الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما يقع الصحافي ضحية مهنته

عندما يقع الصحافي ضحية مهنته
15 يناير 2006
دبي ـ فاديا دلا:
لطالما كان الصحافيون هم الضحايا الأكثر جدلا في ساحات الحروب التي تنشب في كل مكان وأوان·· ومثار هذا الجدل هو هل يستحق هذا الشخص، الذي يسعى إلى نقل الحقيقة بكل تفاصيلها من أرض المعركة لوكالات الأخبار، الموت لقاء المخاطرة التي يقوم بها أو التي تستوجبها مهنته؟ وإذا مات فهل يوصف بالشهيد وهو لم يقاتل ولم يحمل سلاحا غير قلمه وكاميرته؟
يقول أحد أشهر المراسلين الحربيين الذين عرفتهم البشرية الروائي الأميركي ارنست همنغواي: 'من المؤسف أن يقع الصحافي ضحية مهنته ومن المؤسف أكثر أن تحدث الحروب على نزاعات سخيفة بالأساس، إن الإنسان متواطئ مع نفسه القبيحة من اجل تدمير السلام والأرض'· فيما تشير واحدة من اشهر الصحافيات في العالم الآن الإيرانية ـ الأميركية كريستيان امانبور، مراسلة (سي· ان· ان·) الإخبارية في عدد من جبهات الحرب في العالم من البوسنة إلى أفغانستان إلى فلسطين، إلى أن الظرف هو من يصنع المراسل ومن يخدمه، ولا يمكن أن يتحول الصحافي إلى مراسل إلا إذا أدرك الخطورة وحجم المهمة الموكلة إليه·· يجب أن يكون فعالاً وان يعلم إن كل العالم يراه بعيون ثعلب··
ربما ابتعدنا صوب أهم منطقة يمكن أن يعمل بها الصحافي وربما دخلنا في عمق الأزمة عبر بوابة المراسل الحربي ولكن المهنة متعبة والمراسل هو القابض على الجمر في أكثر الأوقات برودة· فمن هو المراسل الصحافي؟ وما طبيعة عمله؟ من ظلمه ومن كرمه؟ وهل هو قادر حقا على التأثير في الرأي العام؟·· أسئلة وجهناها إلى عدد من المراسلين العرب وحصلنا منهم على اجابات تلقي الضوء على قضية لا يعرف الناس الا نتائجها وانجازاتها على شاشات التلفزة، وهي قضية معاناة حقيقية تطال العاملين في مجال الإعلام المرئي، خصوصا في الساحات الساخنة··
عبد الدايم الصماري، رئيس تحرير تنفيذي في قناة أبوظبي، ينطلق في حديثه من حداثة تجربة المراسل الصحافي في التلفزيون خصوصا على المستوى العربي ويقول: يجب الا يركبنا الوهم بأننا أصبحنا نمتلك ناصية الإعلام الاخباري التلفزيوني بكاملها، أعتقد أن البعض بدأ يعي هذه المسألة ويؤسس في هدوء ودون ضجيج·· وأعتقد أنه من الإجحاف القول بأن المراسلين الصحافيين لا يحظون بما يستحقونه من تقدير في القنوات التلفزيونية العربية فهناك الآن مراسلون لدى بعض القنوات العربية يحظون بموقع في المشهد التلفزيوني أكثر بكثير من زملائهم الموجودين في المقر الرئيسي للقناة، ورأينا من القنوات من يوفر فرصا جيدة للمراسلين للظهور واثبات الذات بحيث لا يكتفون فقط بالتقارير الإخبارية اليومية ولكن يطلب منهم إنجاز مواد طويلة من برامجية أو وثائقية·
يبقى أن المراسل نفسه مطالب بأن يكون متميزا بحيث يستحق التبجيل وأعتقد أن أهم مايستحقه المراسل من الجهاز الإعلامي الذي يشتغل فيه هو أن يأخذ حقه المادي دون نقصان وان يعامل بطريقة تقدر خبرته ومهنيته، أما مسألة الحصول على جوائز في المهرجانات التلفزيونية العربية، فانا على ثقة أن كل إعلامي يحترم عمله وخبرته من المفروض ألا ينظر بكثير من الاحترام الى تلك التكريمات التي لا تصدر في الغالب من خبراء إعلاميين يفرقون بين غث التلفزيون وسمينه، كما ان تلك الجوائز في الغالب تحكمها سياسة الظروف وظروف السياسة، الأصل أن المراسل الصحافي عموما ينتظر أن تحترم حقوقه والتكريم الحقيقي له هو أن تصل حريته وحقوقه وتقدر مهنيته وأن تدافع عنه الجهة التي يعمل لديها وتحميه قدر المستطاع·· أما الحصول على جائزة في مهرجان إعلامي عربي فانه لا يعني تألقا للحاصل عليها، ولا إنقاصا ممن لم يشمله العيد·
