الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إسراف بلا حدود

إسراف بلا حدود
12 مايو 2011 20:16
نورا محمد (القاهرة) - التقيت مع زوجي في معظم وجهات النظر وكان الاتفاق هو عنوان حياتنا منذ أن تقدم لأسرتي، وطلب يدي وتمت الموافقة عليه رغم أننا لم نكن على معرفة سابقة، وإنما تزوجنا بطريقة تقليدية واسترحت كثيراً لذلك، خاصة أنني أرى الخلافات بين الأزواج من حولي، بمن فيهم أبي وأمي وكل أقاربي، وهذا ما كنت أتخوف منه قبل الارتباط وأحسب له ألف حساب. لاحظت في فترة الخطبة التي استمرت أقل من عام أن خطيبي في غاية الكرم، بما يصل إلى حد الإسراف، ولم يكن عندي وقتها إلا تفسير واحد هو أنه يريد أن يظهر أفضل صفاته ومميزاته، وتلك سمة المخطوبين من الشباب والفتيات على السواء حتى عند شراء الأثاث والأجهزة الكهربائية كان يبالغ في أحجامها، فبررت ذلك بأنه يريد أن نشتري أفخم الماركات العالمية ونقتني أحسن المفروشات، ولا ينسى أن يذكرني بين الحين والآخر بأنني أستحق أكثر من ذلك بكثير، ولو أنه يستطيع أن يصل إلى القمر لأتاني به. فهمت بعد ذلك كله أن زوجي شخصية مغامرة لا يميل كثيراً للحسابات ولا ينظر إلى المستقبل، ولا يتردد عند الشراء طالما أعجبه الشيء الذي يريده بغض النظر عن إمكاناته، ولا أخفي أن هذا السلوك جعلني أعجب به من ناحية أخرى أيضاً لما كنت أراه من شكاوى بعض الزوجات من بخل وشح أزواجهن حتى كدت أن أحسد نفسي على ما أنا فيه. أغدق عليّ زوجي بالملابس قبيل الزفاف بشكل كبير، وإن تكررت الماركات والألوان حتى لم أستطع إقناعه بأن يتوقف، لأنني لن أرتدي الكثير منها، لأن الموضة تتغير بسرعة كل عام، وفي الأشهر الأولى من الزواج كان يجبرني على تناول الغداء خارج البيت، رغم أنني لا يعجبني أكل المطاعم، وحجته أننا يجب أن نعيش حياتنا، لأن هذه الأيام لن تعود مرة أخرى، وكنت أرى في كلامه حقيقة أيضاً، لأن كل الزوجات اللاتي عرفتهن كن يشتكين عدم الخروج وانتهاء التنزه بعد شهر العسل إلا في المناسبات الرسمية والظروف الخاصة. استقرت حياتنا وظهرت علامات الحمل الأول، وفي الأشهر الأولى بدأ زوجي يمارس هوايته التي تسيطر عليه في شراء الملابس لمولودنا بطريقته نفسها في الإسراف، فيشتري عشرات الأطقم والأحذية والمفروشات واللعب، ومع فرحتي الغامرة بذلك، لكنني رأيت أن الأمر زاد على الحد بمراحل، فالصغير يكبر ولا يستخدم معظم هذه الحاجيات ولا أجد مبرراً لتصرفات زوجي غير المحسوبة والتي لم تعد في نظري تندرج تحت بند الكرم، وإنما تدخل في نطاق السفه وضقت بها ولم تعد تسعدني كما كانت من قبل، وكثيراً ما نختلف أمام الباعة والغرباء، وهو يصر على الشراء وأنا أرفض لأي سبب مختلق. كان زوجي يفعل ذلك في كل مشترياته لنفسه أيضاً، لكن الأكثر غرابة أنه لا يشتري أبداً لضرورة ولا لحاجة، وإنما يقتني كل ما يعجبه وتقع عليه عيناه حتى لو كان لديه مثله وكدست الخزانات وضاقت من كثرة ما فيها، عشرات الحلل والقمصان، ومئات الجوارب وربطات العنق والأحذية، حتى النظارات والخواتم والإكسسورات الرجالي والميداليات والساعات لا أعرف عددها. ومع حمى الشراء تلك التي وصلت إلى حد المرض لا يعرف أي منا أماكن الأشياء التي نريدها، بل لا يكلف نفسه مجرد البحث عنها ويشتري مثلها، وتتكرر التصرفات نفسها بصورة طبق الأصل مع مجيء كل أطفالنا الأربعة، ويرفض أن يرتدي أي منهم الملابس التي اشتريناها لأخيه الأكبر منه رغم أنه لم يستخدمها من قبل، وربما تكون محفوظة كما اشتريناها. أما الوجه الآخر، فإننا نحتفظ بكل ما نشتريه سواء استخدمناه أم لا، وفي النهاية تحول بيتنا الصغير إلى مخزن للخردة والكراكيب، فضاق بنا وعلينا وتحول إلى مشكلة وخلاف دائم بيني وبين زوجي، إنني أعاني كرهاً لبيتي ولحياتي وأحياناً يصيبني ملل قاتل بسبب حياتنا. كما قلت البيت صغير جداً، مجرد غرفتين وصالة، وما أصابني بالاكتئاب أنني لا أتمكن من ترتيبه كما ينبغي، مع أنني أستيقظ مبكراً منذ السادسة وأقضي أغلب نهاري في التنظيف والترتيب، والكي والطبيخ ولا أشاهد التلفاز إلا عندما أجلس مضطرة للاستراحة، ما أن أفرغ من إنجاز مهمة حتى تخرج لي عشرات المهام للبيت والزوج والأولاد، ولكن البيت دائماً غير مرتب وفي حالة بعثرة