السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم عيسى: واقعنا هزلي.. وفج

إبراهيم عيسى: واقعنا هزلي.. وفج
12 مايو 2013 10:02
إبراهيم عيسى.. اسم يعرفه القاصي والداني في العالم العربي، كأحد أهم وأبرز الوجوه الإعلامية والصحفية في مصر، ومؤسس تجربة الصحافة المستقلة في التسعينيات من القرن الماضي، وصاحب التجربة الفريدة في جريدة «الدستور» المصرية بإصداريها الأول والثاني، ومن بعدها جريدة «التحرير» اليومية المستقلة التي انطلقت عقب ثورة 25 يناير. لكن عيسى أيضا وإضافة إلى بروزه الصحفي والإعلامي، هو أحد كتاب الرواية المعروفين في العالم العربي، منذ إصداره روايته الأولى «في من يمكن تسميتها بالحبيبة»، ومن بعدها روايته الأهم «العراة»، ثم «مريم التجلي الأخير»، و»صار بعيدا»، وهو أحد أهم أسماء جيل الثمانينيات في الكتابة الروائية المصرية. روايته الأخيرة «مولانا»، الصادرة عن دار بلومزبري مؤسسة قطر للنشر، نافست بشدة على الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2013)، واستطاعت من البداية أن تحتفظ بمكان لها في القائمة الطويلة، ثم القصيرة. «مولانا» التي تتربع على رأس قوائم الكتب الأكثر مبيعًا منذ صدورها منتصف 2012، لقيت نجاحا جماهيريا واسعا، في مصر والعالم العربي، كما تصدرت قوائم التصويت واستطلاعات الرأي حول الروايات الأهم والأكثر توزيعا، وطبع منها 8 طبعات متتالية في أقل من عام، وهو رقم كبير يتزايد يوما بعد يوم. الرواية تتخذ من نموذج «الداعية العصري» أو داعية التليفزيونات والفضائيات ضمن ما أطلق عليه ظاهرة «الدعاة الجدد»، موضوعا لها متعرضة من خلال العلاقة الملتبسة بين نموذج رجل الدين العصري والسلطة المستبدة المتداعية لتفاصيل وقضايا المجتمع المصري خلال السنتين الأخيرتين قبل الثورة، حيث تنتهي أحداثها بوقوع حادثة انفجار كنيسة القديسين بالإسكندرية مطالع عام 2011، وقبل أيام من اندلاع الثورة. حول الرواية ومضمونها كان لنا حوار مع المؤلف ابراهيم عيسى. ?مَن «مولانا»؟ولماذا اخترت هذا النموذج ليكون محور الرواية؟ ?? «مولانا» الشيخ حاتم الشناوي داعية تليفزيوني عصري، وأحد نجوم الفضائيات في المجال الديني، معروف ومشهور، في الأساس هو شيخ أزهري مصري، خفيف الروح حاضر الدعابة لطيف الفكاهة، بلغة المصريين «فهلوي وشاطر»، يتمتع بثقافة دينية عالية، واطلاع واسع على التراث الإسلامي عموما وعلى التراث الديني منه، الفقهي والعقدي والكلامي، على الأخص، لكنه يمارس الدعوة والوعظ الديني بآليات العصر، من خلال البرامج الدينية التي تبثها الفضائيات والقنوات الخاصة، ومن خلال هذه التجربة تقدم الرواية صورة للمشهد المصري والداخل المصري والمجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة. أنا كتبت «مولانا» ربما لكي أقول للناس ما لا يعرفونه ولا يعلمونه ولا يحيطون به عن عالم ودهاليز وكواليس «رجال الدين والبزنس والسلطة». هناك مشكلة حقيقية تتجسد في تحالف دائما بين الوعظ الديني والتليفزيون الفضائي أو عالم الفضائيات. فنحن أمام «دين» يُسوق من خلال «واعظ»، «داعية»، «رجل