نتعلم من التجارب
نجوى قاسم المذيعة في قناة العربية (سابقا قناة المستقبل) ترى أن الإعلام العربي مازال في البداية في المجال الفضائي والاخباري وان هناك تجربة واحدة عمرها 10 سنوات أو أكثر بقليل ولكن من الصعب الحكم على تجربة أو تجارب بسيطة خلال وقت قصير من الزمن، يجب أن نحصل عل عدة تجارب حتى نقيم آلية عمل المراسل ومهارته· وتضيف: أستطيع أن أقول بأننا في العالم العربي ما زلنا في البداية، ما زالت المسألة تأخذ شكل المفاجأة أو المبادرة العفوية·· لذلك لا نرى أنفسنا مظلومين بقدر ما نريد أن نكون منهجيين ونصل إلى مستوى التقييم والمنافسة ثم نحاسب أنفسنا·· ولنتذكر أن الميزانية التي يعملون بها في أقنية البث الغربية خيالية بالنسبة لميزانياتنا العربية التي تخصص لهامش الأخبار، نحن مازلنا نعمل بعفوية وحسب ما يقتضيه الحدث، نحن ضعفاء في التخطيط للمستقبل واغلب خطواتنا تقوم على مبدأ الارتجال·· والسبب أننا مازلنا نتعلم من تجاربنا·
وتتابع نجوى قاسم: أنا كمراسلة على سبيل المثال يدفعني عملي إلى المخاطرة بحياتي أحيانا من اجل الحصول على الخبر وغالبا ما تكون مراكز الأحداث خطرة سواء كانت من الكوارث الطبيعية أو أزمات سياسية وحروب، وما يزعجني أنني لا أستطيع أن أذهب إلى بعض الأماكن كي أغطي أحداثها بسبب كوني لبنانية مثل الضفة الغربية وغزة في فلسطين·· وهكذا افتقد كمذيعة تقف في الأستوديو إلى الإحساس النادر الذي يجتاح المراسل لحظة بثه للخبر وهذا سبب لا يعنيني أنا كصحافية بل من الواجب أن يكون هناك جهات خاصة تسهل ذلك· عزاؤنا في هذه المهنة أن المشاهد يتابعنا وقد أدرك أو هو يدرك تبعا للزمن مدى الجهود المقدمة ولا شك أن عالم الإعلام التلفزيوني في الغرب بدأ يشاهدنا ويتابعنا ربما لأهمية وخطورة ما يجري في المنطقة عموما، مع قناعتي الشخصية انه ليس لدينا عدد كبير من الصحافيين المحترفين بكل قطاع من قطاعاتنا الإعلامية، هناك محاولات لتطوير الذات وهي محاولات فردية نابعة من الشخص ذاته، حتى على صعيد المؤسسات ليس هناك تجارب منهجية عريقة بينما في الإعلام الغربي نجد عددا كبيرا من محترفي العمل الإعلامي في كل القطاعات، لديهم تجارب متراصة نحن لم نصل إليها بعد·
ضعف الرأي العام
ويعتبر زياد حيدر مراسل قناة العربية من دمشق ان الإعلامي والمراسل العربي ربما يكون مظلوما إلى حد ما وغير قادر على التأثير في مجتمعه عبر رحلة بحثه عن الحقيقة، ويقول: يُكرس لدينا هذا الإحساس أكثر عندما نرى أننا نقدم نفس الأداء ونفس الجهد والطاقة في العمل الصحافي العربي مقابل جهد أقل للعمل الصحافي الغربي في المناطق الساخنة خصوصا في المناطق العربية مثل العراق وفلسطين·
ويضيف: هناك أسباب كثيرة لهذا الظلم والفروقات أهمها أن الرأي العام العربي أصلا رأي غير محترم وغير معترف باهميته لذلك ستكون انعكاسات تأثير الإعلام عليه ضئيلة، فعلى الرغم من الرفض والغضب الشعبي لحرب العراق مثلا لم يؤد ذلك إلى انهيار حكومات أو إلى أزمات سياسية داخلية في الدول التي أيدت الحرب·· لذلك فإن هذا الرأي العام، طالما هو غير محترم، لا يمكن أن يكون الإعلام الذي يؤثر فيه يعامل بنفس الدرجة من الجدية التي يعامل فيها الإعلام الغربي كون الإعلام الغربي يؤثر