تثير التوتر. زوجي يرفض التخلص من الأشياء التي لا يحتاج إليها، فكتب المدرسة الخاصة بالسنوات السابقة كلها والدفاتر وكراتين نقل الأغراض وملابس مهملة وصحف قديمة جداً وفواتير وسيديهات واسطوانات كمبيوتر ومراوح وأسلاك وكابلات وبقايا مواد بناء وأجهزة متنوعة، معظمها معطل وتم استبعادها لأنها لا تصلح للاستخدام مرة أخرى، وقد لا يقبل أحد النظر إليها إذا القينا بها في الطريق العام، لأنها بلا قيمة. تعبت من التصرفات ومن المشهد العام، فكأننا نعيش في مستودع، والأشياء من حولنا يصعب تنظيمها والسيطرة عليها وأحياناً تسقط فوق رؤوسنا فنعثر على أشياء أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد لها قيمة رغم أنها في وقتها كانت باهظة الثمن، ومع ذلك فشلت تماماً في إقناع زوجي بالتخلص منها، خاصة أننا لن نحتاج إليها ولن يكون لها أي استخدام لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل، ورفض حتى التبرع بها أو إعطائها للفقراء، إما من قبيل أنها من الذكريات أو أنه سيتصرف فيها فيما بعد بلا مبرر مقنع، ولم أنجح كذلك في إقناعه بالتوقف أو بتخفيف شراء ما لا نريد، لكن لا حياة لمن تنادي. قد تبدو المشكلة مضحكة أو تافهة وفي نظر البعض ليست ذات قيمة، ولكنها سببت لي الألم والاكتئاب، فلا أجرؤ على دعوة أحد لبيتي، والأصعب أن زوجي أصبح يحملني المسؤولية وينتقد كل شيء في البيت، كأنه لا يرى ما أقوم به طوال اليوم وأنا أقضي كل الوقت في ترتيبه وتنظيفه، وفي نهاية اليوم أكاد أموت تعباً. وبعد أن ينام ابني الرضيع أقوم بالمذاكرة والتدريس لأولادي الثلاثة الآخرين، ومن الصعب أن نحيا وسط الفوضى مع الكآبة والإحباط في بيت صغير يستحيل ترتيبه، وللتخلص من مشكلة الزحام والتكدس المنزلي استخدمت الوسائل الحديثة في التصاميم لإعادة ترتيب المنزل بما يناسب هذه الظروف، واشتريت الأثاث المتعدد الاستخدام كالسرير الذي يحوي تحته خزانة والكنبة التي تتحول لسرير، واهتممت بأن تكون الخزائن من النوع الذي يحوي الكثير من الأغراض وفيها الأرفف المناسبة لتتسع لأغلب مقتنياتنا، وفي الوقت نفسه هي محاولة ليبدو كل شيء واضحاً ومرتباً، وخصصت لكل شيء مكاناً كأنني أعد فهرساً لمكتبة مكتظة بالكتب ليسهل الوصول إليها عند الحاجة، مع محاولة تعويد كل أفراد الأسرة النظام، فكل ما يخص الأطفال الأربعة في غرفتهم والحاسوب وما يلحق به في مكان مخصص مع التخلص خلسة من بعض الأوراق والكراتين والمخلفات التي كنت متأكدة من عدم قيمتها ولجأت إلى الهدوء والحكمة وابتعدت عن طريقة المواعظ والنصائح المباشرة بأسلوب ذكي لأصل إلى المقصود بوضوح، وحرصت على تعويد أبنائي المساهمة في أعمال المنزل وتنظيم ما يخصهم لئلا يعتادوا الإهمال والفوضى. أحياناً أخسر معركة، لكن في النهاية لم أخسر الحرب، ولم يأت ذلك كله بالنتائج المرجوة لكنه أسهم في إيجاد بعض الإيجابيات التي لا ترق إلى مستوى طموحاتي بعد، لأني ما زلت أعيش المعاناة التي هي سبب مشكلتي. أخيراً تنبهت إلى المشكلة الكبرى، وهي ليست فقط أن البيت الصغير قد ضاق بنا وعلينا، وإنما كل دخلنا ضائع على التفاهات والمشتريات عديمة الجدوى، واحتياجات ومصروفات أبنائنا في تزايد مستمر، ورغم العائد الكبير من وظيفتي أنا وزوجي فإننا لم نفكر لحظة في النظر إلى المستقبل، فاتحت زوجي بضرورة التحكم في المشتريات وتنظيم المصروفات وعمل ميزانية شهرية لتحسين وضعنا المالي بالادخار. وأطرق زوجي قليلاً ومن دون أن استشعر أن لديه اهتماماً بما قلت، رفع رأسه ثم أيدني فيما قلت، مؤكداً حقيقة الواقع وضرورة الاهتمام بمستقبل الصغار، وأننا بحاجة إلى مسكن أكبر وبشكل عاجل، وقررت أن استغل حماسه وطرحت عليه خطتي من دون أن تكون على شكل إملاءات أو أوأمر، وذلك بأن نتوقف عن شراء أي شيء إلا ما نحتاج إليه فعلياً بعد عمل جرد لكل ما لدينا، واستخدام ما يصلح منه وأن نحدد مبلغاً معيناً ندخره شهرياً، ولا مانع أن نبدأ بدفع مقدم من ثمن شقة حتى نكون ملتزمين بالسداد وهكذا مما ورد على خاطري حينها، وهو يسمعني ويقلب في القنوات الفضائية باستخدام جهاز التحكم عن بعد، ومرت أشهر طويلة ولم نبدأ بعد وزوجي على ما هو عليه!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©