السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لا أستبعد انضمام موسكو إلى منظمة المؤتمر الإسلامي مستقبلا

13 يناير 2006
حوار- محمد أبو الفضل:
تحفل العلاقات العربية - الروسية بكثير من الألغاز السياسية، التى استطاع البعض فهم جزء من جوانبها وعجز كثيرون عن تقديم تفسيرات مقنعة لبعض التطورات المفاجئة التى أثرت على نسيجها ، وقد بدت هذه الظاهرة واضحة فى عدد من الأحداث الرئيسية،سواء فى عملية الصعود أو الهبوط، التقدم والتراجع،التلاحم والابتعاد،وتعرضت علاقات كثير من الدول العربية مع موسكو لانتكاسات متتالية بفعل مجموعة من التحولات الدولية ، التى ساهمت ايضا فى عودتها لعافيتها الآن مع دول كانت بعيدة عن موسكو لفترة طويلة ،والآن يرى بعض الخبراء أن روسيا فى طريقها لتتبوأ مكانة عالمية تتواءم مع مخزونها من العلم والثقافة والموارد الطبيعية ، خاصة أنها نجحت فى تجاوز بعض عقباتها الاقتصادية وتتحرك بموجب خطة استراتيجية طموحة تتناسب مع تحديات القرن الواحد والعشرين وللتعرف على أسباب الاخفاقات فى العلاقات العربية - الروسية ومؤشرات التقدم التقت 'الاتحاد ' بالمفكر اللبنانى سهيل فرح الذى أقام لحقب طويلة فى روسيا ويلعب دورا مهما فى التواصل الحضارى بين الطرفين ، من خلال مايسمى بالبيت اللبنانى - الروسى، ويحرص بشدة على توفير أطر علمية لهذا التواصل ووضع مجموعة من الكتب والدراسات القيمة لتحقيق هذا الغرض ، وهو واحد من المطلعين عن كثب على كثير من تفاصيل الحياة الروسية بجوانبها المختلفة ، لذلك كان الحوار معه شيقا ومتشعبا ، حيث قدم من خلاله رؤية جديرة بالوقوف عند مفاصلها،مستفيدا من خبراته العميقة فى حوار وصراع الحضارات ، وقد أكد على وجود حركة متنوعة فى روسيا تشير مكوناتها الى أن موسكو سوف تصبح قطبا على الساحة العالمية فى غضون سنوات معدودة ·· وفيما يلي نص الحوار :
ماهى الأسباب السياسية لديناميكية العلاقات بين روسيا وكثير من الدول العربية ، سواء فى الصعود أو الهبوط ؟·
بداية الاهتمام العربى الجاد بروسيا كدولة عندها رسالة سياسية عالمية ولديها بنيان اقتصادى معين ، كان فى عام 1956 بعد اتمام صفقة السلاح الشهيرة بين مصر وتشيكوسلوفاكيا عبر الاتحاد السوفيتى السابق ، هذه المحطة هى القاعدة الرئيسية فى العلاقات بين الجانبين ، حيث شملت لاحقا أكثر من قطر عربى ، وتبلورت فى مجموعة من الاتفاقيات المهمة فى مجالات سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية وعلمية ، وكل مجال منها اندرجت تحته كثير من العناوين والتفاصيل الفرعية الدقيقة،التى أرخت بظلالها الايجابية على المسيرة المشتركة من العلاقات ، من خلال البعثات التعليمية التى تجاوز عددها 250 ألف مواطن درسوا وتعلموا فى جامعات موسكو وعادوا لبلادهم وقاموا بدور مؤثر فى تطوير العلاقات ، التى شهدت فى ستينات والنصف الأول من سبعينات القرن الماضى ديناميكية واضحة فى الحركة على مستويات متعددة ، انبثقت معظم معالمها من الدور الرئيسى الذى قامت به موسكو فى دعم حركات التحرر العربية والافريقية، وعبرت عن نفسها فى شكل بروتوكولات تعاون ، حددت الكثير من الخيوط السياسية، وبدأ النكوص التدريجى بعد العام 1976 وأخذ ذروته عقب انهيار الاتحاد السوفييتى فى بداية عقد التسعينات ·
