الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسن شريف: ما دام الغد سيأتي فإني أنتج الجديد

حسن شريف: ما دام الغد سيأتي فإني أنتج الجديد
21 سبتمبر 2016 15:26
فجعت الساحة الفنية العربية منذ أيام برحيل الفنان القدير حسن شريف (مواليد 1951)، الذي يعتبر رائد حركة الحداثة في مشهد الفنون البصرية في الإمارات. لقد تميزت تجربته الفنية بجدتها ومغايرتها وسعيها المتصل إلى استكشاف فضاءات دلالات جديدة، كما تميز جهده في المجال بجمعه الممارسة مع التنظير، هو الذي انتبه باكراً إلى ضرورة التأسيس لمنابر ومجاميع إبداعية تحتضن الفنانين وتفسح رحبتها لمناقشاتهم ومحاوراتهم وأسئلتهم، وتزيدهم حفزاً وتطلعاً إلى سكة التجريب والاختلاف، في الرؤى والآراء. في ما يلي مختارات من رؤاه وأفكاره ومفاهيمه وخواطره حول الفن والحياة وذات الفنان وأدواته وتجاربه وتطلعاته. اللا حدود طبيعة الفن تكمن في «الذاتانية» وهي مذهب فلسفي يقيم المعرفة كلها على أساس من الخبرة الذاتية، لهذا السبب الفن غير مشخص ولا مجسم. بمعنى أن للفن طبيعة مجهولة وهائمة، أي خيالية. والفنان هو شخص ذو طبيعة نفسية مفرطة الحساسية لأنه يعيش الخيال أكثر من الواقع، ولذلك فعليه أن يعين الحدود غير المقبولة أو الحدود غير المعترف بها من قبل المجتمع، لكي يبيد عرف المفهوم السائد ليعين لنفسه بعداً جديداً. هكذا تتسع الأبعاد الخيالية وتتلامس «اللا حدود». فجوة الفن أحسست ابتداء من 1982، أن الكثير من اللوحات التشكيلية، سواء كانت الانطباعية أو التجريدية التعبيرية في كل مكان، بدأت تفقد أهميتها لديّ، إذ لم أعد أحس بأي متعة بصرية عند مشاهدتها. وشعرت بأن هناك فجوة بين اللوحة والنحت التقليدي، ويجب البحث عن العمل الفني في هذه الفجوة، ومنذ ذلك الحين بدا لي أن العمل الفني ليس هو اللوحة ولا النحت بل هو «شيء آخر». تجربة واحدة.. مستمرة أعتقد أن جميع الأعمال التي أنتجتها منذ عام 1982 وحتى الآن، هي تجربة واحدة مستمرة، وأحياناً أعود إلى بعض الأعمال القديمة التي كنت قد عرضتها سابقاً، وأستمر في استكمالها بعد توقفي عن إنتاجها لسنوات طوال. بدايات في نظري، إن أول فرشة على «الكنفس» يضعها الفنان، من أول بداية عمره الفني إلى نهايته، كلها عمل فني واحد، أما التغيير الذي يحدث من مرحلة إلى أخرى، لا أعتقد به، خصوصاً إذا قالوا إن الفنان تطور. جمالي في أعمال تلك المرحلة التي بدأت قبل عام 1984 بسنة أو سنتين، كنت أقوم بقطع المواد البسيطة والمتوافرة ثم أجمعها وأربطها مرة أخرى، بحيث يكون في أغلب الأحيان، من الصعب إرجاع تلك المواد إلى طبيعتها الأولى واستخدامها بالطريقة المألوفة: أي كنت أهدف إلى تخريب نفعية المادة لتأكيد البعد الجمالي. أخطاء.. جميلة ميزة أعمالي هي أنها تفتقد بداية ونهاية، وأحس خلال إنتاج هذه الأعمال أنني وصلت إلى أدنى قدر من الانتباه، حيث يتحول العمل إلى عملية آلية أوتوماتيكية. لهذا فهي ليست منظمة. بمعنى أنني قد أرتكب العديد من الأخطاء أثناء العمل، ولكن هذه الأخطاء تساعد العمل في النهاية. بلا عنوان أبتعد عن العناوين الشعرية والرمزية، وأخيراً الشروط التي تضعها بعض المؤسسات الثقافية لعرض الأعمال الفنية مثل «أن يكون العمل جاهزاً للعرض»، لا أعرف ماذا تقصد هذه المؤسسات بهذه العبارة!. قلق أشعر أنني لم أستقر حتى الآن في إنتاج أعمال فنية بها ميزة أو أسلوب واحد. بين فترة وأخرى أرجع إلى رسم طبيعة صامتة أو مشهد طبيعي، مستخدماً الأسلوب الانطباعي أو طريقة الكولاج «القطع واللصق» أو أرسم بعض اللوحات التجريدية. تعددية جميعنا نؤدي أدواراً، وبالتالي جميعنا ضحايا التحولات التي تحصل في عصرنا الحالي. أصبح إنسان هذا العصر هو إنسان الثقافات المتعددة، إضافة إلى أنه يمتلك بداوة أجداده، وبالتالي فإنه ذو مميزات متعددة، إنه إذاً ابن ثقافات هجينة، لهذا السبب هو ابن التعددية «PLURALISM» في الثقافات، وليس ابن حقيقة مطلقة واحدة. تجانس الكارثة الرئيسة هي أننا نخاف أفكار الآخر لأننا أصبحنا سجناء أفكارنا، ونتوهم أننا نخيف الآخر بينما الحقيقة غير