الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما··· الانتصار على هواجس العنصرية

أوباما··· الانتصار على هواجس العنصرية
4 نوفمبر 2008 00:49
مع اقتراب تصويت الأمة على المرشح ''الديمقراطي''، باراك أوباما، فإن ما يذهلني حقاً ليس التحــول الذي ينتظرنا جميعاً على أيدي مرشح مؤهل لذلك، بقــدر ما ينبـــع هـــذا الذهول من حجم التغيير الذي يتعين علينا نحن الناخبين والمواطنين أن نكرسه على مستوى ذواتنا· وفي هذا الصدد أشير إلى ما كتبته خبيرة السلوك الاجتماعي ''مولي فوميا'' من أن تبني موقف متفائل في هذا العالم هو ''فعل شجاع ومتهور في الوقت نفسه''، هذا الشعور بالبهجة لا يأتي من بلوغ درجة اليقين لدى البشر بقدر ما ينبعث من الدهشة التي تصاحب التجربة الإنسانية في الحياة، موضحة أن الأمر يستدعي قدراً من الجرأة لبلوغ ''الدهشة السعيدة'' في عالم متشكك وعلى درجة كبيرة من الحذر· وبإسقاطنا لهذه النتيجة على الانتخابات الأميركية لا نعثر على ما هو أكثر إثارة للدهشة والحبور من معانقة الأمة لمرشح رئاسي ينحدر من أم بيضاء من كنساس وأب أسود من كينيا، بمعنى أنه نتاج اتحاد كان قبل وقت ليس بالطويل محرماً في أكثر من ثلاثين ولاية· وفيما يعبر البعض عن صدمتهم لما يرونه لأول مرة، يبقى البعض الآخر مستسلماً لعجلة التاريخ وحتمية التغيير والتقدم· لكن تغييراً بهذا الحجم، لا يحدث من تلقاء نفسه، بل ندفعه دفعاً إلى التحقق، ومع أن العديد منا يتظاهر بأن انتخاب أوباما هو أمر عادي ولا يندرج في نطاق الاستثنائي بسبب عجز عقولنا عن التعامل مع التغيير الجوهري الحاصل أمامنا، إلا أن الأميركيين ومنذ إدراكهم التغير القادم دخلوا في صراع داخلي مرير مع ردود أفعالهم الخاصة واستجاباتهم البعيدة عن الأعين والأنظار· فإعلان المرء أنه غير متحيز عرقياً ومتسامح مع الآخر شيء وممارسة هذا التسامح على أرض الواقع من خلال المشاركة في التصويت على أهم منصب في العالم شيء مختلف تماماً· وعلينا ألا نعتقد بأن مثل هذه الخيارات سهلة ولا تطرح إشكاليات، لأن التظاهر بذلك يبدد الجهود الكبيرة التي قمنا بها جميعاً لتجاوز تجاربنا الحياتية سواء التي مررنا بها في البيت، أو في المجتمع، لا سيما في بلد كانت العنصرية فيه راسخة، أو على الأقل متوارية تحت الواجهة البراقة· وباعتباري أميركية سوداء كان عليّ رفض الهمسات التي تشير إلى العديد من معارفي وأصدقائي أننا أدنى من الآخر الأبيض، لكن ومع ذلك ولسنوات طويلة رافقني ذلك القلق القديم من أن لون بشرتي وطبيعة شعري، فضلا عن ذكائي ومبادئي وجميع الأشياء الأخرى التي عملت جاهدة على اكتسابها كفتاة وطالبة وكابنة ومواطنة هي في نظر البعض أقل أهمية فقط لأني زنجية· والحقيقة أنه إذا كنت سأستوعب هذا الخطاب العنصري وأتشرب لغته، وأستمع إلى أمي وهي تصف شعري بأنه أقل قبحــاً من شعرها، أو أن أصغي إلى ابني وهو يلعن مدرستـــه لأن بهـــا عدداً كبيراً من الســـود، فكيـــف لي ألا أشك في استمرار التلميحات العنصرية وترسخها في اللاوعي الأميركي؟ واستناداً إلى هذا المنطق يبدو أن آثار عدم التسامح راسخة في التربة الأميركية تتواجد بذورها في الماء الذي نشربه وفي الهواء الذي نستنشقه، وإلا كيف يفسر الناخب الأبيض صراعه الداخلي للتصويت على أوباما ما لم يكن الأمر، وبعيداً عن المخاوف الواهية لاشتراكية أوباما، يتعلق بالهواجس الأخرى المتجذرة في أعماق الأميركيين؟ وهل يستطيع الناخب الأسود تجاوز العامل العرقي وإقناع نفسه بأن الناس أصبحوا أكثر انفتاحاً مقارنة بتجاربه الشخصية في الحياة التي تذهب عكس ذلك؟ أليس هذا ما عبرت عنه ميتشل، زوجة أوباما، عندما قالت إنها تشعر بالفخر لأول مرة كامرأة سوداء؟ باعتبارها حفيدة العبيد التي تعلمت من ملاحظاتهم وتجاربهم أن تقلق وتخاف كما الحال بالنسبة لأغلب النساء السود· ومع أن مشاعر الفخر التي اجتاحت النساء السود عندما هب الأميركيون جميعاً لمساعدة منكوبي إعصار ''كاترينا'' وباقي الكوارث الأخرى حقيقي ولا يرقى إليه الشك، إلا أنه حتى أكثر السود تفاؤلاً ارتابوا في قدرة أميركا على انتخاب رجل منهم· وبالطبع لا بد من الإقرار بصعوبة التغيير، إذ مازال العديد من الناخبين الذين لم يحسموا رأيهم مترددين في إعطاء الفرصة لرجل أسود ودفعه إلى الرئاســـة مهمـــا كانت درجة فصاحته وتعبيره عن احتياجاتهم· واليـــوم ونحــن نقتـــرب من ساعة الحقيقة التي ستكشف عن الرئيس الأميركي المقبل فإن كل ما أقترحه هو التعالي عن مخاوفنا سواء تلك المتعلقة بالماضي وتجاربه العنصرية المريرة، أو بانشغالات المستقبل المرتقبة ونحتفل بهذه اللحظة التاريخية من خلال إطلاق العنان لبراءة الدهشـــة وسعــادة التغيير· فبرغم جميع التوقعات والتقديرات المتضاربة أحياناً استطاع الأميركيون من جميع المشارب أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم على إمكانية انتخاب رجـــل أسود كرئيس يقودهــم جميعاً، لذا ومهما كانت النتائج فإن ضوءاً هائلاً، قد نفذ عبر الأبواب التي فتحت وستبقى كذلك لفترة طويلة· دونا بريت محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©