الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علموني العناد

علموني العناد
9 مايو 2013 21:49
نورا محمد (القاهرة) - لا أعرف في حياتي كلها غير الهدوء والسكينة فأنا متصالحة مع نفسي ومع الآخرين، ولا أعرف الأحقاد ولا أحملها لأحد، وهذا يبدو على وجهي وتصرفاتي ودائماً متسامحة ولا مانع لدي من التنازل عن حقوقي من أجل راحة البال وعدم الدخول في مشاحنات مع أي شخص، أياً كانت صلتي أو قرابتي معه أو حتى عابر سبيل ولا أرى أبداً أن هذا ضعف، وإنما هو ترفع، ففي طفولتي لم أكن أمانع أبداً في ترك ألعابي لأخواتي وحتى ملابسي الجديدة، إذا طمعن فيها ويعتبرنها حقا لهن وازددت عطاء مع حداثة سني لأن أبي وأمي كانا دائماً يثنيان على تصرفاتي تلك، وفي نفس الوقت يذمان أخواتي وإخوتي على طمعهم وحب أنفسهم. ملامحي - كما يشهد الجميع - جذابة بسبب هذه الطباع أكثر منها كلمحة جمال أنثوي، فكان لي صديقات كثيرات في مراحل عمري ولعبت دور المصلحة بينهن عند كل نزاع وما أكثر النزاعات بين الفتيات اللاتي يختلفن لأتفه الأسباب، ويكون الحل دائماً بدعوتي لهن للتسامح والتنازل وأسمع أكثر مما أتكلم، وتلك ميزة أخرى يحمدنها لي وربما يكون هذا كله سبباً في أن أتقوقع على نفسي وأهتم بدروسي ولا ألتفت لما تنشغل به البنات في مثل عمري. لم يكن ذلك خسارة، بل حقق لي مكاسب جمة، فعوضني أبي وأمي دائماً عن أطماع إخوتي بأكثر مما أريد، والأهم من هذا، فقد استحوذت على حب كل من حولي وهذا أثمن ما يمكن أن يتمناه إنسان وأجدني أعيش راضية قانعة يملؤني الأمل في مستقبل مشرق، وإن لم تكن لي أي طموحات أو أحلام تذكر فكلها عادية لا تزيد على الزواج والاستقرار بلا قيد أو شرط، وقد ألتفت إلى ما تتضمنه دعوات أمي، وهي تتمنى لي المال الكثير والعمر الطويل والزوج الغني الصالح والمسكن الفاخر، وغيرها من الدعوات التي ترددها بلا تكلف لكنها تخرج بسجع جميل مع أنها لا تعرف القراءة ولا الكتابة ولا أستطيع أن أصف سعادتي بذلك. تخرجت في الجامعة وحصلت على مؤهل عال من كلية نظرية وفي تخصص عادي فلا أهتم بالعمل ولا الوظيفة، ولم أكن أتعلم من أجل ذلك وأرسل شاب تربطنا به صلة قرابة من بعيد يبدي رغبته في التقدم لخطبتي. لم أره ولكن سمعت عنه كثيراً وأعرف أنه متمرد وفوضوي لا يهتم بأي شيء في الحياة ويعشق السهر والخروج مع شلة أصدقاء على شاكلته ولا أعلم عنه أكثر من ذلك، وإن كنت لا أستبعد أن يكون له بعض الانحرافات، ولكنني لست متأكدة والجديد في الأمر وما توقفت أمامه أكثر أنه أنهى دراسته الجامعية ولم يبحث عن عمل منذ ثلاث سنوات، ورغم أنني كما قلت ليس لي شروط مسبقة إلا أنني أيضاً لن أقبل بأي شخص والسلام، فهناك حد أدنى من المواصفات يجب أن يتوافر في الشخص الذي سيشاركني حياتي، وعندما أبدى والدي مخاوفه صراحة أكدوا لنا أن تلك مرحلة مضت وانتهت من حياته وأنه الآن يعمل بعقد عمل مؤقت، وفي طريقه للتثبيت في وظيفة وتغيرت تصرفاته وأصبح على قدر المسؤولية. كعادتي تنازلت عن ماضيه وليس من حقي أن أحاسبه عليه وتسامحت في هذا الذي عرفته