الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زعماء المافيا وقصص الخارجين عن عصا الطاعة

زعماء المافيا وقصص الخارجين عن عصا الطاعة
3 نوفمبر 2008 01:27
من حيث الأصل والنشأة، يقال إن كلمة مافيا ٍmafia إيطالية وتعرف هناك أيضاً باسمها الآخر (كوسا نوسترا) cosa nostra، وكانت تستخدم في ما مضى للإشارة إلى المجتمع الإجرامي الذي كان يستوطن جزيرة صقلية· ويعتقد المؤرخون أن البداية الأولى لعصابات المافيا انطلقت من صقلية في أواسط القرن التاسع عشر· ويرجع البعض كلمة (مافيا) إلى تركيبها كصفة في اللغة الإيطالية حيث يقال (مافيوزو) mafusu لعضو المافيا، ولهذا أرجع البعض أصلها إلى كلمة (مرفوض) العربية باعتبار أن العضو فيها يصبح خارجاً عن القانون· وانتشرت عصابات المافيا من صقلية إلى بقية نواحي إيطاليا وإلى الشواطئ الشرقية للولايات المتحدة وأستراليا أواخر القرن التاسع عشر· وكانت موجات المهاجرين الطليان إلى العوالم الجديدة وراء هذا الانتشار· إمبراطورية فيتزيني كالوجيرو فيتزيني واحد من مئات مشاهير زعماء المافيا في إيطاليا· ولد في 24 يوليو من عام ·1877 وتنطوي قصة نشأته الإجرامية على الكثير من العبر والدروس· فعندما فشل في المدرسة الابتدائية، قرر الانضواء تحت حماية مجرم هارب يدعى فرانشيسكو باولو فارسالونا الذي كان يطلق على نفسه اسم (الرجل الشريف)· وعندما اعتقل فارسالونا في عام ،1903 وجد فيتسيني نفسه مسؤولاً عن المافيا التي أنشأها، وورث من سلفه العلاقات المتشابكة والمتينة مع الماركيزات والبارونات ورجالات السلطة· وراح يرتقي في سلالم السلطات الإجرامية حتى افتضح أمره عام 1917 وحكم عليه بالسجن 20 عاماً بتهم الاحتيال والابتزاز والقتل، إلا أنه سرعان ما تمكن من تقديم الرشى لكبار المسؤولين فأطلق سراحه· وكانت هذه بدايته الأولى لتأسيس إمبراطورية لا تحدّها حدود لتهريب المخدرات اخترقت أميركا وأوروبا وآسيا· وفي عام ،1931 أصبح فيتزيني يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وعدداً من مناجم الفحم وسلسلة من المراكز التجارية· وفي عام 1949 افتتح مصنعاً للأحذية في باليرمو دفع الشرطة للشك في أنه مصنع للهيروين· ونقل فيتزيني نشاطه بعد ذلك إلى الولايات المتحدة فاتسعت إمبراطوريته أكثر وأكثر إلى أن مرض ومات في 10 يوليو من عام 1954 في فيلادلفيا وشارك في جنازته أعداد كبيرة من المشيعين· إسكوبار وجمهورية مادلين في مقاطعة مادلين الغابيّة المنعزلة في كولومبيا، وفي واحدة من أكثر الفترات التي عاشها هذا البلد عنفاً، نشأ بابلو إسكوبار متشرباً حتى الثمالة بحب العنف والتطرف والتسلط حتى بات النطق باسمه في تلك البلاد الشاسعة يكفي لدبّ الرعب في قلوب الناس· وسرعان ما أصبح قائداً لعصابة من المافيا تمتد جذورها في كافة أجهزة الدولة وفي الولايات المتحدة أيضاً· ولد بابلو في الأول من ديسمبر من عام ،1949 وقتل في الثاني من ديسمبر من عام ،1993 وكان ابناً لفلاح ومعلمة مدرسة· استهواه العنف، وتملّكه حبّ القتل واستلاب أملاك الغير منذ كان مراهقاً· واستهلّ تاريخه المنحرف بسرقة السيارات في شوارع مدينة مادلين قبل أن يكتشف في نفسه تفوقه في فنون قيادة العصابات المنحرفة من رجال المافيا· ولم يكن يدري في ذلك الوقت أنه سينضم ذات يوم إلى لائحة أغنى أغنياء العالم· ومن طرائف سلوكياته المنحرفة أنه استهوى ذات مرة سرقة شواهد القبور الرخامية من مقبرة قرية إنفيجادو التي ولد فيها، وكان يبيعها في القرى المجاورة أو للمهربين الباناميين· وبدأ هذا الميل للإجرام يتبلور في نفسه شيئاً فشيئاً حتى وجد منشغلاً (بعمله) طوال اليوم؛ يبيع السجائر الأميركية المهربة· وأوحى له عقله المنحرف بأفكار لا تخطر على بال من أجل ربح المال، ومن ذلك أنه كان