الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المهمة الليبية... التنمية لتحفيز الديمقراطية

المهمة الليبية... التنمية لتحفيز الديمقراطية
11 مايو 2011 23:12
تمثل ليبيا شأنها في ذلك شأن العديد من البلدان التي قررت واشنطن التدخل بقوة فيها لأسباب استراتيجية، ناهيك عن تدخل قوات "الناتو" هناك، فرصة أخرى لتعلم بعض الأمور حول التدخلات العسكرية. وإذا كان لابد لنا من الاتفاق على خلاصة واحدة نخرج بها من التدخلات والالتزامات الأميركية في مناطق عديدة على مدى العقدين الأخيرين فهي ضرورة رفع السياسة الخارجية الأميركية لمعايير التدخل العسكري في البلدان الأجنبية، وفي الوقت نفسه زيادة المساعدات الاقتصادية القادرة على ضمان الاستقرار في البلدان الهشة وتمكين الناس من الحقوق الديمقراطية. ولكن ما نشهده حاليّاً في ليبيا هو ذلك التوجه التقليدي الذي ميز السياسة الخارجية الأميركية لعقود وهو مزيج بين المثالية الحالمة والسذاجة المترسخة في الذهن الأميركي، والنتيجة، حسب هذه الفكرة التقليدية، أنه لكي نعزز الديمقراطية ونساعد الشعب الليبي الباحث عن الحرية يتعين ضرب أهداف استراتيجية بصواريخ موجهة بالليزر مع الحرص على عدم إصابة التجمعات المدنية التي تحاول قوات القذافي الاختباء فيها، ثم انتظار رحيل القذافي طواعية عن السلطة. وهذه الفكرة المثالية للسياسة الخارجية الأميركية لخصتها وزيرة الخارجية نفسها، هيلاري كلينتون، بإعلانها أن "القذافي يجب أن يرحل دون عنف أو دماء" ليتحول الأمل في مغادرة القذافي للحكم إلى استراتيجية لواشنطن تعلق عليها تدخلها في ليبيا. والحال أن قوة أميركا الحقيقية لا تكمن في قدرتها فقط على الإطاحة بالمستبدين، أو نشر قواتها العسكرية، بل في مدى التزامها بدعم المجتمع المدني في البلدان التي تعاني من الاستبداد، وتعزيز النمو الاقتصادي المستديم القادر على خلق الثروة للمواطنين وتحسين ظروفهم الحياتية. ولذا فقد حان الوقت كي تتوقف الإدارة الأميركية قليلاً وتفكر في طرق أخرى للتدخل بعيداً عن القوة العسكرية، والبحث عن سبل جديدة لمساعدة بلدان تصارع الظلم والاستبداد مثل ليبيا والخروج باستراتيجية متكاملة تشمل، ضمن أشياء أخرى، دعم المقومات الاقتصادية لتلك البلدان. وبالطبع لن يكون هذا النوع من التفكير سهلاً في واشنطن التي تعتمد على ما تقوله بعض مراكز الأبحاث مثل حتمية التدخل العسكري والتنظير لصراع الحضارات والأيديولوجيات التي يجب التصدي لها باعتبارها أساس الإرهاب والتطرف في العالم، متغافلة بذلك عن الأسباب الحقيقية للاضطرابات والمتمثلة في وجود صراع أجيال يحرك قضية المتمردين، وهي قضية تقوم بالأساس على عوامل واقعية مرتبطة بإيجاد فرص عمل وتحسين المستوى المعيشي للناس، ففي البلدان غير المستقرة مثل ليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان والعراق والكونجو والسودان تشكل شريحة من تقل أعمارهم عن عشرين عاماً أكثر من نصف السكان، وكلهم يطمحون إلى حياة كريمة. وفي الوقت الذي يحتد فيه التنافس بين الشباب المتكاثر عددهم على مناصب العمل المحدودة تزداد مشاعر الإحباط وتتفاقم أسباب التوتر والاضطراب ليوفر هذا الخليط الخطير أرضاً خصبة لعدم الاستقرار والتمرد والإرهاب. وأكثر من ذلك أن هذه الشريحة الشابة والمتطلعة إلى مستقبل أفضل يطالها قمع الأنظمة المستبدة، وهذه الأنظمة إضافة إلى بطشها تغرق تحت الفساد والقسوة والاستخفاف بحقوق الناس. وهكذا تتحول البلدان ذات الكثافة السكانية العالية من الشباب وذات النمو الاقتصادي الضعيف إلى مجتمعات مستعصية على الإدارة. ولاشك أن وضعاً كهذا، هو عادة مما يسهل على حركات متطرفة مثل "طالبان" مهمة تجنيد المزيد من الأتباع، تماماً مثلما يسهل استقطاب جنود مراهقين في أفريقيا جنوب الصحراء، ويدفع إلى استمرار التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلى سبيل المثال أيضاً سيتضاعف عدد سكان اليمن ثلاث مرات بحلول 2033 وستتزايد مطالب الشباب الباحث عن العمل هناك بكل تأكيد. ومع تضاعف عدد الشباب العاطل والمحبط ستتزايد احتمالات التطرف، فالدراسات تشير إلى علاقة طردية بين بطالة الشباب وعدم الاستقرار الاجتماعي، والدليل أن 80 في المئة من النزاعات الكبيرة التي اندلعت خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات حدثت في بلدان 60 في المئة من سكانها تقل أعمارهم عن ثلاثين سنة. فما هو البديل إذن؟ يتعين على الولايات المتحدة التقليل ما أمكن من التدخل العسكري والتركيز على شبكة من البرامج تستهدف تحسين أساليب الزراعة في البلدان الفقيرة ودعم الصناعة وإفساح المجال أمام التجارة معها، وباختصار يمكن الحديث عن خطة إنقاذ اقتصادية شبيهة بخطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية التي استفادت منها أوروبا المدمرة. وإلى حد الآن ما زال الكونجرس الأميركي يخصص 22 في المئة من الميزانية العامة للإنفاق العسكري، فيما الأموال المرصودة للاستثمار الاقتصادي والتنموي في البلدان الفقيرة لا تتجاوز 1 في المئة. وبما أننا سنواجه في السنوات المقبلة اضطرابات اجتماعية وسياسية أكبر بالنظر إلى التزايد السريع في عدد السكان وانضمام شرائح كبيرة من الشباب إلى سوق العمل فإن الوسيلة الاستراتيجية لتقليل فرص التوتر هي دعم الولايات المتحدة للتنمية الاقتصادية باعتبارها الضمانة الأهم والأكثر فاعلية وفي نفس الوقت الأقل تكلفة لاستقرار الأمن العالمي. هذا ولن تتعزز الحرية بالطريقة التي يحلم بها المثاليون الأميركيون عن طريق الطائرات بدون طيار وحدها كما يجري حاليّاً في ليبيا، بل تتعزز أكثر بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي ومساعدته على استقرار أوضاعه من خلال تلقينه ممارسات زراعية وتنموية أفضل وتحسين خدمات توفير المياه والصرف الصحي، ودعم التعليم والمقاولات الصغرى، وهي كلها وسائل تتم على الأرض بالتفاعل مع الناس والإنصات لاحتياجاتهم الواقعية. مارك لانج مستشار سابق للوكالة الأميركية للتنمية الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©