الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أربعون امرأة في قبضة محتال

أربعون امرأة في قبضة محتال
12 مايو 2011 20:16
أحمد محمد (القاهرة) - وقعت «دينا» في ثلاث مشاكل جملة واحدة، بل ثلاث مصائب كبرى، فقد تزوجت سراً من وراء ظهر أسرتها وتم طلاقها وتعرضت للفضيحة الكبرى بصورها المنشورة على مواقع الإنترنت وهي في أوضاع غير سوية. أصيبت «دينا» بحالة نفسية سيئة كادت تعصف بها، فهي في أزمة أكبر من عمرها ومن إمكاناتها وظروفها، إذ لم تكمل السابعة عشرة بعد، وما زالت تلميذة في الثانوية العامة وتعترف بأنها أخطأت، لكن المهم الآن كيف ستوصل هذه الأخبار لأسرتها المتشددة وكيف ستواجه الأمر الجلل؟ صحيح لو أن الأيام عادت بها مرة أخرى ما أقدمت على شيء من ذلك على الإطلاق ولا فكرت فيه، بل لفرت منه فرارها من الأسد. رغم أنفها بدأ الخبر ينتشر بين زميلاتها وفي محيط أسرتها وأقاربها، فكثيرون شاهدوا صورها على الإنترنت، لكنهم لا يعلمون بقية التفاصيل، بعضهم كتم السر كأنه لا يعرفه، والبعض الآخر آثر السكوت والكتمان حتى لا تقع مصيبة وتتعرض الصغيرة لعقاب شديد. أما المقربون فكان لا بد لهم أن يعرفوا الحقيقة ويضعوا حداً لذلك، معتقدين أن هناك خطأ ما ولا بد من تداركه قبل أن يستفحل ويصبحوا غير قادرين على احتوائه. كاد الأب يسقط مغشياً عليه عندما أخبروه بما جرى، ولطمت الأم خديها وهي تصرخ من هول الفضيحة التي لن يفلحوا في التستر عليها. الفتاة لا تعرف من الذي وضع هذه الصور على الإنترنت، لكنها تعرف أن هذه الصور التقطها لها زوجها السابق، وهذا هو الخيط الذي يمكن الإمساك به للوصول إلى الحقيقة المرة. اضطرت «دينا» أن تفضح عن كل الأسرار مهما كانت صعوبتها، فإذا كان الكذب ينجي فإن الصدق، خاصة في حالتها تلك، سيكون أنجى ولا سبيل أمامها غير ذلك، بل لعلها وجدت أمامها فرصة لكي تبوح وتخرج ما بداخلها ويؤرقها، وقد تجد الآن الحلول التي كانت تبحث عنها. وقالت إنها تعرفت إلى شاب من خلال «الشات» أوهمها بحبه لها وبعدم قدرته على الابتعاد عنها وضرورة الزواج، وكي يثبت لها حسن نيته فإن الزواج سيكون موثقاً وعلى يد مأذون شرعي، وستضمن حقوقها كافة، فقط سيظل ذلك سراً بينهما إلى أن يتمكن من تجهيز عش الزوجية، ثم يخطبها من أسرتها وتتم مراسم الزواج على الملأ، حفاظاً على سمعتها. انساقت الصغيرة وراء الكلمات الجوفاء وصدقت الهراء، وبلا تفكير سلمت له نفسها معتقدة أن ما تفعله صحيح، طالما أنه بعقد وشهود ثم سيتوج بالإشهار، وبالفعل قدم لها ورقة رسمية تؤكد زواجهما دستها بين حاجياتها الخاصة، وقضت مع زوجها بعض الساعات التي كانت تستطيع أن تختلسها من وراء أسرتها أملاً في أن يجيء اليوم الذي يعلنان فيه هذا الزواج المبني على الحب الكبير. لكن الأيام تمر سريعة وتتوالى الأشهر من دون أن يتقدم خطوة واحدة نحو تحقيق الهدف، مما جعلها تشعر بالقلق والخوف من المستقبل، وعبرت له عن ذلك صراحة ووضعت بين يديه التوقعات وما يمكن أن تتعرض له في حال اكتشاف أمرها وستكون حياتها هي الثمن. لم تجد الزوجة الصغيرة من زوجها إلا المماطلة والتسويف والوعود البراقة التي اعتادت سماعها منذ أن تعرفت إليه، وهو يؤكد لها أن حياته مرتبطة بحياتها، فلا يمكنه أن يعيش من دونها ولا قيمة للحياة بعيداً عنها، وكرر لها هذه الكلمات وغيرها حتى فقدت معناها ولم تعد لها قيمة عندها، بل ربما أصبحت تؤرقها وتزعجها ولم تعد قادرة على التركيز في دروسها. تحملت منه ما يفوق طاقتها وقدرتها لكن ليس أمامها أي خيار سوى الصبر، وهي مغلوبة على أمرها والضعف غاية قوتها، ورغم ذلك جاءها بما لا طاقة لها به عندما قدم لها ورقة الطلاق لتكون حرة وتعيش حياتها بطبيعتها، إنها الطامة الكبرى، فقد