع العمل الذي تمارسه، ومكانتها الاجتماعية، وثالثها: الكيان النفسي، ويشتمل على المعايير الأخلاقية، وأهداف الحياة، وطريقة السلوك، والطبائع والميول، والعقد النفسية والقدرات والمواهب. أساس العرض المسرحي إن الشخصية المسرحية هي الأساس الذي يحرّك العرض المسرحي، بحيث إننا لا نستطيع أن نقدم مسرحية من دون وجود شخصية تتفاعل مع الأحداث عن طريق الحوار لكي نوصل القضية التي يريد المؤلف طرحها على الجمهور. ويقول الدكتور أحمد صقر في كتابه «توظيف التراث الشعبي في المسرح العربي»: «على أننا يجب أن نلاحظ أن الشخصية في الدراما لا تعدّ مادة خام بالنسبة للمؤلف، ولكنها من نتاجه، إنها تنبع من قلب المسرحية، ومن ثم فلا بدّ أن يكون هناك تلاؤم بين الشخصية والبيئة التي صوّرت فيها، ومن ناحية أخرى، فإن الشخصية في العمل المسرحي، تساعد أيضا على خلق الحدث والعقدة، بحيث إنها تلتصق بالعقدة عن قرب في شكل متداخل تؤثر كل منهما في الأخرى». إذا عدنا إلى كتاب أرسطو «فن الشعر» ترجمة عبدالرحمن بدوي 1953، فسنجد أنّه تحدث عن المأساة، وألقى على عاتق الشخصية مهام كبيرة وجلية في ذات الوقت، إلا أنّه لم يعط الشخصية الأهمية الأولى في المسرحية، بل أعطاها للقصة أو الموضوع، وقد أدخل على الشخصية المسرحية منذ عهد الإغريق وحتى وقتنا هذا، الكثير من التغيير والتعديل لكن بالمحصلة العامة يجب أن تكون في خدمة هدف الدراما، وهو تحقيق التصالح الداخلي، والتطهير، وقد أحسسنا ذلك وعرفناه من خلال مفهوم البطل الملحمي، الذي يظل يناضل ويكافح ويخاطر إلى الأبد، إلى أن يسقط في ساحة القدر، ليس لعيب في تكوينه، أو فجوة في نفسيته، بل لأن القدر لا بد أن ينتصر، وهذا بحسب ما يقوله الدكتور نبيل راغب في كتابه «لغة المسرح عند ألفريد فرج» عام 1986. وبعودة سريعة إلى بدايات المسرح، نجد أن المؤلفين ركزوا على دراسة الطبيعة البشرية للشخصيات، وفي العصر الحديث، انتقل الاهتمام من الطبيعة البشرية إلى التركيز على دراسة العلاقات البشرية بين الشخصيات، ولعل ذلك يتفق مع وجهة نظر وفكر الكاتب والمخرج الألماني الشهير برتولد بريخت الذي يدرس الشخصية من خلال علاقاتها الاجتماعية، لا من خلال الشخصيات بحد ذاتها، وعلى هذا نجد البطل الملحمي عنده لا ينهزم في نضاله بسبب ضعفه البشري، ولكن لأن القدر أقوى منه. وربما يدعونا ذلك بالضرورة إلى الانتقال للحديث عن طبيعة «البطل التراجيدي»، فهو إنسان قبل كل شيء، لكنه يمتاز عن الإنسان العادي بأنه يحاول تحقيق أهدافه التي يؤهله لها تكوينه النفسي وظروفه المعيشية بسبب خطأ ما في كيانه أو ضعف إنساني أوعيب في شخصيته، ويظل هذا الخطأ في التركيبة يلاحقه حتى ينهار وينكسر في النهاية، ومن أمثلة ذلك شخصية أوديب، في مسرحية سوفوكليس «أوديب ملكا» الذي سقط في النهاية نتيجة غروره، بعد أن كان قد قتل أباه وتزوج أمه بحكم الأسطورة. ومع ذلك فإن الأبطال