الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلمات ملونة

كلمات ملونة
15 مايو 2013 14:32
احتضن مهرجان الشارقة القرائي في دورته الخامسة النسخة الثانية من معرض الرسوم الاحترافية الموجهة للطفل، والذي ضم منتخبات عالمية وعربية من المعالجات البصرية، التي تتخلل الإصدارات التخصصية من قصص وكتب حكائية تترافق عبرها الصورة بالنص، بما يدعم الذائقة البصرية ويحرض على مصاحفة العين لأفكار ورؤى تتجاوز المعتاد لتبلغ مقامها المأمول، من خلال إتاحة الفرصة أمام الجمهور على تنوع قطاعاته واهتماماته واشتغالاته لكي يحظى عن قرب بمشاهدة هذه الرسوم القادمة من 27 دولة عربية وأجنبية، ما يعكس تلك الآفاق العريضة الصادرة عن مخيلات وثقافات شديدة الثراء والتمايز. ولعل القيمة المتجلية والأكثر وضوحاً في هذا المعرض، إنما تكمن في التقاء الثقافات الإنسانية داخل بوتقة بصرية وجمالية واحدة، من شأنها أن توجز الزمان والمكان في تلك الرسوم الخبيرة المحاكية للحلم والمغامرة والارتحال والتعلم، إضافة إلى فرادتها في نقل مشاهد تحفل بالمفردات والتفاصيل والمؤلفات العامة للمكان أو الفضاء الحاوي، بما يشتمل عليه من معالم معمارية قد تنتمي لطرازٍ حضاري أو حديث، إضافة لمناظر الطبيعة وما تتضمنه من زوايا يتخيرها الرسام بعناية، لتتوافق مع ما يطرحه من مضامين تتعلق بموضوع رسومه الحافلة بالشخوص الواقعية والتخيلية من بشر وحيوانات وطيور، قد نراها تتجاور أو تتقاطع مع شخصيات وأمكنة أسطورية تمتاز بملامحها وبنائها الساحر المدهش وفق ما يطرحه الرسام من علاقات تبرز تفهمه لنص الحكاية المكتوبة، التي يمكن له أن يرسمها بأسلوب فني معبر عن محتواها وتتابع أحداثها مبتكراً لنفسه النمط الفني والتقنية التي يعمل من خلالها، سواء كانت واحدة من طرائق الرسم اليدوية، أو الطرائق الرقمية التي تعتمد على برامج الجرافيك والتصميم الفني، بكل ما تتيحه من حلول تركيبية وتلوينية باهرة تمنح الإبداع المرسوم طبيعة مغايرة لتلك الطبيعة التي يتبدى بها الرسم اليدوي بما يمتاز به من أصالة وإخلاص لطرق التمرس الفني الأولى ومن بينها الرسم، الحفر الطباعي، الكولاج باستخدام قصاصات ملونة من الصحف والمجلات أو حتى الأقمشة، إضافة إلى غير ذلك مما يراه الفنان مناسباً لتقديم فكرته أو تصوره الفني لمشهد ما أو حكاية في مجملها أو مقاطعها المتشابكة ضمن البناء العام. ولذا فإن المتعة الحقيقية التي يمكن لزائر هذا المعرض أن يجنيها هو ولوجه الجميل شيئاً فشيئاً إلى دنيا الحكايات المرسومة أو المصورة، فكل لوحة من اللوحات المعروضة خلال (معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل) إنما تمثل عالماً خاصاً يتجاور مع غيره من العوالم الموجودة في بقية اللوحات، ليجد الزائر نفسه، وقد تنقل من عالم صغير إلى عالم أكبر يتسع لكل الأفكار والخيالات، والرؤى دون أن يقف أمامه حائل أو يعوقه عائق لا مكان له في ها هنا، حيث العالم المستجيب بكليته للحلم الغارق في عذوبته والفكرة المنطلقة نحو التحقق والإدهاش والتطور المتجدد مع حركة الزمن. فهذا المعرض بمثابة كتاب عالمي