في رأي عام مهم ومؤثر، بالإضافة إلى أن المحطات العربية الموجودة وهي قليلة جدا لم تستطع حتى الآن أن تحقق وجودا بمستوى الوجود الغربي، فالمتابع للإعلام العربي والغربي سيلاحظ أن الإعلام الغربي موجود في كل مكان وتغطيته للأحداث ذات سمات معينة من الاحتراف والموضوعية والنظرة المراقبة في حين يرى ان الإعلام العربي مازال داخل الموضوع وخارجه في نفس الوقت، فالمؤسسات الإعلامية العربية لا تملك نهجا تأسيسيا على الأرض تؤكد أنها تتابع الحدث بطريقة احترافية تغني عن الإعلام الغربي، فما زال هناك تغطية عاطفية، تغطية يقوم بها أبناء المنطقة ذاتها وتترك آثارها على الرسالة الإعلامية مما يجعل المشاهد يشعر بأنه عرضة للتأثير من صحافي مرتبط بهذا الاتجاه أو ذاك، وهذا مرتبط بنظرة الغربيين لهذا العامل من حيث تقييمهم للأداء المهني، والمشاهد العربي أصلاً لم يقتنع بعد بأن لديه مؤسسات إعلامية قادرة ان تقوم بنفس الواجبات التي تقوم بها المؤسسات الإعلامية الغربية، هناك إحساس بالنقص عند المشاهد العربي تجاه إعلامه لاسيما أن غالبية المحطات الاخبارية العربية ارتبطت بسياسات معينة ونهج إعلامي سياسي معين مما أفقدها ثقة مشاهديها·
المراسل والوسيلة والمتلقي
ويتحدث أحمد زيدان مراسل قناة الجزيرة من الباكستان عن ضرورة الانتباه إلى كثير من العناصر التي تؤلف الإعلام الناجح والذي يحقق بالنتيجة الأهداف المرجوة منه وأعتقد أن عدم الاهتمام بالإعلامي أو مراسل المحطة التلفزيونية أينما كان ينعكس على محطته بالدرجة الأولى وعلى الإعلام ككل بالدرجة الثانية، هذا ما يعكس الإحساس بالظلم أحيانا مقارنة مع المراسلين والإعلاميين لقنوات أجنبية والذين يتبعون منهجيات مختلفة عن منهجيتنا في العمل وربما تلك المنهجية تحتاج إلى جهد أقل كون ثقة الجمهور بهذه القناة الأجنبية أو تلك موجود ومثبت من خلال سنوات عمل طويلة لها تتجاوز سبعة أو ثمانية عقود في حين لم تتجاوز تجربة أول فضائية اخبارية عربية عقدا واحدا من الزمن·
ويؤكد احمد زيدان أن الإعلامي الغربي ليس أفضل من الإعلامي العربي، والفرق، كما يقول، هو في المؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليها هذا الإعلامي والشهرة التي يحصل عليها أحيانا نتيجة للرسائل الإعلامية أو الموضوعات التي يغطيها، وتأتي هذه الشهرة كرد فعل طبيعي للمجتمع على هذا العمل الإعلامي، فالمسألة ـ اذن ـ متعلقة بالمجتمع الذي يعمل به الصحافي أيضا وليس بمؤسسته أو أدواته أو منهجياته الصحافية فقط·
ويتابع زيدان: الأمر كما أسلفت يتعلق بإشكالية الإعلام العربي ككل، ومعالجة بعض مشاكل إعلامنا العربي الموجودة في هذا الجانب أو الآخر، يحتاج إلى وقت ليس بالقصير·
ما قيمة المراسل؟
ويشرح بسام بلان، رئيس تحرير في قسم المراسلين ـ مركز الأخبار في تلفزيون دبي، عن طريقة عمل الإعلامي العربي وعن أهميته بالنسبة للمحطة التي يعمل بها فيقول: بداية لابد من التأكيد على أن التقرير التلفزيوني أكثر تعقيداً في طريقة (صناعته) من أي تقرير صحافي آخر·· وذلك تبعاً لكثرة العناصر التي يجب حشدها فيه ليجد طريقه إلى الهواء·· وتزداد المسألة تعقيداً الآن في جو المنافسة المحموم بين محطات التلفزيون العربية والدولية أيضاً عندما يتعلق الأمر بالتقرير الإخباري·· لذلك لابد من تأمين كل ما يلزم لجعل المراسل يقدم أفضل ما لديه مهما كانت الظروف صعبة·