يقوم بتزوير أوراق اليانصيب ويبيعها في الشوارع· وجاءت لحظة القفز إلى القمة عندما بدأ يتعاطى جمع الهروين وبيعه لوكلاء تهريبه إلى الولايات المتحدة· وكان هذا العمل هو البداية الأولى لتأسيس أضخم إمبراطورية في العالم لزراعة وتهريب المخدرات· وتحول إسكوبار بين عشيّة وضحاها إلى أقوى رجل في كولومبيا كلها بعد أن تمكن من اختراق الأجهزة الحساسة في الدولة· انتشرت شهرة بابلو وذاع صيته عام 1975 عقب إقدامه على اغتيال زعيم المافيا السابق في مادلين الذي يدعى فابيو ريستريبو بعد أن اشترى منه 14 كيلوجراماً من الهيروين· وسارع رجاله بعد ذلك إلى طمأنة رجال ريستريبو إلى أن بابلو قرر ضمّهم جميعاً إلى عصابته· وفي شهر مايو من عام 1976 وفيما كان إسكوبار عائداً مع جماعة من عصابته من الإكوادور وهم يحملون الكوكايين المهرب، اعتقلهم رجال مكافحة المخدرات الكولومبيين وزجوا بهم في السجن· وحاول إسكوبار رشوة قضاة مادلين ولكنه فشل· وبعد عدة أشهر من جلسات المحاكم، تمكن إسكوبار من اختراق رجال القانون إلى أن تم الإعلان رسمياً عن اغتيال الضابطين اللذين نفذا عملية القبض على المهرّب الصاعد، فأطلق سراحه وأغلقت القضية· ومثلت هذه الحادثة نقطة انعطاف حاسمة في حياة بابلو الذي عرف الآن أهمية اختراق السلطة برشوة المسؤولين وقتل كل من يقرر عدم الرضوخ له· وفي أعوام الثمانينات أصبح إسكوبار معروفاً في العالم أجمع على أنه زعيم (مادلين كارتل) الذي قيل إنه كان يتحكم ذات مرة بنحو 80 بالمئة من حجم التجارة البحرية بالمخدرات بين الولايات المتحدة والمكسيك وبورتوريكو وجمهورية الدومينيكان وبوليفيا، خاصة بعد أن أصبحت (الكوكا) التي تنتجها كولومبيا تعرف بالجودة· ووصلت منتجات إسكوبار إلى العديد من البلدان الأخرى بما فيها كندا ودول آسيا· الطبخة الناضجة للفساد وتمكن إسكوبار من رشوة كبار المسؤولين وصنّاع القرار والقضاة والسياسيين في كولومبيا· وكان نظامه الإداري يقضي باعتقال وقتل كل من يرفض التعاون معه· وكتب للمئات من الكولومبيين الأبرياء الذين رفضوا الانغماس في اللعبة أن يذهبوا ضحايا مواقفهم القويمة التي تقضي بالامتثال للقانون والدستور وليس لسلطة مافيا إسكوبار· ويقول محللون إن ''المافيا هي الطبخة الناضجة للفساد الإداري والسياسي''· لهذا السبب كان من الطبيعي أن يستشري الفساد الإداري في كافة مرافق النشاط الحكومي في كولومبيا في أيام سطوة وجبروت إسكوبار· وكما هي حال الجدل القائم حول من الذي خُلق أولاً، البيضة أم الدجاجة، فإن الكثير من الفلاسفة يتساءلون الآن: من الذي ولد أولاً ·· المافيا أم الفساد؟· ولإسكوبار طروحاته الفلسفية وقوانينه الخاصة في إدارة إمبراطورية المافيا التي كان يتزعمها؛ وهو الذي ابتدع قانوناً شهيراً يتألف من ثلاث كلمات ويمثل البند الأساسي في دستور المافيا وهو (فضّة أو رصاص) silver or lead الذي تحول فيما بعد إلى شعار (من ليس معنا فهو ضدنا)· وطرح بعد ذلك شعاراً آخر يقول: (إقبل الرشى أو واجه الإعدام)· وإسكوبار مسؤول أيضاً عن اغتيال ثلاثة مرشحين أقوياء لمنصب الرئاسة في كولومبيا كانوا جميعاً يخوضون معركة انتخابية واحدة عام ،1989 كما قام في ذلك العام بتفجير مبنى إدارة الأمن العام في العاصمة بوجوتا· وكانت مافيا مادلين كارتل خلال كل فترة حكم إسكوبار تخوض حرباً شعواء مع مافيا منافسة تدعى (كالي كارتل) ذهب ضحيتها الألوف من الطرفين وعدد كبير من الأبرياء الذين كانوا يتواجدون في ساحات المعارك بمحض الصدف· ويعتقد المراقبون أن إسكوبار هو الذي يقف وراء الهجوم الخطير على مبنى المحكمة العليا في كولومبيا عام ،1985 والذي نفذه ثوّار يساريون ينتمون لحركة 19 أبريل المتطرفة· وأدى الهجوم إلى مصرع أكثر من نصف القضاة الذين كانوا متواجدين في