الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زايد مسيرة وطن ونهج راسخ في الحكم والعدل

زايد مسيرة وطن ونهج راسخ في الحكم والعدل
2 نوفمبر 2008 02:24
لم تكن السنوات الأربع التي مضت منذ رحيل باني الوطن ونهضته الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلا دليل على رسوخ مؤسسات الدولة وإنجازاتها، فالنهج الذي أرساه الباني المؤسس مستمر وثابت· وتستحضر الإمارات اليوم ذكرى وتستذكر بفخر واعتزاز مسيرة التأسيس والولادة·· والشمس التي أشرقت وغيّرت وجه المنطقة بضيائها الذي أشعل الفرح والبهجة والبشر في زوايا الوطن من أقصاه إلى أقصاه· ويشكل يوم السادس من أغسطس عام 1966 منعطفاً تاريخياً مهماً ليس في تاريخ أبوظبي، بل في تاريخ المنطقة، فقد كان بداية انطلاق المغفور له لتحقيق الحلم الذي كان يراوده في البناء والنهضة والوحدة، فبعد أن تولى المغفور له الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي التي بدأت بشائر الثروة النفطية تظهر فيها، دارت عجلة البناء في كل مكان وتحولت أبوظبي إلى ''ورشة عمل'' كبرى صروح تشاد وطرق تشق ومدارس تبنى ومستشفيات، وقال ''رحمه الله'' وهو يقود ملحمة بناء وطن وإنشاء دولة قوية الأركان: ''لا فائدة للمال إذا لم يسخر لصالح الشعب''· بناء الإنسان واحتل بناء الإنسان المكانة الأولى في فكر القائد، وقدّم ''رحمه الله'' بناء البشر قبل بناء الحجر، وتمكن برؤيته المستقبلية العبقرية من أن يؤسس أجيالاً تنمي ما زرع وتصون ما بنى· ونذر المغفور له الشيخ زايد المال والجهد والنفس في سبيل إسعاد شعبه، وأخذ يجوب البلاد من أقصاها إلى أقصاها يتابع بنفسه عمليات البناء والتشييد، وينتقل من القرى والوديان، ويتفقد مشاريع الإنماء والإعمار، كان ''رحمه الله'' يخوض سباقاً مع الزمن وتحدياً للحاق بركب التحديث، وبدأت أبوظبي تخطو خطواتها الأولى نحو آفاق التقدم، وأرسى ''رحمه الله'' قواعد الإدارة الحكومية وفق أسس عصرية، وأمر بتنفيذ المئات من المشاريع التطويرية والخدمية، وأقام العشرات من المناطق والأحياء السكنية لتوفير المسكن الصحي الملائم للمواطنين، وامتدت مئات الكيلومترات من الطرق المعبدة الحديثة تشق الرمال، ودخلت المياه النقية العذبة بعد إنشاء محطات للتحلية كل بيت، وكذلك الكهرباء، وأقيمت المستشفيات والعيادات الطبية الحديثة في المدن والحضر، وحقق ''رحمه الله'' العدالة الاجتماعية، وانتشرت مظلة الأمن والأمان والاستقرار في ربوع البلاد، وبدأت الكوادر الوطنية التي تم تأهيلها تأخذ مواقعها في كل مكان في أبوظبي، وأصبحت الجزيرة مكاناً يؤمه البشر من كل أنحاء العالم· في أقل من أربع سنوات، شهدت أبوظبي والمنطقتان الغربية والشرقية تحولات جذرية، وحقق القائد المؤسس ''رحمه الله'' إنجازات عملاقة في جميع مجالات الحياة: تقدم عمراني وتعليمي وصحي واجتماعي وزراعي، وأصبحت أبوظبي من أسرع المدن نمواً وازدهاراً وتقدماً، ولم يكن ذلك ممكناً لولا رؤية القائد المتفردة بخصائص متميزة تنطلق أولاً من إرادة العطاء والإيمان بأن القيادة قول وعمل وتفان مستمر لخدمة الشعب وتوظيف المال والإمكانيات