كله طالما أنه على الجادة الصحيحة ويسير في الطريق السليم وقد حاول أن يثبت لنا ذلك، فتم إعلان الخطبة وبطبيعة الحال لم نخرج معاً ولا مرة فقط التقينا عدة مرات في منزلنا بحضور الأسرتين، فما زالت المخاوف تلعب برؤوسنا ولم تتبدد بعد وإن كانوا يحاولون ذلك باستمرار خلال تلك الفترة لم أحدد موقفي منه بالرضا أوالقبول التام، وما زلت في مرحلة التردد ولا يمثل شيئاً في حياتي ووجدت أبي يوما يخبرني برغبته في عدم إتمام هذه الزيجة لأن الشاب ليس على قدر المسؤولية، ولن يكون هو الذي سأجد سعادتي معه فقلت له كما ترى وبالفعل أبلغهم بقراره وقد علمت أن أبي اتخذ هذا القرار بعد أن شاهد الشاب في الشارع يسير مع فتاة غريبة بطريقة مريبة بما يعني أنه ما زال في غيه القديم. صحيح أنني لست نادمة عليه ولا متمسكة به ولم يمثل أهمية لي ولا خسارة بالنسبة لي، ولكن كانت هذه تجربة خطوبة والحقيقة التي لا نستبعدها أنها حسبت في حياتي على أنها فشل من دون النظر إلى الأسباب ولا من المتسبب فيها، وفي الغالب في هذه الحالات تنسب الأخطاء للفتاة ظلما وزوراً بعيداً عن الواقع، لذلك كان هناك شيء في نفسي وآثار لم يكن سهلاً التغلب عليها واستغرق ذلك وقتاً ليس بالقصير وتفكيراً كثيراً فيما حدث من غير أن أحمل أحداً مسؤوليته، فقد قدر الله وما شاء فعل ولعله خير ولم أتخل عن طباعي ولم أخرج عن طبيعتي. ولم تمض ثلاثة أشهر حتى وجدت من تأتي لتخطبني لابنها المسافر في الخارج، وجاءت بلا معرفة سابقة بيننا، لكن رشحتني لها إحدى جاراتنا وهذه أيضاً علاقتنا بها محدودة لم تكن المرأة مريحة في تعاملاتها ولا طريقة كلامها تتحدث بلهجة متعالية ونبرة حادة منذ البداية، وقبل أن أرى الشاب أو أتحدث معه أو يتم بيننا أي اتفاق وهذا جعل أسرتي تتخوف منها، ولكن لم يتم الرفض مباشرة بل الانتظار إلى أن يأتي العريس وحينها يكون الحكم نهائياً وواقعياً. لم تزرنا المرأة التي من المفترض أن تكون حماتي ولا مرة خلال أربعة أشهر ولم تكلف خاطرها ولو باتصال هاتفي، حتى ظننا أنهم قد تراجعوا إلى أن اتصلوا بنا ليخبرونا بأن الشاب قد عاد في إجازة قصيرة ويريد التعارف، وللأمانة كان مختلفاً تماماً عن أمه فهو ودود وملتزم وهادئ وتم الاتفاق على أن ميزاته تغطي على سلبيات أمه، وكما قال أبي فإنني لن أعيش معها وسأكون في مسكني أنا وزوجي ولا داعي للمبالغة في المخاوف، غير أن المرأة كانت صعبة المراس إذا اتصلت للاطمئنان عليها ترد بكلمات جافة ولا تفتح معي بابا للحوار ولا تستفسر عن شيء ولديها دائماً رغبة في عدم الحديث معي، فوجدت في ذلك إهانة لي فأنا أسألها وأزورها كل مرة وهي لا تبادر أبداً بشيء من هذا ولا أقول إنني أريد المعاملة بالمثل، ولكن في نفس الوقت لا أريد أن أشعر بأنني متطفلة أو غير مرغوب فيّ بأي شكل. هنا الحالة معكوسة، فالشاب بلا ملاحظات، بينما أمه تجعلنا نخشى تكرار التجربة السابقة نقلت هذا كله لخطيبي عبر الهاتف وكان يرجوني أن أتحمل وأصبر وأن هذا لا يهم طالما أنه هو يريدني، وللإنصاف، فقد كان يعوضني عن تصرفات أمه وهذا