كيف أمكن تجاوز هذه الفترة الحرجة ؟·
لقد خرج النور من العتمة ، ففى خضم حالة التدهور نشأت ظاهرة ايجابية أفضت لإقامة علاقات دبلوماسية بين روسيا وغالبية إن لم يكن كل الدول العربية التى ظل بعضها رافضا لأى علاقات موسكو ، خاصة دول الخليج العربى ، وتوسعت أطر التعاون من حيث الكم ، لكنها لم تتقدم من زاوية الكيف ، إذ تراجعت الحركة العلمية والثقافية بصورة كبيرة ، ويعود التوسع فى العلاقات، من جانب عدد كبير من الدول العربية، الى سقوط الايديولوجية الشيوعية ، فقد كانت هناك تحفظات على إقامة علاقات مع دولة ' ملحدة' فى نظر كثير من المواطنين والمسئولين، وفى الآونة الأخيرة بدأت بعض الدول تقوم بإعادة ترميم مجموعة من البنى وظهرت محاولات لإقامة علاقات جديدة وتشييد مشروعات اقتصادية مع دول لم تكن لها علاقات مع موسكو ·
بين المشرق والمغرب
معنى ذلك أن السبب الرئيسى لنمو العلاقات العربية الروسية هو سقوط الشيوعية ؟·
الى جانب هذا السبب هناك آخر لا يقل أهمية يتمثل فى أحداث الحادى عشر من سبتمبر ، عندما أخذت الولايات المتحدة موقفا حادا من بعض الدول العربية ، الأمر الذى دفع قياداتها للبحث عن حلفاء آخرين ( احتياطيين ) ، ومن هنا جاءت زيارة الملك عبد اللـه بن عبد العزيز التاريخية عندما كان وليا للعهد لموسكو قبل أكثر من ثلاث سنوات ، والتى حسمت بعض معالم التردد حيال علاقات المملكة مع روسيا ، وجرى اختيارها كمراقب فى منظمة المؤتمر الاسلامى ، أى مرشحة فى المرحلة المقبلة لتكون عضوا فاعلا فى المنظمة ، وهو ما يضفى قوة عليها ، وينفى أى مواقف سلبية أو اتهامات موجهة لموسكو إزاء نظرتها للاسلام ، ولا ننسى وجود أكثر من عشرين مليون مسلم فى الأقاليم الروسية ، فى حالة انصهار تام مع الجماعة الأرثوذوكسية الأكبر والأوسع حضورا فى الحاضرة الدينية والروحية الروسية ، وهم على وحدة حال تاريخية مع المجموعات التترية والتركية والسلافية ·
ويجب الاعتراف أن الروسية فى كل مراحلها كانت لها علاقات جيدة مع العالم الاسلامى ، وتعتبر موسكو من الحلفاء المهمين لعدد من الدول العربية فى مراحل مختلفة ، وهناك مواقف فى غاية الأهمية والحساسية لعبت فيها موسكو أدوار مؤثرة ، ومن الحكمة أن تلتقى الجوانب الايجابية بين الطرفين العربى والروسى الآن لتقدم لنا شكلا مناسبا للعلاقات المتوازية والمتينة ، وحتى يمكن الوصول لهذا الهدف من الواجب دراسة الأسباب التى أدت لركود أو تأخر العلاقات طوال السنوات الماضية وإزالة البقع السوداء التى ظهرت على ثوبها ·
ماهى الدوافع الحقيقية لتركيز موسكو على مصر والمشرق وإهمال الخليج والمغرب فى علاقاتها السياسية والثقافية فى فترة من الفترات ؟·