دين»، «شيخ»، «فقهي».. إلخ وفي داخل حاتم الشناوي دائما وطول الوقت نزاع بين الدين الحقيقي والتدين الظاهر، بين جوهر الدين وما يريد أن يسمعه الناس عن الدين، بين حقيقة الدين الإنسانية والأخلاقية والروحية ودين الفضائيات والاستجابة لنزوع العامة إلى التسطيح والفجاجة والهروب من التفكير وتشغيل العقل. سلاح الشيخ ? كان الشيخ حاتم طول الوقت وعلى مدار الرواية يحاول أن يستتر وراء السخرية وأن يعلن من خلالها رأيه ضمنيا فيما يتعرض له من مواقف أو يلتقي بأشخاص.. لماذا التركيز في الرواية على هذه السخرية؟ ?? السياسة والشهرة والنجومية إضافة الى السخرية والتهكم اللذان يعتمدهما الشيخ حاتم إضافة إلى سرعة بديهته وحضوره القوي وذكائه الحاد، كل هذا أصبح في يده سلاحا فتاكا جعله منتقدا لاذعا وساخرا من رجال السلطة ومتهكما على استبدادها وسلطويتها وقبضتها القوية المتحكمة المسيطرة المهيمنة. وكذلك السخرية أيضا من رجال الدين الجهلة، المتطرفين المتشددين وتابعيهم وأعوانهم ومناصريهم من المتعصبين المنغلقين. وبما أنني أول قارىء للرواية، باعتباري كاتبها ومؤلفها، فلا بد أن أكون مستمتعا بما أكتب وأقرأ، ولهذا فحين كنت أتعرض للمواضع التي فيها سخرية كنت أضحك منها. وفي العموم الموضوع كله مثير للسخرية والضحك، فما حدث ويحدث في الواقع المصري خلال السنوات الأخيرة «حقيقي مسخرة» على كل المستويات، وملهاة لكنها «فجة»، ويجوز فيها التنكيت والسخرية والضحك من كل هذا العبث الذي نعيشه. رواية «مولانا» يلخصها الشيخ حاتم الشناوي في أحد مشاهدها وهو يقول «وأنت تعد لمحاضرة دينية أو تجهز لبرنامج ديني تحاول أن ترضي الجمهور، وأن ترضي الممول أو المنتج أو صاحب القناة أو الجهة التي تعاقدت معها لإتمام هذا العمل، وأن ترضي المعلن وشركات الإعلان، وأن ترضي المخرج أيضا.. ولو استطعت في رحلة إرضاء هؤلاء جميعا أن ترضي ربنا.. يبقى كويس!!» ? ثار لغط كبير بعد ترشح «مولانا» للقائمة القصيرة.. واعتبر البعض أن هناك محاباة أو مجاملة من جانب رئيس اللجنة المصري لمولانا وكاتبها.. ما ردك على هذه المناوشات؟؟ ?? فيما يخص الإشارة التي غمز ولمز بها بعض محرري الصحف الثقافية «مولانا» وكتابها، في بعض التقارير الصحفية، إلى وجود صداقة بيني وبين الدكتور جلال أمين، فأنا أتشرف بالدكتور جلال أمين كمفكر وكاتب قيمته أكبر من أن ينوه إليها أحد وكذلك معرفتي به، وأتمنى أن أكون من زمرة أصدقائه أو المحسوبين على أصدقائه. لكن لم يطرح وليس معروفا أنني والدكتور جلال صديقان أو أننا فعلا تربطنا علاقة صداقة قوية. ومسألة الصداقة هذه تصلح كمؤشر عاكس لمناخ التعامل مع الجائزة عموما ومع نتائجها من حالة الترصد وسوء الظن وتصيد «أي حاجة» لعمل «أي حاجة تشوشر وخلاص». «مولانا» هي أول رواية أكتبها بعد ظهور البوكر، وإذا كانت البوكر موجودة إبان صدور «مقتل الرجل الكبير» أو «أشباح وطنية» فربما كانت إحداهما أو كلاهما مدرجا في القائمة الطويلة أو القصيرة للجائزة. قصور النقد ? أين ترى الأزمة في مسألة تقييم الروايات أو المعايير التي على أساسها يمكن الحكم على رواية ما بأنها «ممتازة» أو «جيدة» أو تستأهل «الترشح» إلى قوائم البوكر. هل هي أزمة نقد ونقاد؟ ?? الرواية الآن في الوطن العربي تشهد زهوا وازدهارا وتطورا وكثافة واهتماما غير مسبوق، ولا أتصور على الإطلاق أن هناك حركة نقدية لا موازية ولا مصاحبة لهذا الإبداع كي نستطيع القول إن هناك نقدا مواكبا للإبداع، أو أن هناك معايير نقدية أو أي شيء! ليس هناك مدرسة نقدية عربية، ولا أعلام نقاد في الوطن العربي، هذه حقيقة ولن نفر منها، الناقد العربي في العموم لديه مشكلة أنه يعتبر نفسه «حكما» على الرواية وليس «ناقدا» لها. عندنا روايات عظيمة، وحركة نقدية ضعيفة وهزيلة، وهناك خلط فاحش بين ما يسمى عروض الكتب أو «الريفيوهات» والنقد الأدبي. أريد أن أشير فقط إلى آراء يكتبها قراء عاديون أو يعبرون عنها شفاهة خلال الندوات أو المقابلات التي تنظم لمناقشة الرواية، ليسوا بنقاد ولا أكاديميين، قد تبدو أحسن وأعمق وأنضج من كثيرين من حملة «دكتوراه» النقد العتيد! لم أقع وأنا أطلع على الصحف العربية الكبرى على مقالات نقدية تفتح لي أفقا أو تكون محرضا ومحفزا على الاتجاه لقراءة عمل جديد أو رواية جديدة، أو تثير شهيتي للاتجاه نحو هذا العمل أو ذاك. هي في أغلبها آراء انطباعية أقرب إلى عرض مضمون الرواية منها إلى تحليل العمل. الأمور مختلطة فيتم الحساب بناء على ذائقة الصحفي أو الناقد العادي أو ذائقة المحررين الثقافيين في مصر والعالم العربي. جزء كبير من نجاح البوكر في دوراتها الأعوام السابقة هو خلق حركة نقدية ومتابعة دورية للاهتمام والنجاح والرواج الذي تحققه الرواية العربية، كما أن بوكر تلقي الضوء على أسماء جديدة أو على روايات لم تكن معروفة على نطاق واسع. كسل عقلي ? ما أسباب هذا الغياب الذي تواتر الكلام عنه وتعددت فيه الرؤى من دون التوافق حتى الآن على وضع تصور محدد أو حلول فاعلة في أزمة غياب النقد وقلة النقاد؟ ?? المشكلة عموما تبدأ من حالة «الكسل العقلي» المسيطرة على العالم العربي كله، والنقاد شأنهم شأن غيرهم من الفئات مصابون بذات الداء. فالكسل العقلي هذا يدفع بالنقاد إلى الحكم على الأعمال التي يتناولونها، وخاصة الرواية، بالشخص وليس النص! بمعنى عندما يصدر أحدهم حكما على رواية ما بأنها رواية جيدة أو ممتازة، فإن هذا الحكم في الغالب لا يكون خاصا بالنص ذاته، قدر ما يكون منصبا على شخص كاتبه، الذي لا بد أن يكون معترفا به ومُعمّدا من جماعة النقاد وجماعات المثقفين وجماعة الكتاب، ومن دون هذا الاعتراف لن يكون كاتبا ولن تلقى أعماله الاهتمام المطلوب! فلو كتب مهندس كيمياء مثلا رواية، فأول ما يجابه به هو أنه «دخيل على الأدب» على اعتبار أن الأدب حرفة مقصورة على فئة دون غيرها! هكذا من دون النظر إلى عمله مجردا وبعيدا عن شخص كاتبه، ولو كان هذا الكاتب مشهورا أو شخصية معروفة، أو صحفيا متعدد العلاقات أو مقدم برامج في التليفزيون فتكفيه شهرته ويكفيه نجاحه وليبتعد عن الأدب! ما له وللأدب، وبما أنه صحفي فلا بد أن تكون روايته صحفية، هكذا يقولون ويولولون! الأحكام المسبقة والمعلبة والمرفوعة دائما، الأحكام