السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمراض الكلام والحروف الضائعة

أمراض الكلام والحروف الضائعة
14 يناير 2006

صلاح الحفناوي:
تخيل مدرسا يعاني من التهتهة، كيف سيشرح المنهاج لطلابه وهل سيتقبلون ذلك؟، سؤال صعب· حاول أن تتخيل أيضا محاميا يترافع في ساحة القضاء فتتعثر الكلمات بين شفتيه فيما يرتجف موكله خلف القضبان الحديدية·
أمراض الكلام والنطق ترفع البطاقات الحمراء في وجه كل من يحلمون بالالتحاق بالكليات العسكرية أو بالعمل في مجالات التدريس والمحاماة أو من يحلمون بالعمل السياسي أو النيابي، بل أن الواقع يقول أن طبيبا يعاني من اللجلجة أو الثأثأة أو التهتهة أو الحبسة الكلامية لا يمكن أن يكون مقنعا لمريضه·
الحقيقة المؤكدة والتي قد تبدو غريبة بالنسبة للكثيرين هي أن الصوت والكلام والنطق تصاب بالمرض، وان أمراضها قد تكون عرضا لمشكلة صحية نفسية أو عضوية··· أو سببا لها، وأن مضاعفات أمراض الكلام والصوت والنطق والتخاطب قد تفوق بكثير مضاعفات الأمراض العضوية الأخرى وان رحلة العلاج من هذه الأمراض قد تمر عبر بوابة التأهيل الصوتي والتدريب الكلامي إلى التدخل الجراحي مرورا في بعض الحالات بالعلاج الدوائي العضوي أو النفسي·· وأن اللدغة أو اللثغة هي أكثر أمراض النطق والكلام انتشارا وشيوعا·· وحولها نجري هذه المحاورة مع احد الأساتذة المتخصصين في طب التخاطب والتأهيل الصوتي وأمراض النطق والكلام·
اللدغة أو اللثغة تبدو مشكلة بسيطة، الكثير من أولياء الامور لا يهتمون بإصابة احد الأبناء بها، ما المشكلة إذا نطق الابن السين ثاء، أو حول الراء إلى غين، هذا العيب في النطق لن يؤثر في صحته ولا يقلل من ذكائه· ولكن هذه المشكلة البسيطة يمكن أن تحرم الابن يوما ما من تحقيق حلمه في الانضمام لمجال وظيفي معين، وباختصار لن يُقبل شاب 'ألدغ' في أحد أصوات اللغة (أي الحروف)، في أي وظيفة يمثل النطق الصحيح فيها عاملاً محورياً· فهل اللدغة لها علاج، وهل يستطيع من يعاني منها أن يصبح خطيبا مفوها أو مذيعا لامعا، أو حتى مطربا أو ممثلا؟·· تساؤلات عديدة نطرحها على الأستاذ الدكتور حسام نصر أخصائي طب التخاطب وعلاج عيوب النطق والكلام والصوت في مركز المغربي بأبوظبي·
عائلات الأصوات
يقول الدكتور حسام نصر: تنقسم أصوات اللغة إلى 'عائلات' بحسب نوعها، وبحكم موضع نطقها· فهناك على سبيل المثال عائلة الأصوات الاحتكاكية الأمامية، مثل السين وعائلتها التي تشمل حروف 'ز' و'ص' و'ش' و'ج' العربية (المعطشة)·
وهناك أيضا عائلة الأصوات الاحتكاكية الخلفية مثل: 'خ' و'غ'، كما أن هناك عائلة شهيرة هي عائلة الأصوات الانفجارية الخلفية ومنها: 'ك' و'ق' و'ج' (بلهجة أهل القاهرة)·· وهناك عائلة الأصوات المنزلقة ومنها: 'ر' و'ل'·
والغرض من عرض هذا التقسيم الذي أسميناه مجازاً 'بالعائلات' هو حل لغز ارتباط بعض الأصوات بغيرها فيما يتعلق بعيوب النطق· فغالباً ما نجد أن الشخص الذي لديه 'لدغة' في أحد أصوات اللغة، يعاني أيضاً من صعوبة في نطق الأصوات التي تنتمي لنفس 'العائلة'· وأشهر مثل على ذلك هو 'عائلة 'س'، فمن ينطق حرف السين ثاء، لا بد وأن يعاني من نفس المشكلة بالنسبة لحروف 'ص' و'ز' وربما أحياناً 'ش' أيضاً·
* ومتى يبدأ الطفل نطق كل حروف كل عائلة بشكل صحيح؟
ـ هذا سؤال مهم لان معرفة مراحل النمو الصوتي عند الطفل تجعل أولياء الامور أكثر قدرة على متابعته ومن اكتشاف أي مشاكل تتعلق بطريقة النطق في وقت مبكر·· وهنا نريد أن نوضح أن لكل عائلة من أصوات اللغة مدى عمرياً 'تنضج' فيه، أي يصبح الطفل قادرا على نطقها بصورة صحيحة أو شبه صحيحة·
وعلى سبيل المثال نجد أن الطفل يبدأ في الشهور الستة الأولى من عمره في نطق الأصوات الانفجارية الأمامية مثل:'م' و'ب' و'د' والتي تتكون منها كلمتا 'ماما' و'بابا'·· لذا فلا عجب إن كانت هاتان الكلمتان هما أول ما ينطقه الطفل·· وتأتي معها أيضاً الأصوات الاحتكاكية الخلفية مثل 'غ' التي نسمع الرضيع يكررها، فنقول أنه 'يناغي'·· وهكذا نجد أن مجموعة الأصوات الانفجارية الخلفية تنضج حول سن الثالثة أو الرابعة، وبعدها مباشرة تأتي عائلة 'س' ثم 'ر'·