أنا كرئيس للبيت اللبنانى - الروسى نشاطى ينطلق من بيروت ولبنان بشكل عام ، وقامت فلسفلة البيت على أن هناك خصوصيات فى العلاقات المشتركة وكل أنشطتنا تركزت على لبنان واخترنا موضوعات لها علاقة به وبالمشرق العربى ( الخاص والعام ) الذى يلتقى ، من حيث تنوع الثقافات والمجموعات الاثنية وحوار أو صراع الأديان ، مع نظيره فى روسيا ، وفى النهاية الهم المشرقى هم عربى ، ولا يمكن تجاهل أن من أسباب التركيز الروسى على المشرق وجود علاقة قديمة بين موسكو وفلسطين ، التى لها رمزية روحية، وقبل المرحلة السوفييتية كانت هناك جمعية أسستها العائلة القيصرية واسمها ' الجمعية الامبراطورية الأرثوذوكسية الفلسطينية ' أنشأت 103 مدارس بين عامى 1886 و1913 من أهم المدارس فى سوريا ولبنان وفلسطين ، وساهمت فى تخريج عشرات الآلاف من المواطنين ، وللعلم أول ترجمة ظهرت للأدب الروسى قامت بها هذه الجمعية ، ومن رموز الأدب العربى الذين تخرجوا فيها الأديب اللبنانى ميخائيل نعيمة ، ومع ذلك نمت العلاقات بين روسيا والجزائر على المستوى العسكرى ، واحتفظت موسكو بعلاقات جيدة مع ليبيا ، وأوسع الدورات الاقتصادية الروسية - العربية الآن مع المغرب، وهناك أعداد كبيرة من مواطنى المغرب وتونس درسوا فى الاتحاد السوفييتى السابق ، مع عدم تغافل أن غالبية دول الشمال الإفريقى كانت توجهاتها فرانكوفونية ، وهذه التطورات شهدت مراحل صعود وهبوط بين الجانبين مثل غيرها من الدول العربية ·
هل استطاعت روسيا حل جزء من مشاكلها الداخلية ، بحيث تستطيع ممارسة دورها على المسرح العالمى؟·
روسيا مع بوتين أفضل بكثير مما كانت عليه خلال مرحلة يلتسين ، حيث أعاد الأول أجزاء كبيرة من عزة وكرامة المواطن الروسى واستطاع دعم حركة الاقتصاد فى إطار ما يوصف بالبرجوازية الوطنية الروسية ، وتصاعدت قوته البنيوية وانتعشت، ولم يكتف بذلك بوتين بل وجه ضربات موجعة لبعض لصوص الاقتصاد الروسى من اليهود الذين هربوا عشرات البلايين من الدولارات الى خارج البلاد ،واتسموا بضعف الانتماء الوطنى ·
فـروق جوهـرية
هل لم يعد اليهود من المؤثرين فى الاقتصاد الروسى وفشلوا فى تكوين جماعات ضغط على غرار ما يحدث فى الولايات المتحدة ؟·
هناك فروق جوهرية بين الدولتين واختلافات أساسية بين دور اليهود فى روسيا وفى الولايات المتحدة ، واستطاع هذا اللوبى أن يحكم روسيا أثناء فترة يلتسين ، وبعده جرت عملية قصقصة لكثير من أجنحتهم ، بسبب السياسة الوطنية المحكمة للرئيس بوتين الذى يريد النهضة لبلاده ، وقد تجاوزت أشكال التخريب التى قام بها اليهود في المجالين الاقتصادى والسياسى ، ووصلت الى المجال الثقافى والفكرة الوطنية الروسية ، وفى هذا السياق شن ميخائيل شفيتكوى وزير الثقافة (اليهودى) السابق حربا منظمة على رموز الأدب الكلاسيكى الروسى التى ساهمت فى صناعة الهوية الثقافية والروحية لجميع أنحاء العالم ، لصالح سياسات العولمة الاستهلاكية ، وبرغم كل محاولات تقليص نفوذ اليهود ، إلا أنهم لا زالوا من العناصر المتحكمة فى عدد من مفاصل الحياة فى روسيا ، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاعلامية ، وهو ما يمثل لب الصراع بين الاتجاهين الوطنى والغربى ، ولا أدرى متى ينتهى ؟·
