لغتنا

في صباح يوم مشرق وجميل، كنت أتنقل في ربوع مدرستي الحبيبة، وشعري الطويل يرفرف مع نسمات الهواء العليلة. أصابني الحزن عندما رأيت ما كتب على الحائط من كلمات مثيرة للدهشة باللغة الإنجليزية، وطلاب يتحدثون بها. رأيت أصدقائي يتصافحون ويتبادلون الأحاديث باللغة الإنجليزية، أو بما يسمونه «لغة الشات». يا ترى ما الذي حدث؟! كيف ندمر لغتنا الأم الحبيبة بأيدينا؟ ذهبت حينها لأتحدث مع أصدقائي، وأعرف سر ما يحدث. عندما وصلت قلت لهم باللغة العربية: - مرحباً يا أصدقائي! كيف حالكم؟ - هاي فاطمة! واتس آب يا مان؟! كان الجميع متعجبين مما سمعوا من لغةٍ عربية. ازداد الفضول عندي وسألتهم عن سبب تحدثهم بهذه اللغة الغريبة، والتي لا تكاد تفهم. كانت إجابتهم لسؤالي بكل ثقةٍ وتفاخر، بأن هذه اللغة هي اللغة المعاصرة، ومن لا يتحدث بها يكون إنساناً غير معاصر أو متحضر. وصلت إلى بيتي وأنا مستاء مما شاهدت من اندثار للغتي. أهكذا نحافظ على لغة القرآن؟! هل من الحكمة أن نقتل لغتنا الحبيبة بأيدينا؟! وإذا بي أسمع صوت شخص يناديني. نظرت خلفي وأمامي ومن حولي، وما من أحدٍ! استمر الشخص بالنداء وقال: - أحمد! يا أحمد! أنا عقلك. لن تستطيع أن تراني. ارتاح قلبي وهدأ ضميري حينما أخبرني بأنه عقلي. - لقد شاهدت جميع ما حدث من أحداثٍ مثيرةٍ للغضب في صباح هذا اليوم. - الحمد لله أنك قد جئت! - تكاد لغتنا الحبيبة تندثر وتتدهور والحل موجود بين أيدينا. أخذ العقل يناقشني عن لغتنا قديماً، وأنها كانت أقوى لغةٍ على الإطلاق. سميت لغتنا لغة الضاد الذي يتميز بمنزلة فريدة من بين الحروف الأخرى، ولذلك اختاروه ليكون مميزاً للعرب عن غيرهم. مرَّ شهر من الزمن على قدوم جون إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. اصطحبت جون معي إلى مدرستنا ليرى ما يؤلم الأعين! عرفته على تلاميذ صفي المتحدثين بلغة الشات التي لا وجود لها في الواقع. ذُهل جون لما سمع من عبارات تقال نصفها باللغة العربية، ونصفها الآخر بالإنجليزية، وبينهما عبارات عامية تقع في أوسطها. بادر جون بتشويقهم إلى حب وتعلم اللغة العربية عن طريق أن يقص لهم قصته لتعلم اللغة العربية. أخبرهم جون بأنه عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، دخل الإسلام بسبب صديقه المسلم الذي صحبه إلى الهداية والنور. لم يجد جون حلاً آخر لتعلم اللغة العربية غير أن يسافر إلى بلد عربي، ففي بلده لا يتحدث الناس اللغة العربية، وعدد المساجد قليل. تمكن جون من خلال الدورات التعليمية والتدريبية في المملكة العربية السعودية من التحدث باللغة العربية كما أراد. فرح جون كثيراً عندما تعلم اللغة العربية، ولأنه تمكن من تعليمها لأهله. أحس تلاميذ صفي بالخجل الظاهر على أوجههم. ندموا على أنهم لم يعرفوا قيمة لغتهم الحبيبة أو إدراكها. قرر زملائي من اليوم فصاعداً أن يتركوا لغتهم الغريبة وغير المفهومة. منار محمد عبدالحميد