المحبوسة داخل أنماط مكررة وجافة وضيقة! وفي ظني أن لجنة تحكيم الجائزة هذا العام قد فجرت هذه الأنماط وخرجت من أسارها وتقليديتها وتغلبت على هذا «الكهنوت النقدي المحنط». عن المشاغب صحفي مصري ولد عام 1965، التحق بالعمل في مجلة «روز اليوسف» منذ أن كان طالباً في السنة الأولى من كلية الإعلام. وتولى رئاسة تحرير جريدة «الدستور» اليومية من 1995 وحتى 1998 ثم في إصدارها الثاني من 2004حتى إقالته من جانب مالك الجريدة السيد البدوي في أكتوبر 2010. وهو حاليا رئيس تحرير موقع «الدستور الأصلي» الذي يعتبر نسخة إلكترونية منفصلة من الجريدة. ورئيس تحرير جريدة «التحرير» من يوليو 2011، ويقدم برنامجا تلفزيونيا. يعد إبراهيم عيسى أحد أكثر الصحفيين المصريين نشاطاً واحتجاجاً على ممارسات السلطة السياسية في مصر، ونتيجة لمواقفه أغلقت السلطات ثلاث صحف كان يرأس تحريرها، كما صودرت إحدى رواياته «مقتل الرجل الكبير». نال عدة جوائز عن عمله الصحافي.من رواياته «دم الحسين» (1992)، و«مريم التجلي الأخير» (1993)، و»دم على نهد» (1996)، و»مقتل الرجل الكبير» (1999)، و»أشباح وطنية» (2008). مكياج الشيخ * كانت تضع البودرة على جبهته بآلية محترفة وهي تقول مستجلبة رضاه: ? تمام يا مولانا. ضحك وهو يرد: ? بارك الله فيهكِ يا أخت «جورجيت». كرر أنور عثمان نفس جملته الرتيبة التي يقولها منذ عام حين صار ضيفاً رئيساً معه في البرنامج: ? تفتكر ما هو إحساس المصلين وراءك والمريدين لك وطالبي فتاواك لما يشوفوا مولانا وشيخنا يضع مكياجاً قبل التصوير؟..رد بحسم منبسط: ? ما النبي صلى الله عليه وسلم يا خويا كان بيحني شعره وبيكحل عينيه، النبي تتلهي يا أنور من أسئلتك الرخمة دي.. لم يكن الشيخ حاتم يطيق أنور منذ رآه أول مرة بعدما عرضت عليه محطة «الدنيا» أن يكون محاوره في برنامج جديد، أقنعوه أن محاضراته وبرامجه التي يقف فيها وسط جمهوره، أو يقعد فيها الشباب أمامه في مدرجات ويحكي ويقص عليهم ويروي لهم ويعظ فيهم، تُضيِّق جماهيره وتقصرها على الشباب فقط، إنما برنامج يومي يتلقى فيه أسئلة المشاهدين من كل الأعمار والأجيال والطبقات سينتقل به إلى دائرة أوسع. الحقيقة أن شيئاً من هذا لم يقنعه ليقتنع، فالذين يأتون إليه في مسجد السلطان حسن؛ حيث خطبته كل جمعة، عموم الناس الذين تضج بهم جنبات المسجد الواسع الفسيح الذي يضم بالميِّت ألفاً من المصلين، هذا غير من يجلس خارج المسجد ويحيط به، ومن يفد إليه في بيت أبيه في القلعة؛ حيث يذهب كل ثلاثاء مئات من الرجال والنساء طالبي البركة وطالبي الفتوى وطالبي المال، لكنه عمل فيها مقتنعاً بكلام مالكي المحطة؛ لأن الأجر الذي عرضوه كان مغريّاً، لكن أنور بدا له منذ البداية شيئاً حشراتياً وقال لهم: ? أصله عامل زي الدبانة الرخمة لما تدخل العربية وأنت مشغل التكييف، وتقعد تفتح الشباك كي تخرج فلا تخرج، ثم تقف تزن على الزجاج فتحس أنها ناوية على خروج، وأول ما تفتح زجاج الشباك تقوم طايرة راجعة على الكنبة أو نايمة فوق قفاك. * مقطع مكن رواية «مولانا»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©