تفاوت طبيعي
وهذه ليست قواعد جامدة بشكل مطلق·· من المهم هنا أن نشير إلى أن هناك تفاوتا بين طفل وآخر·· وبين بيئة وأخرى· كما أننا يجب أن نسلّم بأن أغلب الدراسات في هذا الصدد مأخوذة من تجارب أجنبية، لكننا نضع هذا الجدول العمري لكي يسترشد به الأهل حتى يمكنهم عرض أطفالهم على الطبيب المتخصص في أمراض التخاطب في الوقت المناسب·· فهو تقسيم استرشادي وليس قطعيا·
ولماذا يصاب بعض الأطفال باللدغة ولا يصاب بها آخرون؟·· وهل لأولياء الامور دور في ذلك؟·
يقول الدكتور حسام نصر: عندما يأتي العمر المناسب 'لنضج' أحد أصوات اللغة، فإن عوامل عديدة تتداخل معاً، إما من الناحية الإيجابية لتشجيع الطفل على النطق السليم، وإما من الناحية السلبية، لإثنائه عن ذلك، وإبقاء النطق الطفولي الخاطئ يتأصل ويثبت في كلام الطفل حتى يصير شاباً ثم رجلاً فكهلاً·
ومن العوامل الإيجابية، وجود الطفل في جو يتمتع بنطق سليم وكلام بطيء نسبياً، حتى يستطيع الطفل استيعاب طريقة النطق الصحيحة لمختلف أصوات اللغة· أما سلبياً فنجد أن تمسك الأهل بالنطق الخاطيء للطفل، على سبيل التدليل والمزاح أو ظناً منهم أنه لن يفهم إذا نطقوا بصورة صحيحة، فإن هذا من شأنه تأخير اكتساب الطفل للنطق الصحيح·· فالذي يحدث أن البعض يتحدث مع الطفل مستخدما نفس الأصوات الخاطئة للحروف التي يستعملها طفلهم·· اعتقاد منهم أن ذلك يجعل كلامهم مفهوما أكثر بالنسبة للطفل·· وتكون النتيجة حرمانه من معرفة النطق السليم فيستمر على الخطأ الصوتي حتى يكبر·· كذلك الحال إذا كان أحد أو كلا الوالدين يعاني من لدغة، فالطفل يعتاد سماع نطق أصوات اللغة بصورة معينة ويعتبر، كما هو الحال بالنسبة لأهله، أن هذه هي الطريقة الطبيعية لنطق هذا الصوت أو ذاك·· وهناك عوامل أخرى سلبية مؤثرة مثل ضعف أو تأخر الطفل ذهنياً أو إدراكياً، وفرط حركته·· ولكن في مثل هذه الحالات، غالباً ما يكون العيب في النطق جزءاً لا يتجزأ من مشكلة أكبر هي تأخر الطفل لغوياً·
لدغات شهيرة
يضيف الدكتور حسام نصر: لو استرجعت معي عيوب النطق التي تصادفها يومياً في محيط العمل أو الأصدقاء أو الأسرة، ستجد بسهولة أن عيوب نطق حرف 'س' غالباً ما تكون على أحد ثلاثة أشكال: فإما أن تكون مثل حرف 'ث' فنسميها 'لدغة سينية بين الأسنان'، أو أن تكون متحورة بحيث ينطلق الهواء من على جانبي اللسان فنسميها 'لدغة سينية جانبية'، أو أن يخرج الهواء من الأنف مصحوباً باحتكاك في البلعوم (في مؤخر الفم) فنسميها 'لدغة سينية بلعومية'·
أما صوت حرف 'ك' وحرف 'ق'، فستجد من ينطقونه 'ت' أو 'ط'، وهذه نسميها 'لدغة من الخلف للأمام'· وبالطبع كلنا يعرف 'اللدغة الرائية' التي تصيب صوت 'ر'، فينطق 'غ' أو 'ل' أو 'و' بل وأحياناً يصدر من الأنف كأنه 'ن'!
وهناك نوع لا يلتفت إليه أحد تقريباً رغم شيوعه، تتحول فيه الأصوات المجهورة إلى مهموسة: أي تتحول 'ز' إلى 'س' فتصبح 'الموزة' 'موسة'، وتحويل 'غ' إلى 'خ' فيتحول 'رغيف' إلى 'رخيف'، و'ج' إلى 'ش' فُنطق كلمة 'جمل' على أنها 'شمل'، وهلم جرا· فالفارق بين 'ز' و'غ' و'ج' من ناحية وبين 'س' و'خ' و'ش' من ناحية أخرى هو أن المجموعة الأولى من الأصوات مجهورة، أي يتزامن مع نطقها ذبذبة في الحنجرة، بينما المجموعة الثانية تشابهها في النطق تماماً ماعدا هذه الذبذبة الصوتية، ومن هنا جاء وصفها بالمهموسة، أي بلا صوت·
وماذا عن العلاج؟
ـ بغض النظر عن التسميات والأنواع المختلفة، فإن هدفنا من عرضها هو بث الطمأنينة في نفوس من يعانون منها جميعاً، إذ أن مشكلتهم كما أشرنا هي اعتيادية بحتة، تحتاج فقط إلى التدريب· لا مجال إذاً للجراحة أو العلاج الدوائي·· ويتكون التدريب من ثلاث مراحل رئيسية: الأولى هي مرحلة إصدار الصوت موضع التدريب منفرداً ومجرداً، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التدريب على نطق مقاطع ثم كلمات تحتوي على هذا الصوت وأخيراً مرحلة التطبيق العملي من خلال القراءة ثم الكلام التلقائي ثم المسترسل·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©