التراجيديين يثيرون فينا إحساس الخوف والشفقة، ويحدثون لدينا ما يسمى بـ»التطهير»، ونخاف عليهم حينما يسقطون، كما نخاف على أنفسنا أن نلقى نفس مصائرهم. نمو الشخصية وتطورها من المهم في هذا السياق الإشارة إلى أهمية اهتمام المؤلف المسرحي وهو يرسم شخصياته أن يضع نصب عينيه ضرورة متابعة نمو الشخصية وتطورها خلال بناء الأحداث والصراع، فالتطور الفعلي للشخصية خلال نمو الحدث، هو الذي يكسبها الحياة والحركة والحرارة، فالمسرحية التي لا تتطور شخصياتها ضمن عناصر وحدة الموضوع والمعادل الموضوعي، تصاب بالركود، ويملّ منها المتفرج، ولهذا ينبغي أن تحمل كل شخصية في المسرحية بذور تطورها المستقبلي، بحيث لا نفاجأ بتصرف أي شخصية أو انقلابها من دون مبرر منطقي، حتى لا نقع في فخاخ مسرحيات الميلودراما، التي لا يعوّل عليها كثيرا في رسم شخصية مسرحية بأبعادها الثلاثة، ضمن منظومة من التركيب المنطقي في الرسم والتصوير والتجهيز النفسي والتقني وتأسيس الصراع الذي تخوضه في بناء الحدث، فالحب القاتل، من الممكن أن يتطور إلى الغيرة، ثم الريبة والشك، حتى لحظة القتل، كما نعرف ذلك اصطلاحا بمفهوم «الخلاص بالموت»، كما في مسرحية «عطيل» التي كتبها وليم شكسبير عام 1604، حينما أقدم عطيل في النهاية على قتل حبيبته ديدمونة، في أروع تصوير مسرحي للغيرة القاتلة. إن الحديث عن الشخصيات الرئيسية أو البطولية مثل عطيل، يوليوس قيصر، الزير سالم، سليمان الحلبي، هاملت، ماكبث، روميو وجولييت، وأنتيجونا وغيرها.. يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن (الشخصية المحورية) في المسرح، وهي الشخصية الأساسية التي تضطلع بمهام القيام بأهم ما في المسرحية من أحداث ووسائل ومهمات، ويطلق مصطلح الشخصية الرئيسية أو الأولى عادة على الدور الأساسي في المسرحية، وقد يكون هناك دوران متعادلان يحتكران الأهمية، كما يمكن أن توزع تلك الأهمية على شخصيات المسرحية كلها، حتى يتعذر تعيين بطل محدد، ولك أن تقيس ذلك على شخصيتي عطيل وإياجو عند شكسبير، لكن يبقى وجود شخصية مسرحية رئيسية منذ عهد الإغريق بالمسرح وحتى مسرحنا المعاصر، يمتلك أهمية خاصة، شخصية لديها رغبة جامحة في تحقيق هدف ما، قد يؤدي إلى هلاكها، ولكن نلاحظ أن الشخصية المحورية عادة ما يكون تطورها أقل من الشخصيات الأخرى، بسبب أنها تكون قد وصلت إلى قرارها الحاسم قبل بدء المسرحية، لكنها من زاوية ثانية، بموقفها وتكوينها وسلوكها تعمل على نمو وتطور الشخصيات التي تدور في فلكها. وإذا عدنا قليلا إلى شخصية إياجو في مسرحية «عطيل»، يمكننا أن نكتشف نوعا مغايرا من الشخصيات الرئيسية، ممثلة في شخصية الخصم، إياجو الخبيث المنافق، الذي كان يؤلب ويشكك الجنرال المغربي عطيل في زوجته ديدمونة، فكانت شخصيته من أكثر شخصيات المسرحية تنوعا وإثارة، بعد أن حققت للصراع المسرحي قوة ما بين العنصرية والحب والغيرة