ما جعلنا نستمر في هذه الخطوبة ولا نسعى لفسخها مع أنها ما زالت تتصيد الأخطاء وتفتعل الخلافات قبل أن تبدأ حياتنا الزوجية بالفعل، وأستشعر أن هناك شيئاً غير مفهوم يحتاج إلى توضيح، فإذا كانت المرأة لا تريدني فما الذي يدفعها إلى تلك التصرفات ولماذا لا تكون واضحة بلا لف أو دوران. حرصت على أن ألبي طلباتها وأؤيدها في كل ما تذهب إليه فأغراها موقفي بالتمادي في الضغط علي، واتصلت بها ذات يوم كما هي عادتي للاطمئنان عليها، لكنها لم ترد فساورني القلق من أنه قد حدث مكروه لأي من أسرتها فاتصلت بخطيبي في الخارج وأنا متوجسة من سماع خبر مؤلم، فجاءني رده عاديا وأنه لم يحدث أي مكروه وعاودت الاتصال في الأيام التالية، فلم ترد على الإطلاق، فلما سألته بإلحاح عن السبب قال لي إنها غاضبة مني وسوف أحضر في إجازة قريباً لحل سوء التفاهم الذي يعلق بذهنها وضربت أخماساً في أسداس ورحت أستعيد كل المواقف بيننا، عسى أن أجد سبباً معقولاً لغضبها فلم أجد وانتظرت إجازته بفارغ الصبر، ولما جاء طلب مني أن اصطحب أسرتي في زيارة لهم لتهدئة الأمور، وإزالة الرواسب العالقة في النفوس، فاندهشت لما يقوله ولم أقتنع بهذا الكلام الذي ليس له أساس، فلم يحدث أي خلاف أو تعامل بيننا، ولكن تحت إلحاحه وتوسله فاتحت والدي ووالدتي بما كان من أمره وقبلنا زيارتهم على مضض، وهناك فوجئنا بمقابلة سيئة جداً وأحسسنا بإهانة شديدة واستنكر والداي ما حدث ولم أجد ما أرد به عليهما لتبرير هذا الموقف الغريب، من أسرة خطيبي الذي لم يف بوعده لي ولما عدنا إلى منزلنا اتصل بي وحاول تهدئة أبي وترضيته لدرجة أنه بكي وأكد تمسكه بي مهما جرى. قضيت ليلتي وأنا أتمني ألا أفقده وغادر إلى عمله مع تأكيده التمسك بي تماماً متمنياً أن أساعده على ذلك حتى يتم الزواج وتنتهي هذه الخلافات كلها، أنا من جانبي لا أريد أن أكرر تجربة الفشل وأصبح ذلك شبحاً يرعبني وأتمسك بتضحياتي وألتجئ إليها، لكي تتم الزيجة ولا أكون فأر تجارب ولا أريد أيضاً أن أمر بما حدث لي من آثار نفسية وتواصلت التنازلات أكثر من ذي قبل ليس من جانبي وحدي، وإنما من أسرتي أيضاً التي تريد لي السعادة وتم تحديد موعد الزفاف وحدث ما لم يحدث على مر التاريخ كله، فقد أصرت أمه على أن تضع اسمها على بطاقات الدعوة باعتبارها أم العريس مقابل اسم أبي والد العروس، وهنا كانت النهاية التي لم تعجب أحداً وبالطبع لم نقبلها وإن كانت تبدو بسيطة في ظاهرها. تم فسخ الخطبة وطلبوا رد الشبكة وتحول الأمر وكأننا في حرب ووجدتني وأنا المعروفة بالمسامحة والليونة أصر بشدة على عدم إعادة الشبكة لقناعتي بأنه مادام المعروف غير موجود بيننا فيجب ألا أتنازل عن حقي وتسرب إليَّ العناد، فكلما ازدادت إصراراً على استعادتها ازددت تمسكاً بها، ولو لم تظهر هذا الشغف والجنون بالشبكة لأعدتها إليها من دون أن تطلبها فهي لا تمثل بالنسبة لي شيئاً، ولكنه موقف إزاء تعنتها معي بغير حق. لقد استطاعت هذه المرأة أن تغير ما اعتدته وعشت عليه طوال عمري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©