ذلك. إذاً علينا أن نرحل من أفكارنا أولاً لكي نراها ونتلمسها، وبعد ذلك نستطيع أن نتجانس مع الآخر، علينا أن نهاجر أو نتحول إلى متجولين هائمين بحثاً عن البداوة. رومانسية الحس الرومانسي هو الحس الوحيد الذي يقدّر المعرفة البشرية التي تتمثل في المبهم، المتجاوز، وأخيراً المتطلع إلى التفوقية والسموّ. مرآة يجرب الفنان رسم صورة ذاتية لنفسه أي إعادة تقديم نفسه. عندما يلقي الفنان لمحة سريعة على الصورة الغابشة والموجودة في المرآة التي أمامه، في هذه اللحظة، يصاب الفنان بصعق، ويصبح غير قادر على الكلام. عن طريق هذه العملية، يوقف الفنان اللحظة من خلال التأمل العميق واللامحدود في الصورة الموجودة في المرآة. سطوة ليس فقط وظيفة الصور أنها تتداخل أو تتشابك مع الحقيقة، ولكن الصورة تعلو الحقيقة من حيث المرتبة وتسبقها وتمتصها، بالتالي في عصرنا الحاضر أصبحت الصورة تسهم في صنع الحقيقة والعكس. واقعي لست فناناً سريالياً، بل أحلم وأحتفظ لنفسي بالحلم. سبق أن قلت إنني من خلال هذه الأعمال ربما أكون الفنان الواقعي الوحيد في الخليج إذا لم يكن في الوطن العربي. أختار أعمالي بطريقة بسيطة وأقدمها بطريقة بسيطة أيضاً. متعة شكوك المشاهد وأسئلته هي تحريك عقلي له، ومتعتي تكمن في مراقبة هذا الاستفزاز أو «التحريك» الذي يحدث للمشاهد. قد يشجب المشاهد عملاً فنياً جديداً معروضاً في أحد المعارض وبعد عامين أو ثلاثة يأتي المشاهد ويعتذر إليّ عن شجبه القديم، لماذا؟ لأنه أخذ يقترب أو يتقبل ما أنتجه شيئاً فشيئاً! قد يكون هذا الفعل بطيئاً ولكنه يظل ممتعاً. دراما الأشكال والدرجات اللونية تقوم بدور الممثل على خشبة المسرح: إنها دراما بصرية، وتتحرك ألوان الطيف بطريقة رومانسية على سطح اللوحة دون ارتباك، وتبوح عن الإيماءة الرومانسية دون خجل، هذه الأشكال تقدم المجازفة المبهمة أو تجربة مثيرة غير معروفة.. هذه التجربة تسبح في فضاء غير محدد، إنها حالة أو سلسلة أحداث تنطوي على تضارب عنيف بين القوتين: كتلة السحابة وكتلة الصخرة، إنها تضارب وتشابه في الوقت نفسه. قطع وربط قطع وربط الأشياء لا يتطلب جهداً عقلياً أو جسدياً كبيراً. هذه الأشياء أغلبها مفككة، أي عبارة عن قطع متلاصقة، بحيث يمكن حملها وفحصها بسهولة، وهي خفيفة الوزن لأن أغلبها مصنوع من مواد خفيفة الوزن، مثل الورق وقطع القماش والخيش والقطن وغيرها.. ومن الممكن عرض هذه الأشياء باعتبارها مستقلة الواحدة عن الأخرى أو يمكن دمجها لتمثل في النهاية عملاً واحداً، فهي تمتلك مقصداً واحداً وهو: القطع والربط. خيوط عندما أقدم خيوطاً من القطن أو حبلاً من النايلون مقطعاً ومربوطاً بسلك حديدي، فأنا أقدم المادة وأتركها تتكلم عن نفسها وأعطيها شخصيتها. هذا مهم جداً بالنسبة إليّ، فأنا لا أعتمد الشكل في تقديم عملي الفني. الملل في عام 1985 أو 1986 كانت طاقتي باتجاه إنتاج أعمال مملة، وقد أنتجت أعمالاً من المستحيل أن أقوم بإنجازها حالياً، ولهذا فأنا أحتفظ بها، لقد كان إنتاجها أشبه بالعزف على وترين بشكل متكرر وممل فعلاً. سؤال كان لدراستي في بريطانيا تأثير كبير في فني وفكري، كان ذلك عام 1979 وأذكر المحاضرة الأولى في الفترة التمهيدية.. لقد رأيت شرائح فيلمية لفان جوخ وسيزان والانطباعيين وغيرهم.. وفجأة رأيت أعمالاً لمارسيل ديوشان وكازيمير ماليفيتش. الأمر الذي دعاني إلى التساؤل مباشرة: لماذا ينتج هؤلاء أعمالاً بهذه الطريقة..؟ الغد ما دام الغد سيأتي فإني أنتج الجديد. تأمل نعم، لقد أهدرت الوقت في التأمل.. ولكن أليست الحياة تأملاً متواصلاً؟ ............................................ مصادر: حسن شريف: كتاب «الخمسة» إصدارات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة (2003) حسن شريف: مفهوم الفن/‏ إصدارات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة (1997) يوسف عيدابي (إعداد): تداخل النظرات.. من فن الهوية إلى هوية الفن/‏ إصدارات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة 2002
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©