والخيانة، وبذلك يمكن من خلال تركيبة (الشخصية الخصم)، تحقيق معادل موضوعي مؤثر للشخصية الرئيسية، أو ما يمكن تسميتها بـ (الشخصية الضدية)، وهي الشخصية المسرحية التي تقوم بتدبير مكيدة، أو معارضة ضد البطل أو البطلة، ولعل شخصية إياجو المدمرة، وشخصيتي الملك كلوديوس ووزيره بولونيوس في مسرحية «هاملت» خير أمثلة على ذلك. قد يمثل البطل أو الشخصية المحورية في المسرح فردا أو مجموعة، أو فكرة رمزية، فمثلا في مسرحية «روميو وجولييت» وهي واحدة من أجمل الكلاسيكيات العالمية التي كتبها شكسبير، تصور لنا سوء الطالع في حياة روميو، الذي وقع هو وحبيبته جولييت ضحية لصراع العائلات، لكن شكسبير أراد من معالجة قصة الحب هذه أن يطرح علينا فكرة تضحية الفرد بنفسه من أجل الجماعة والمصالحة، مبتكرا في ذلك الوقت ما يمكن تسميته بـ (الشخصية الوطنية)، كما نرى وجها آخر لهذا النموذج البطولي في شخصية أنتيجونا، في مسرحية «أنتيجون» للكاتب الإغريقي سوفوكليس، وفيها نرى نوعا متكاملا من الصراع مع القانون المدني، الذي يمنعها من دفن أخيها لأنه خان وطنه، ويعاقبها هذا القانون بالموت إن أقدمت على دفنه، وبين الخضوع لعاطفتها نحو أخيها والتي تدفعها إلى دفنه، بل وإقامة الشعائر الدينية له، وبذلك تعبر أنتيجونا في هذه المسرحية عن إرادة شعبية، وعن جماعة كما فعل من بعدها روميو. بين الورق والخشبة إذا أردت أن تكون مؤلف مسرحية ناجحة محكمة، فما عليك إلا بناء ورسم وصقل شخصيات متنوعة في محيطها الاجتماعي وطريقة تفكيرها وسلوكها، فالمسرحية التي تتوازى فيها أمزجة ورؤية الشخصيات للأشياء، حتما ستكون مسرحية ذات بعد واحد، ولن يكون هناك صراع درامي متنام أو ديالكتيكي، كما ينبغي، لأن التعارض بين الشخصيات هو هدف في حد ذاته، هدف يبني ويساعد على نمو وتطور الحدث، وصولا إلى الحبكة أو إلى الذروة، ومن ثم تحقيق حوار مسرحي بمفهومه الخلاّق، فالحوار مثلا يجب أن يكون ناتجا عن نظرة أو طبيعة كل شخصية ومحتواها الاجتماعي والإنساني، فإذا لم تكن الشخصيات متعارضة ومحتدمة وواضحة المعالم، فلن يكون هناك حوار معبر عن الصراع الأساسي في المسرحية. إن أهم ما في بناء شخصيات المسرحية، هو أن ينتمي مؤلفها لها، فبقدر إخلاصه وعشقه لشخصياته على الورق، بقدر ما تكون خطوطها وملامحها واضحة للجمهور، كما أنها بهذه السمات من الرسم والصقل والفهم، ستكون هي ـ ونعني بذلك الشخصيات ـ مخلصة لنفسها وحوارها وتصرفاتها، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الإيهام بالواقع، بحيث نصبح أمام شخصيات من لحم ودم، شخصيات تتحرك أمامنا بجدية، بل وتقنعنا بأنها شخصيات حقيقية، وأن ما يحدث أمامنا على المسرح هو حقيقة علينا أن نصدقها. علينا أن نعرف أن الشخصية المسرحية، هي أحد أهم العناصر في تكوين النص المسرحي الجيد والمصقول، وثمة خصائص عديدة تتحقق بها فاعلية هذه الأهمية، وتتجلى بوضوح