لخدمة ورفعة الوطن وإعلاء شأنه، وجسد المغفور له ذلك بقوله: ''إنني أب يرعى أسرته وأولاده ويأخذ بأيديهم حتى يجتازوا الصعاب ويشقوا طريقهم في الحياة بنجاح والحاكم ما وجد إلا لخدمة شعبه ليوفر لهم سبل التقدم والأمن والطمأنينة والاستقرار''· مسيرة تحديث متكاملة تلاقت فيها الأبعاد الروحية والمادية تعتبر مسيرة التحديث التي قادها المغفور له الشيخ زايد متكاملة، وتلاقت فيها الأبعاد الروحية والمادية والإنسانية، ونقطة البدء كانت عنده تنطلق دائماً من أن عطاء الإنسان لا يمكن أن يكون بلا حدود، إلا إذا كانت العناية به مثلها بلا حدود، ويجني الوطن والمواطن ثمار هذه الرواية وهذا الفكر العبقري والمستنير للقائد المؤسس ''رحمه الله وطيب ثراه''، فالأساس قائم على مبادلة ركيزتها المواطن والشعب، وفق منظومة متكاملة من القيم والأخلاق والتقاليد الأصيلة، وطريقها الثاني النهضة بمفهومها الشامل التي تواكب العصر ومتطلباته حتى يحتل الوطن مكانته بين الأمم المتحضرة· ولم يغفل المغفور له الشيخ زايد ''رحمه الله'' في ظل هذه المبادلة القائمة على الحكمة والأبوة دور المرأة، ففتح لها الأبواب للتعليم والعمل، وكانت المرأة حاضرة إلى جانب شقيقها الرجل في هذه المسيرة الوطنية الملحمية والمستوى الرفيع الذي وصلت إليه المرأة اليوم في الإمارات، ووجود أربع نسوة -في الوزارة، وتسع نسوة في المجلس الوطني الاتحادي، بالإضافة إلى وجودها في كافة قطاعات العمل الوطني- هو ثمرة من ثمار فكر وعطاء القائد المؤسس الذي قدم لها الدعم والاحترام والثقة، وما تعيشه الإمارات اليوم من تقدم واستقرار ونهضة وتوافق وسلام اجتماعي وتعايش إنساني، قلما نجد له مثيلاً في العالم، هو نتاج لعبقرية المغفور له الشيخ زايد المؤسس الذي أرسى هذه المعادلة الصعبة، ووضع الإمارات في مكانها اللائق بين الأمم المتحضرة والمتقدمة· حلم الاتحاد في خضم ملحمة البناء الكبرى التي قادها المغفور له الشيخ زايد في أبوظبي وبعد أن أرسى دعائم الإمارة، بدأ يتطلع بفكره الثاقب إلى الإمارات التي يجب أن يعمها الخير الذي عمّ أبوظبي·· وكان ''رحمه الله'' يتطلع منذ أن تولى مقاليد الحكم في أبوظبي عام 1966 وانطلاقاً من نهجه الوحدوي إلى جمع شمل ''الإمارات المتصالحة''، وبادر -وهو يرسي دعائم أبوظبي بعد أقل من عامين من توليه الحكم- بالدعوة إلى الاتحاد ولقاء إخوانه الحكام، وكانت بداية هذه الجهود بلقاء المغفور له الشيخ زايد مع أخيه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في 18 فبراير عام 1968 وبحثا في هذا اللقاء إقامة اتحاد بين الإمارتين يقوم بالإشراف على الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخدمات الصحية والتعليمية، واتفقا ''رحمهما الله'' على دعوة أصحاب السمو حكام ''الإمارات المتصالحة'' للاجتماع في دبي لمناقشة قيام اتحاد الإمارات العربية التسع الذي كان مفترضاً أن يضم إمارات ''أبوظبي، دبي، الشارقة، رأس الخيمة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة، بالإضافة إلى قطر والبحرين· وأكد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في