المبنى· ولم يفتضح سر علاقة إسكوبار بالهجوم إلا في أواخر عام 2006 عندما أصدرت (لجنة البحث عن الحقيقة) شهادة لثلاثة قضاة أكدوا فيها تورطه في الهجوم· وعندما بلغ إسكوبار قمة أمجاده في إمبراطورية المافيا التي شكلها، صنّفته مجلة فوربس كسابع أغنى رجل في العالم، ووصفت منظمته (مادلين كارتل) بأنها تتحكم في معظم أسواق الكوكايين في العالم· وكانت منظمته تستند إلى إمكانات لوجستية تفوق تلك التي تمتلكها بعض الدول كأساطيل الطائرات والزوارق واليخوت والسيارات الفاخرة والجيش المنظّم المجهز بأحدث الأسلحة والعتاد· وتقول بعض الروايات إنه اشترى ذات مرة غواصتين صغيرتين يمكن توجيههما لاسلكياً بطريقة التحكم عن بعد، وهما مخصصتان لنقل شحنات الكوكايين إلى شواطئ الولايات المتحدة والبلدان المجاورة· وتقدر الأرباح السنوية لمنظمة (كارتل مادلين) بأكثر من 30 مليار دولار· وفي 22 يوليو من عام ،1992 قررت الحكومة الكولومبية نقله إلى سجن أكثر أماناً وانعزالاً لمنعه من مواصلة نشاطاته غير القانونية إلا أن الخطة فشلت عندما تمكن من الهرب من سجّانيه· وأطلق هذا الهروب الجريء واحدة من أضخم حملات الملاحقة القضائية في العالم بقيادة الولايات المتحدة شارك فيها قوات ديلتا الجوية الخاصة التابعة لسلاح الجو الأميركي، وفرقة (الفقمات البحرية)، ووكالة المخابرات المركزية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وفرق من القناصين التابعين لمافيا (كالي كارتل) بالإضافة لفرق كاملة من القوات المسلحة الكولومبية المدعومة بالطائرات القاذفة والعربات المدرعة· وتمكن إسكوبار من الصمود 16 شهراً دون أن ينجح ملاحقوه في تعقب أثره إلى أن تمكنوا من التنصت على مكالمة هاتفية كان يجريها من أحد البيوت الآمنة التي يمتلكها في مادلين· وفي 2 ديسمبر من عام 1992 قتل إسكوبار برصاص القناصة فيما كان يقاوم بأسلحته من سطح بيته، وانتهت بموته الأسس التي كانت تقوم عليها أضخم إمبراطورية للمافيا عرفها التاريخ· إقامة جبرية في منتجع 5 نجوم بدأ نجم إسكوبار بالأفول عام 1990 عندما استجابت الحكومة الكولومبية لضغوط أميركية باعتقال أعضاء مافيا مادلين كارتل ونقلهم إلى الولايات المتحدة لمحاكمتهم هناك· ثارت ثائرة إسكوبار وراح يقتل الناس بالجملة بدعوى التعاون مع رجال الأمن· وبسبب تزايد الضغوط المفروضة عليه، عرض على الحكومة صفقة تقضي بتسليم نفسه بشرط أن لا ينفذ فيه حكم الإعدام· وقبلت الحكومة العرض وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منتجع راق واصل منه إدارة ما تبقى من إمبراطوريته المتداعية· الجريمة المنظمة يقول المؤرخ الإيطالي باولو بيتزينو :''المافيا هي نوع من الجريمة المنظمة لا تقتصر نشاطاتها على ممارسة لعبة الخروج عن القانون، بل إنها تميل للعب دور السلطة البديلة أو الموازية لسلطة الدولة''· وتشكل المافيا في صقلية مجموعة منظمات منفصلة يبلغ عددها المائة· وتشكل كل واحدة جماعة، لها رئيسها ونوابه ومساعدوه، وتبسط سلطانها على قرية أو بلدة معينة· والكثير من الصقليين لا ينظرون إلى رجال المافيا على أنهم مجرمون، بل يعدّونهم حماة الفقراء المدافعين عنهم ضد سلطة الدولة أو اعتداءات المافيات الأخرى· وفي أواسط عقد الخمسينات من القرن الماضي قال أحد زعماء المافيا ويدعى كالوجيرو فيتزيني إن المافيا التي يرأسها لا تمارس الإجرام، بل تدافع عن القانون الذي يعني في زعمه الدفاع عن حقوق الناس· وهذا يعني في نظر فيتزيني أن المافيا تتكفل بمسؤولية اجتماعية شريفة· وفي عام 1925 أعلن رئيس وزراء إيطاليا فيتوريو إيمانويل أورلاندو في مجلس الشيوخ عن فخره بأنه كان عضواً في المافيا لأن هذا الاسم يدلّ على الشرف والنبالة
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©