خرجت من حفرة لتجد نفسها في بئر عميقة لا قرار لها، لقد تخلى عنها تماماً ونكث بكل وعوده، وظهر على حقيقته، بل وضعها في مأزق وتركها وحدها تواجه مصيرها، ورفض إغاثتها كأنه قيدها بالحبال وألقاها في البحر وأمرها ألا تغرق بل ألا تبتل. أصبحت التلميذة مطلقة لا تدري كيف تواجه مصيرها بعد هذه الأخطاء أو الحماقات التي ارتكبتها في حق نفسها، حين ألغت عقلها وتركت لقلبها العنان، ولأن المصائب لا تأتي فرادى فقد جاءت واقعة صورها على الإنترنت لتضيف إليها مصيبة جديدة وتكشف المستور كله. تم إبلاغ الشرطة عن هذه الواقعة الأخيرة لتبدأ المفاجآت في الظهور وتتوالى كالعاصفة، فقد تبين أن الزوج العاشق القديم هو الذي صور زوجته عند لقاءاتهما السابقة وهو الذي نشرها على الإنترنت لإجبارها على العودة إليه بلا عقد زواج وحتى لا تبوح بشيء مما كان بينهما وألقي القبض عليه، وأمرت النيابة بحبسه على ذمة التحقيقات. نصح المحامون الفتاة باللجوء إلى القضاء للحصول على حقوقها المالية، فتوجهت لاستخراج صورة رسمية من عقدي الزواج والطلاق فكانت المفاجأة الكبرى، أن هذه الأوراق لا أصل لها في الجهات الرسمية على الإطلاق بما يعني أن هناك تزويراً وتلاعباً فيها، وكان لزاماً أن يتم فيها التحقيق. بدأت ملفات الشرطة والنيابة تبوح بأسراها حول هذا العاشق الذي تبين أنه عاطل يدعي الثراء ويحتال على الفتيات بعد أن يستدرجهن عن طريق الإنترنت، ويوهمهن بأنه ابن رجل أعمال كبير، ويقوم بتمثيل دور المحب الولهان، وينفق في البداية على ضحيته ببذخ كي تقتنع بما يقول وحتى ينال ثقتها ثم يسرق أموالها ومجوهراتها، ويطلب من ضحيته أن توقع له على ورقة بيضاء لتثبت له أنها تحبه كما يحبها، وقد قامت بعضهن بذلك بلا أدنى تردد واستغل هذه الأوراق في إقامة دعاوى قضائية ضدهن ثم يمارس عليهن ضغوطاً للحصول على أموالهن مقابل التصالح. وكشفت الأوراق عن أن أكثر من أربعين فتاة وقعن ضحايا لألاعيبه المحبوكة، وأنه تزوج سبعاً وعشرين مرة بالطريقة نفسها التي تزوج بها «دينا»، ومعظم ضحاياه من تلميذات الثانوي وطالبات الجامعة واللاتي فاتهن قطار الزواج، وأنه مطلوب القبض عليه في العديد من البلاغات، والغريب أن كثيرات ممن وقعن في شباكه لم يتقدمن ببلاغات ضده خشية الفضيحة، وأثرن الصمت طالما أن الأمر انتهى عند بعض الأموال ولم تحدث خسائر أخرى. كما كشفت الأوراق عن أن الزوج المحتال لم يسجل زيجاته تلك رسمياً، أي لم يكمل توثيقها، فكانت لا قيمة لها أمام الجهات القضائية لأنه لا يترتب عليها أي حقوق للزوجة، كأنها زواج عرفي ترفض المحاكم النظر فيها، وبسبب عدم التوثيق لم يتم اكتشاف هذه الزيجات، لأن المعلومات الموثقة يتم تخزينها على الحاسوب الذي يكشف جميع بيانات الزوجين كاملة. تم إحضار العاطل المزواج من محبسه فإذا به يعترف بكل تفاصيل جرائمه وإن الأمر بدأ معه بالصدفة عندما تمت أول زيجة بهذا الشكل وحصل من ورائها على مبلغ كبير، فاستمرأ اللعبة وراح يكررها ولا مانع من أن تكون له زوجتان أو ثلاثاً في وقت واحد ما دام لا ينفق عليهن ولا يتحمل أي أعباء أو مسؤوليات، فكلهن يقمن في بيوت آبائهن. وأحيل إلى المحاكمة بمجموعة من الاتهامات ولا أحد يعرف العقوبات التي سيواجهها والأحكام التي ستصدر ضده، فمعظم الوقائع جنايات بين نصب واحتيال وتزوير وانتحال صفة وابتزاز، مع تكرارها في حالات عديدة. لكن مشكلة «دينا» أصبحت معقدة فلا هي زوجة ولا هي مطلقة ولا معلقة، وبدأت البحث عن مخرج من هذه الدوامة، فلم يعد يعنيها معاقبة المجرم بقدر ما تريد أن تثبت أنها كانت متزوجة، وصارت مطلقة وعليها أن تثبت الأولى ثم تعود لتثبت الثانية، وأسرتها لم تسامحها بعد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©