مرسوم ببراعة، ليجعلنا نسافر ضمن الرسوم ونحلم مع أبطال الحكايات، فنتصور أنفسنا وقد صرنا من الأبطال وأمراء الحكايات والمخترعين والمغامرين، حيث يمكننا أن نرتحل من فكرة إلى فكرة، ومن مدينة واقعية إلى أخرى خيالية، ومن مختبر علمي إلى أثر تاريخي أو مركبة فضائية.. ونجوب العالم متنقلين مع الضوء إلى أعماق بحرية وقمم جبال شاهقة وشامخة تنظر إلى الأرض من علياءها متفحصة في كل ما يدور في أركانها من حكايات تصلح أن تدخل إلى دنيا الحكايات، وأحداث تحمل من التشويق ما يجعلها قادرة على تحفيز قريحة الحكائين وكتاب قصص الأطفال للاستلهام والإفادة مما تحمله في ثناياها من مضامين ومعلومات. وينبغي الإشارة هنا إلى أن هذا المعرض يعد الأول من نوعه والأكبر في المنطقة العربية والشرق الأوسط بما يؤكد بطبيعة الحال على الريادة والمقدرة الحقيقية على تبني المشاريع الفنية والثقافية التي تصب في صالح تشجيع الإبداع الحقيقي واحتضان المشتغلين به بغض النظر عن أعمارهم أو أجناسهم، وبهذا تحقق الشارقة حلمها في الانفتاح على العالم المعاصر مشرعة مساحات التجاوب مع كل ما هو جاد وراسخ وحقيقي بما يمتلكه من جماليات تسمو بالذائقة الفنية للإنسان وترتقي بأفكاره، كما تعمل على تقريب المسافات بين شعوب الأرض عبر إزالة الحواجز والأقانيم المصطنعة التي باتت غير متناسبة مع توجه الإنسان نحو مستقبلٍ ذكيٍ يعد بالكثير من التقدم والتطور والارتقاء. ومما لا شك فيه أن هذا المعرض سيُلقى بالمزيد من الظلال الإيجابية على الأجيال الطالعة من أبناء المنطقة من الذين حظوا بالمشاهدة المباشرة للأعمال المعروضة، أو الذين كان لديهم الحظ في اقتناء كتاب المعرض المتضمن لكافة الرسوم المشاركة بالعرض. لقد حظيت هذه الدورة بمشاركات عربية من الإمارات، مصر، لبنان، سوريا، الأردن، تونس، فلسطين، العراق، السودان وقفت جنباً إلى جنب مع رسوم قادمة من المكسيك، إسبانيا، ألمانيا، بولندا، اليابان، إيطاليا، سلوفانيا، كندا، أوكرانيا، موريشيوس، الأرجنتين، شيلي، ليتوانيا، سويسرا، تايلاند، أمريكا، أفغانستان، إيران، وهي رسوم تميزت بارتفاع مستواها الفني نظراً لاختيار 75 مشروع فني للعرض من بين أكثر من 300 مشروع تقدموا، وذلك وفق عدة معايير التزمت بها لجنة اختيار الأعمال التي تألفت من الفنانين رؤوف كراي من تونس، وليد طاهر من مصر، لينا مرهج من لبنان، حيث عملت هذه اللجنة في سبيلها لاختيار الأجود والأجدر بالعرض والنشر والتكريم، عبر آليات عمل تقتضي بالإعلان بداية عن المواعيد والاشتراطات الفنية والأدبية الواجب اتباعها من قبل الرسامين المشاركين، بما فيها ما يرتبط بحقوق الملكية الفكرية، وأسس بناء العمل الفني المرتبط أصلاً بكتاب الطفل في مظهره ومضمونه الشيقين. وهذه الأعمال المنتخبة للعرض خلال الدورة الحالية من المعرض، إنما هي أعمال فنية متميزة أمكن لها أن تفرض ذاتها للعرض، دون أن يكون ـ ووفق رؤية اللجنة التخصصية ـ أي انحياز تجاه فنان على حساب آخر، بما يسهم في تحري الاختيار الموضوعي المعبر عن فهم حقيقي لمتطلبات الطفل العصري الذي يمتاز بذهنية فائقة وخيال