ذلك اللقاء أهمية قيام هذا الاتحاد بقوله: ''إن قيام الاتحاد ضرورة قومية فهو يؤمن الاستقرار والأمن ثم إنه سيكون عوناً وسنداً لأشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم''· ثم تواصلت لقاءات المغفور له الشيخ زايد مع الحكام بعد لقاء دبي في ،1968 وكثّف ''رحمه الله'' مشاوراته مع إخوانه الحكام لإعلان ميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة، واستمر هذا الحراك السياسي النشط حتى مطلع السبعينات· وفي شهر يوليو ،1971 عقد مجلس حكام الإمارات اجتماعاً مهماً في دبي بحضور حكام الإمارات المتصالحة لبحث المسائل المتعلقة بقيام اتحاد الإمارات، وأقر هذا الاجتماع مشروع قيام الدولة الاتحادية وإقامة دولة الإمارات العربية المتحدة، وتقرر عقب الاجتماع إرسال وفود إلى العالم العربي والدول الصديقة لشرح أهداف هذه الخطوة والحصول على تأييدها ودعمها· وفي الثاني من ديسمبر عام ،1971 عقد الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للحكام، وتم خلال الاجتماع انتخاب المغفور له الشيـــخ زايـــد بن ســـلطان آل نهيان حاكم أبوظبي أول رئيس للدولة الاتحادية، وانتخاب المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً لرئيس الاتحاد، وتم تعيين المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رئيساً لمجلس الوزراء· وزفّ المجلس الأعلى في بيان تاريخي هذه البشرى لشعب الإمارات ولكافة الدول العربية الشقيقة والصديقة وللعالم أجمع، معلناً قيام دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مستقلة ذات سيادة وجزءاً من الوطن العربي الكبير تستهدف الحفاظ على استقلالها وسيادتها وعلى أمنها واستقرارها ورفع كل عدوان عن كيانها أو كيان الإمارات الأعضاء فيها· رسم السياسات لإرساء دعائم الدولة الحديثة فور الإعلان عن قيام الدولة الاتحادية، أمر الشيخ زايد ''رحمه الله'' بوضع جميع الإمكانيات والخبرات الإدارية والفنية لحكومة أبوظبي في خدمة الدولة الاتحادية حتى تكتمل مقوماتها وتمارس مسؤولياتها في أقرب وقت ممكن، وسخّر ''رحمه الله'' الثروة النفطية لبناء الكيان الاتحادي الوليد· ومن فاضل الأقوال التي يعتز بها تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة إعلان المغفور له الشيخ زايد ''أن الدولة تعطي الأولوية في الاهتمام لبناء الإنسان ورعاية المواطن في كل مكان من الدولة، فالمواطن هو الثروة الحقيقية على هذه الأرض وهو أغلى إمكانات هذا البلد''· والناظر إلى سنوات البناء والتأسيس والانطلاق يكتشف مقدار انطباق الشعار على الواقع، فالإنسان في الإمارات اليوم -كما كان في الأمس وسيكون في المستقبل- القالب الذي يتأطر حوله تقدم السياسات الموجهة لترسيم الاهتمام به لتعد للمستقبل المشرق وتصل حلقات مسيرة البناء إلى الغايات المنشودة· من هذه الزاوية، يجب النظر إلى الإنجازات التي تحققت في الإمارات، ومن هذه الزاوية يتوجب الحكم على التنمية والتكوين اللذين أخرجتهما عبقرية زايد إلى الوجود منذ ميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام ،1971 وأخذ القائد منذ بداية تأسيس