السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مساء اليوم··· فجر غدٍ!

4 نوفمبر 2008 00:49
مساء اليوم في الولايات المتحدة، فجر غد في الخليج والشرق الأوسط، سيكون ''الانقلاب'' قد حصل في أميركا، يمكن أن يكون تاريخياً، ويمكن أن يكون ''رجعياً''·· نحن أمام انقلابين في كل الأحوال: فمن جهة عاش العالم بضعة أسابيع على واقع متخيَّل قوامه أن الأميركي-الأفريقي وصل أخيراً إلى البيت الأبيض، استطاع أن يقنع معظم الداخل وكل الخارج بأنه استحق هذا الصعود، خاض حملتين متتاليتين كانت أولاهما أكثر صعوبة، وبدت الثانية مجرد حصاد لما زرع في الأولى، والفضل الأول يعود إلى التدهور المريع لعهد جورج دبليو بوش وإرثه· وهكذا فإن الانقلاب ''الأوبامي'' قد أنجز، صحيح أنه لا بد أن يمر بصناديق الاقتراع، إلا أن الحيوية والتعبئة والأفكار والآمال والطموحات التي بثها، كانت أكثر من كافية لإنتاج حالة جديدة ونموذجاً جديداً من النوع الذي لا يمكن توقعه إلا من أميركا· من جهة أخرى، شهدنا كيف حلت اللعنة على حملة جون ماكين الذي لم يكن باستطاعته أن يعطي أكثر مما عنده، أي مجرد استمرارية باهتة لعهد بوش، مهما بذل من جهد لتلميع صورته أو تنقيح برنامجه، أو حتى توسيع المسافة بينه وبين الرئيس الحالي· لم يدرك ماكين باكراً أن شدة النقمة على بوش أكبر مما يتصوره، فوجد نفسه في مستنقع آسن يصعب على أي كان أن يخرج منه ليدخل إلى المكتب البيضاوي، لكنه في الساعات الأخيرة للحملة لم يجد مفراً من اللجوء إلى ما يفترض أنه من ''الممنوعات''· وفي مواجهة خصومه الكثر الذين ذهبوا إلى ما يشبه القَسَم: ''أي أحد إلا بوش''، أطلق ماكين كعسكري متأصل أمراً سرياً شبه علني: ''أي أحد إلا رئيس أسود''· مئات الملايين من الدولارات أنفقت على استطلاعات الرأي، سواء تلك التي تعلن نتائجها أو تلك التي تبقى لدى الأجهزة وقادة الحملتين ''الأوبامية'' و''الماكينية''، أدت الاستطلاعات رقصاتها باتقان رفيع، مهما بلغ هامش الخطأ، فإن الفائز سيكون ''أوباما؟· لكن أي استطلاع لا يمكن أن يسبر أغوار النفوس الباطنية، فإذا قالت أوباما وهي تضمر ''ماكين'' لا يمكن تقويلها العكس، وبالتالي فإن المفاجأة لن تظهر إلا في وقت متقدم من الليل· الاستطلاعات تذكرنا ببعض كلاسيكيات علوم الإعلام والاتصال، فالحدث الذي يعتد به لا يخبرنا أن كلباً عضّ فلاناً وإنما فلان عضّ كلباً· ومنذ أسابيع، تحديداً منذ انهيار الأسواق وانفجار الأزمة المالية، لم يعد الحدث أن ''داو جونز'' هبط أو أن ''ناسداك'' سقط السقطة العجيبة، وإنما بات ارتفاع هذا السهم أو ذاك· كيف تم إسقاط الأزمة على البورصة الانتخابية؟ وأين الحدث فيها؟ راح أوباما يحلّق في الاستطلاعات، للمرة الأولى تمتع بتفوق من ''ديجتين'' أو رقمين، أي 10 في المائة أو أكثر قليلاً، وفي الأسبوع الأخير عاد إلى ديجيت واحد ظل ينزل ليستقر عند حدود هامش الخطأ· هذا طبيعي، كما يقول المستطلعون، هذا من تأثير الروح القتالية التي أشهرها ''ماكين'' في الأيام الأخيرة للحملة، كما يقول محللون، هذا بفعل استنهاض العنصرية، كما يقول محللون آخرون· استعيد الحديث عن ''أثر برادلي'' نسبة إلى توم برادلي المرشح الأسود لمنصب حاكم كاليفورنيا الذي تفوق في الاستطلاعات عام 1982 وخسر في صناديق الاقتراع، ومنذ تلك الواقعة أصبحت ''التقيّة'' الجماعية من المعطيات الواجب احتسابها في السوسيولوجيا الأميركية· صحيح أن المجتمع يتقدم، يتجاوز اللون والعرق والمعتقد لترجيح قيم الإنسان والمواطنة والانجاز، إلا أن له تفضيلاته في لحظات الحسم، أي من قبيل أولئك البيض الذين يقولون لسنا عنصريين، لكننا لا نحب السود· وهكذا، لم يعد الحدث أن ينتخب أوباما، وكأن الأمر أصبح بديهياً، الحدث بات الآن أن يُنتخب ماكين، فهذا لا يكون مدهشاً ومثيراً فحسب، وإنما سيعني انقلاباً مضاداً لإجهاض الانقلاب الذي سيغير أميركا وتاريخها· إنها لحظة حاسمة لأميركا والعالم، والأمر قد يكون في أيدي بضعة آلاف ناخب وناخبة ممن استفاقوا في ربع الساعة الأخير ليجدوا أنهم لا يستطيعون ابتلاع حبة الرئيس الأسود هذه، لذلك يستنهض ماكين ''ليكوديي'' فلوريدا الذين أنجحوا بوش الابن، والمتعصبين في أوهايو وبنسلفانيا وفرجينيا ليقولوا بالاقتراع ما لم يفصحوا عنه في أي استطلاع· هذا السيناريو ممكن وليس مستحيلاً، ''الأوباميون'' متوجسون، السيناريو الآخر الذي غادر الاستحالة بدوره ليقارب الإمكان هو الاغتيال، صحيح أنه لم يغب عن البال منذ الحملة التمهيدية، إلا أنه تحول أخيراً إلى خيار معلن متداول· لذلك، استطراداً، لم يعد الحدث أن يقع الاغتيال، الحدث ألا ينجح هذا الاغتيال· آخر ما أنتجته العقول اليائسة أن أوباما سينتخب بلا مفاجآت، لكنه سيقتل بعد بضعة شهور، ليصار إلى تنصيب نائبه جوزيف بايدن، وهو أبيض جاهز ومؤهل ولا يثير الخشية التي يثيرها احتمال تنصيب سارة بالين إذا توفي ماكين، باعتبار أنه ليس مرشحاً للاغتيال· جورج دبليو بوش الذي قاد الولايات المتحدة إلى إفلاس سياسي ومالي، قادها أيضاً إلى منعطف خطير، وأياً كان الرئيس المقبل، سيكون عليه أن يتعامل مع الإرث البوشي المتعفن· المعركة اليوم بين أفضل ما يمكن لأميركا أن تستلهمه وتلهمه لنفسها وللعالم، وبين أسوأ ما يمكنها أن تترسب فيه لتحافظ على صورتها البشعة لنفسها وللعالم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©