تكنولوجي غير مسبوق، مع اعتبار قيمة البعد الحضاري، والثقافات المجتمعية، التي يتم تداولها عبر أفكار أدبية قادرة على دفع الرسام للتجاوب الحقيقي والإبداع الخلاق. إن الرسوم المشاركة تتنوع أسلوبياً وتقنياً بما يسهم في تقديم مساحة مشاهدة وتفاعل ثرية أمام الرسامين المعنيين وطلاب الكليات الفنية من زوار المعرض، خاصة وأن هذه الرسوم تعكس بجلاء قدرات الفنانين على التعبير عن أفكار قصصية وقيم وعادات وكائنات حية ومتخيلة ترتكز في مجملها على رونق اللون وتحرر الخط وفيض من فضاءات ومسطحات تتواشج في تكوينات بديعة. ولعل المشاركة في هذا المعرض لا تقف فقط عند حدود عرض الأعمال الذي يعتبر في حد ذاته فوزاً مستحقاً للرسامين العارضين، ولكنه يتعدى ذلك حيث تتم طباعة كافة الأعمال المعروضة، وكذلك مختصر السير الذاتية للرسامين وبيانات الرسوم المشاركة مع بيانات التواصل مع الفنانين من أرقام هواتف وبريد الكتروني ليتم بذلك خلق حلقة كبيرة وقوية من التواصل الواجب بين الفنانين وبعضهم البعض، وكذلك بين الفنانين والناشرين المختصين في أنحاء العالم، بخلاف الجانب الثقافي الذي يدعمه المعرض ويهتم بنشره على المستوى العالمي، من خلال النشر والترويج الدوليين، هذا إضافة إلى الجوائز التكريمية التي يرصدها المعرض للفائزين في كل دورة من دوراته المتعاقبة. والتي فاز بالجوائز الرئيسية منها هذا العام الفنان السوداني محمود جاه الله والفنانة الإيرانية نوشين صافاخو والفنانة الألمانية إلسا كليفر، في حين ذهبت الجوائز التشجيعية إلى الفنان السوداني صلاح المر والفنانة اللبنانية جوان باز والفنانة الإسبانية أراتكس لوبيز طبقاً لما أقرته لجنة تحكيم دولية تألفت من الفنان رؤوف كراي من تونس وألكسندرا مارش من الولايات المتحدة وميشال ستانكوفيسكي من لبنان. ليدلل هذا المعرض فيما يدلل على استمرارية العمل الجاد من قبل المؤسسات المختصة لأجل تحقيق الأفكار المبتكرة القادرة على مواكبة الخيال والإبداع الإنسانيين الطامحين لبلوغ دخيلة الطفل وتلبية احتياجاته المعرفية والجمالية الخالصة، والتي من شأنها أن تؤسس لأجيال إنسانية تمتاز بانحيازها للجميل وتضافرها تحت مظلة القيم النبيلة الداعية للخير والسلام، وبلوغ العالم لمكانة لائقة ومثالية، حيث يمكن للجميع صغاراً كانوا أم كباراً أن يحلموا مع الرسامين في العالم، آملين في تحقيق أحلامهم الصغيرة والكبيرة، تماماً كما تحقق هذه الرسوم الشيقة خيالات وأحلام كتاب القصص. لذا فإن هذا المعرض يمثل دعوة واجبة وتحريضاً محموداً لاكتشاف الرسوم الموجهة للطفل والتفاعل معها، مع التعرف على مبدعيها المتحققين في أنحاء العالم، كما أنه يمثل مدرسة جديدة تفتح أبوابها أمام الرسامين المعلمين من كافة الدول ليعرضوا خبراتهم في قلب مدينة عربية قادرة على احتضان الجميل المتنوع القادر على إحداث الأثر الإيجابي لدى العموم والخصوص من أبناء المنطقة وما يجاورها ويحيط بها من مجتمعات وشعوب خُلقت في الأصل لتتضافر وتسهم في عمران الأرض بالعمل والفكر والثقافة فحسب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©