ويضيف: ان القائمين على تلفزيون دبي على وعي كامل بذلك، ومن خلال المكان الذي أعمل فيه أنا على دراية تامة بما تقدمه الإدارة لمراسليها وقد يسأل سائل، مادامت مصادر الأخبار كثيرة ومتنوعة، والمراسلون منتشرون في كل مكان في العالم، ما قيمة المراسل بالنسبة للمحطة التلفزيونية؟ والجواب بمنتهى البساطة ينبع وقبل كل شيء من حيوية التلفزيون، فهو كميزة يتفرد بها عن باقي وسائل الإعلام الأخرى، كان لابد وأن يقدم الحدث، وعبر مراسليه، من مكان وقوعه·· يقدم حدثاً من وجهة نظر المؤسسة التي ينتمي إليها المراسل·· صحيح أن البشر يعيشون في عالم واحد·· ولكن الصحيح أيضاً أن للبشر أصواتاً مختلفة ولغات مختلفة، ومن حق كل واحد على هذه الأرض أن يعبر عن اختلافه مع الآخرين·· ومن هنا تكمن أهمية وجود المراسل على أرض الحدث من ناحية ثقافية وفكرية، وكرسالة يريد التلفزيون كمحطة إعلامية إيصالها·
ويتابع بلان: أيضا لا يمكننا الحديث عن هذا الموضوع بشكل منعزل أو مجرد عن بقية العناصر الأخرى·· المراسل كقيمة للتلفزيون واضحة وجلية، ينقل للمشاهد الحدث بكل ما فيه من تداخلات وإشكالات وانفعالات، ينقل الحدث من واقع فهمه لأرض الحدث وملابساته المتنوعة، التي لا يعرف عنها المُتلقي إلا الشيء القليل، ينقل الصورة من عين عدسته المختلفة عن عيون العدسات الأخرى، يضيء لنا جانباً لم تصل إليه أضواء الآخرين·· فالحدث واحد ولكن طريقة رؤيته مختلفة وزوايا عرضه تختلف بين عين وأخرى، بين ثقافة وأخرى، بين فكر وآخر·· وبالمحصلة بين رسالة وأخرى·
لذلك كله من البديهي أن يكون المُراسل ذا تأثير كبير في الرأي العام، وفي المُقابل من البديهي أن يكون لهذا المُراسل الملايين ممن يختلفون عنه سياسياً وفكرياً، وبالتالي فالتأثير قائم لا محالة، قد يكون سلباً وقد يكون إيجاباً· ولذلك نحن نبحث دائماً عن تأثير الرسالة في الجمهور، ومدى قدرة المُراسل على نقل هذه الرسالة التي تعبر بالضرورة عن رؤية المحطة· ولذلك أعتقد أن التأثير واقع لا محالة، سواء أكان سلبياً أم إيجابياً·
كما لابد من الحديث عن عراقة الإعلام وتغلغله·· وهذا يؤدي إلى الحديث عن الضعف الذي ظل الإعلام العربي لعقود وعقود يعاني منه·· عقود طويلة تخلى الاعلام العربي فيها عن دوره ووظيفته للإعلام الأجنبي، تبعاً لاعتبارات كثيرة تأتي السياسة على رأسها· ولكن مع عودة الوعي لأهمية الإعلام الوطني·· الإعلام الذي يعمل بمهنية وتقنية الإعلام الأجنبي (العريق) ولكن برؤية محلية أو إقليمية أو قومية إلخ·· جعل لزاماً على المحطات التلفزيونية المواكبة، والتقصير في هذا الموضوع ممنوع بالمطلق، لأن المتلقي في عالم واحد متعدد الأصوات والرؤى والأفكار، لا يعطي العذر أبداً للمقصرين· وفي هذا المجال، التقصير يعني الخسارة·· والخسارة تعني الإفلاس والإفلاس يعني الإغلاق·· وأول الإغلاقات الإغلاق المعنوي، ونحن كإعلاميين من أكثر الناس إحساساً بألم بعدم شعبية أو جماهيرية الوسيلة التي نعمل فيها· ولتحقيق المعادلة الصحيحة لابد من الإقرار بأن الكثير من محطات التلفزة العربية أدركت أهمية اعتنائها بمراسليها وتكريم المتميزين منهم·· صحيح أننا لم نصل بعد إلى الصيغة المُثلى لذلك، ولكننا سائرون نحوها· ومن المكان الذي أعمل فيه أدرك تماماً مدى اهتمام الإدارة بكل العاملين فيها وحرصها على توفير كل ما يلزم لهم·· وفي ذلك دلالة كبيرة لتلمس (حلم الريادة)· وبالتالي لا يمكن القول أن المراسل مظلوم بشكل قطعي·· فالمسألة تحتاج إلى البحث في أدق تفصيلاتها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©