الاتحاد إرساء دعائم الدولة الحديثة، وتحققت خلال سنوات وجيزة على يديه إنجازات عملاقة في جميع مجالات التقدم التعليمي، العمراني، الصحي، الثقافي، ونذر المغفور له الشيخ زايد نفسه لتوطيد أركان الاتحاد الذي قام على تلاقي الإرادات والقلوب، ولم يلجأ ''رحمه الله'' في سبيل تحقيق هذه الأمنية إلى الدخول في خصومات أو عداوات كثيراً ما تقترن بتوحيد كيانات مستقلة، وحقق الغفور له الشيخ زايد حلمه وفقاً لقناعته بأن أبناء هذه المنطقة شعب واحد وإخوة من أصل واحد، وكان يقول دائماً عند لقائه إخوانه الحكام: ''إننا لا نتصور أن نيأس من إقامة الاتحاد·· ولا نتصور أن نعيش بدونه''· وقدم المغفور له الشيخ زايد ''رحمه الله'' القدوة في العمل والتفاني والإخلاص في حب الوطن، وقال: ''لقد أعطانا الله الثروة من أرض وطننا، ولقد وجهنا الله سبحانه وتعالى إلى ما يريد لعباده ولقد سِرنا في هذا الطريق النافع لهذه الأمة وهذا الوطن، وقد تعلمنا من ''هذه الثروة'' أن نبنى بلدنا بالعلم والثقافة وتربية جيل جديد متعلم''، الأحلام تتحقق في مسيرة وطنية جسدتها صروح التقدم في زوايا الوطن، والإنجازات التي حققها القائد ماثلة في كل ركن من أركان الوطن، تتحدث عن نفسها بلسان فصيح يؤكد عبقرية القيادة وعطاءها الذي لا تتجاوزه عين· استقرار ورخاء في المنطقة الشرقية في العين كانت الإشراقة الأولى لقائد تمتع بكاريزما لم تتمتع بها قيادة من قبلُ، فجمع القلوب وألّف بينها قبل أن يجمع الرجال، فكانت خطوات الفقيد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''رحمه الله''، وهو في ريعان شبابه، واثقة ومؤمنة بأن الحال يمضي إلى الأفضل بفضل من الله وبعزيمة الرجال الذين التفوا من حوله تربطهم المحبة والإخلاص والولاء، وعندما بلغ الشيخ زايد الثامنة والعشرين من عمره تولى حكم مدينة العين عام 1946 بقراها السبع بصفته حاكماً للمنطقة الشرقية، وترجم المغفور له الشيخ زايد هذه الفترة إلى نقلة تاريخية للمنطقة الشرقية عندما أشاع العدل والأمن والاستقرار والرخاء في ربوعها، وأرسى فيها نظام الري ''المجاني'' بعد أن قام بحملة واسعة لإصلاح الأفلاج، وباشر بنفسه وبيديه الكريمتين العمل على إصلاح هذه الأفلاج، وأمر بأن تكون السقاية والري وفقاً لنظام محدد مجاناً لجميع المواطنين لتعود الخضرة إلى العين ومزارعها· وذاعت شهرة المغفور له الشيخ زايد بين عرب البادية وأبناء القبائل في المناطق المجاورة الذين كان لا يختلف عنهم في الفكر والطبائع والبساطة، فهو ابن البادية والصحراء التي أنتجت آل نهيان الكرام، وفي ريادة زايد عند توليه حكم المنطقة الشرقية، قال العالم الشاعر الشيخ عبدالرحمن بن علي آل مبارك، وهو من علماء الدين في الإحساء هذه الأبيات: منذ نشا وهو ذو عزم وذو همم لم يثنه عنها العسر والخطر سباق للمجد والعلياء يعشقها كأنما المال يوماً عنده مدر وهكذا شيمة العز الكرام ترى من جاء ساد وشاع العلم والخير فزايد زاد في خلق وفي كرم هيهات هيهات تحوي شكله العصر أحيا مآثر آباء له سلفوا فالجود منهم إليه جاء ينحدر·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©