أنت من المتفائلين بامكانية نهضة روسيا لتصبح قطبا رئيسيا بعد تجاوز مشاكلها المعقدة ، فما هى المؤشرات التى تعزز هذا التقدير ؟·
ليس لدى القدرة على للتنبؤ بموعد نهضة روسيا ، لكن توجد مؤشرات تؤكد على ذلك فالاقتصاد الروسى فى عهد يلتسين وصل الى ما دون الصفر والآن تتراوح معدلات النمو الاقتصادى فى العامين الماضيين بين 7,5% وإذا تواصل النمو بدرجة معتدلة سوف تنهض كل العجلات الروسية ، فضلا عن الاكتشافات الكبيرة للموارد الطبيعية والاحتياطيات الوفيرة منها، وتمتلك مصادر واعدة لم تستخدم بعد ، ونحن فى بدايات توافر عقل اقتصادى ديناميكى وعقل سياسى ديمقراطى ، ما يعنى توقع حدوث انتعاش على المستويين فى المستقبل ، خاصة أن النخب الفكرية تعمل من أجل صياغة خطاب فكرة جديدة لروسيا ، وتوسعت دوائر الاهتمام بالتراث والثقافة الروسية بكل ألوانها ، الأمر الذى يغنى المشهد السياسى فى حصيلته النهائية، ولدى معلومات تؤكد أن هناك 150 مليار دولار تملكها الحكومة الروسية لم تستخدم حتى الآن وهى موجودة كاحتياطى استراتيجى فى الداخل والخارج ·
ومن العلامات الايجابية فى روسيا الآن تزايد المشروعات العملاقة فى المجال الصناعى ، وتصاعد الأنشطة العلمية للعقل الروسى الذى يعتبر من أفضل العقول العلمية على مستوى العالم، مع الاتجاه لوقف نزيف هجرتها للخارج ، فى الوقت نفسه بدأت تتقارب أضلاع المثلث الحيوى ، الحكم والمثقفين والشعب ، التى تمثل أحد مرتكزات النهضة الروسية الشاملة ·
يبدو المشهد الروسى الحضارى آخذ إذن فى التبلور ، استنادا الى ما يسمى بعلم البدائل الحضارية الصاعدة فى روسيا،كيف يمكن أن تؤثر على توجهات موسكو السياسية ؟·
انتشرت بروسيا فى الآونة الأخيرة المعاهد والمراكز التى تعمل فى مجال علم البدائل الحضارية،الذى يدرس أسباب فشل التجربة الاشتراكية وأسباب تعدد المشروع الليبرالى على المستوى الكونى مثلا والبدائل المطروحة على الأصعدة المختلفة، وهناك مجموعات علمية تشتغل لمعرفة كل بديل فى العناوين الرئيسية، ونشطت اجتهادات المفكرين الروس لتقديم وجهة نظر حضارية جديدة ، ومن الكتابات المؤثرة كتاب الكسندر بنارى 'إستراتيجية روسيا فى القرن الواحد والعشرين '، وأوجه نداء من هذا المنبر( الاتحاد ) للمترجمين العرب الذين درسوا فى روسيا أن ينكبوا على ترجمة القسم الأكبر من أعمال هذا المفكر الكبير ، وأكد صعوبة أن يعيش العالم دون تعدد فى أقطابه وتوقع أن تلعب روسيا دورا محوريا ، لكن عليها أن تعيد الاعتبار للجوانب المشرقة فى شخصيتها الروحانية وتراثها العلمى والثقافى وقوتها العسكرية والتقاليد الاقتصادية التى أهملت لفترة طويلة ، وأن تدخل موسكو روح العصر من باب الفاعل والمنتج والارتكاز على موروثها الايجابى وعقولها المبدعة، من خلال تصالح الحاكم السياسى والكنيسة الأرثوذوكسية وكل الأطياف الروحية للشعب الروسى·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©