في بنية النص الدرامية والقالب الفني الذي ينتهجه الكاتب لصياغة موضوعه وتركيبه على شخصيات، تمتلك ذلك (الخلق الفني)، بما يجعلها محور الاهتمام والانتباه، كونها تحمل إلينا المكونات الرئيسية للحدث الذي حضرنا من أجله إلى قاعة المسرح، وعلى قدر موهبة وحرفة الكاتب وتمكنه من صنعته في رسم شخصياته وإبراز طبيعتها وسماتها وظروفها، ما يمكننا من رؤية الإنسان وعلاقاته المتشابكة مع بقية الشخصيات من خلال خيال كتابي خلاّق، وبهذا القدر من صنع الجماليات، يمكننا الاستمتاع بالعرض المسرحي، الذي يحقق بالمجمل ذلك الارتقاء من حيث العمق الفكري والفلسفي، ومن حيث التقنية، ودقة التعبير، والخطاب الفني المعاصر، فلا يكفي الكاتب أن يرسم شخصيات ناجحة، بقدر ما يتطلب منه أن يكون معاصرا في رؤيته، وجميلا في لغته وانسيابيته وأسلوبه الفني في التعبير والتصوير، ولهذا فإن الأساس في النص المسرحي، وما يختزن في رحمه من رمزيات وإسقاطات، وشخصيات، نابع في الأساس من (التجربة المعرفية) للكاتب، تجربة تتفكك وتوحي وتشتغل على الأبعاد الفنية وسمات الشخصيات، وروح البحث في الظاهرة الإنسانية والاجتماعية، لتحقيق النسق الدرامي، الذي يبقى ولا يندثر مع الأيام. ولهذا يمكن القول إن هناك شخصيات مسرحية خالدة نتيجة ذلك (التوهج الدرامي) في صناعتها، فتبقى في الذهن شخصيات مركبة، وشخصيات مسرحية تنتهي بانتهاء كتابة المسرحية أو عرضها، ومن ذلك نمط الشخصيات المسطحة، كونها لا تمتلك خواص محددة تميزها عن غيرها، وهي كما تعرف في المسرح أيضا بالشخصيات الثانوية. ما بين الشخصية القدرية في المسرح الإغريقي، وبين البطل الخلاصي في المسرح الكنسي، والبطل الشعبي البسيط في المسرح المعاصر، ثمة تطور ومفارقة، فنحن في مسرح اليوم أمام بطل متأزم، بحكم ظروف العصر، وإذا عدت قليلا إلى مسرح اللامعقول (العبث) ستجد أن ملامح الشخصية والبطل قد تغيرت، بل انقلبت تماما، فقد تغيرت الملامح والمعالم، وفي ذلك تقول الناقدة الدكتورة نهاد صليحة أستاذ النقد في أكاديمية الفنون بالقاهرة: «القارئ لمسرح العبث نادرا ما يجد شخصيات متفردة محددة الملامح في إطار سياق اجتماعي تاريخي محدد، فشخصيات هذا المسرح تقترب إلى حد كبير من النمط الإنساني الذي كان يقوم بدور البطولة في المسرحيات الدينية في العصور الوسطى، وكان يسمى ببساطة الإنسان، أو رمز جميع البشر»، وحيث إننا لا نريد التوسع في هذا الموضوع أكثر يمكننا تلخيص الموضوع، على أننا على الدوام ـ مهما تطورت وتغيرت أشكال المسرح ـ أمام شخصية حتى وإن كانت عدمية عبثية، كما نرى شخصيتي فلاديمير وإستراجون في مسرحية «في انتظار جودو» للايرلندي صموئيل بيكيت، فعلينا على الدوام البحث عن شخصية الإنسان في هويته وثقافته وسلوكه وردود أفعاله تجاه الحياة، ومن هذه المصادمة، يمكن أن يصنع المسرح الحقيقي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©