الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الوشيش» مهنة مطاردة في أسواق دمشق

24 يوليو 2010 21:33
لم تعد واجهات المحال في أسواق دمشق كافية لجذب أنظار الزبائن، فلا بد من جذب أسماعهم أيضاً بعبارات ولغات حسب مقتضى الحال ومتطلبات جنسيات الزبائن كذلك. “تفضل سيد راسي” و”تفضل يا باشا” أو “هلا طال عمرك”. مهنة ليست جديدة في سوريا، وإن مرت بفترات ازدهار وانحسار، وهي مهنة ممنوعة حفاظاً على الوجه السياحي للبلد، لكن المنع لم يدفعها إلى الانقراض. مهنة تقع تحت مسميات عديدة من “وشيشة” و”حويصة” و”شديدة” و”سحيبة” إلى “عزيمة” (دائماً بتشديد الحرف الثاني من الكلمة) وسواها من مفردات مبتكرة لأولئك الذين يعيشون يومياتهم بما يشبه المطاردة مع رجال البلدية والشرطة. فإن يراك هؤلاء “متلبساً” بكلمة، حتى لو كانت من نوع “تفضل” باتجاه الزبون خارج المحل، معناه أن تبيت على الأقل ليلةً في النظارة (في مركز الشرطة) بـ”جرم” الإساءة إلى السياحة، على أن تزيد في المرات التالية على شهر أو أكثر. وربما كان مبرر النظر إلى هذه المهنة كإساءة هو ذلك الإلحاح لدى “الوشيش”، الذي قد يصل إلى حد إثارة غضب الزبون أحياناً. أما بالنسبة للنساء من الزبائن، فقد يلتبس الأمر بين تدليل على بضاعة وبين غزل، ما ينتهي في كثير من الأحيان إلى مشاجرة. أما مبررات المهنة، فيقول أحد الوشيشة وقد أكد أنه نام شهراً كاملاً في السجن بسببها، أن “لا واجهة للمحل الذي يعمل فيه على السوق، ومن دون عمل كهذا لا يمكن أن يهتدي الزبون إلى البضاعة”. وبالفعل، فسوق الحميدية في دمشق لم تعد تلك المحال المصفوفة على جانبي الطريق، فللسوق امتداداته في الطوابق العليا والغرف الخلفية. أما السبب الآخر لمهنة كهذه فهو تزاحم المحال ذات البضاعة المتشابهة، ما يجعل دور الوشيش حاسماً في جذب الزبون إلى بضاعته. والوشيش ليس بالضرورة عاملاً لدى محل بعينه، فبإمكانه أن يكون مستقلاً ويعمل لحسابه، فيضع في عهدته مجموعةً من المحال والبضائع، وله نسبة من الربح قد تصل إلى 35%. الغريب أنه لا يمكن أن تسأل أحداً عن هؤلاء الوشيشة إلا ويبدي امتعاضاً من دورهم وأسلوبهم الاقتحامي، ما يعني أن الغرباء والعابرين فقط هم من يقع في حبائلهم. وإذا كان لكل مهنة “عدة شغل” فإن للوشيشة “عدتهم” الخاصة التي تقتصر على اللسان، لكن هذا ينبغي له أن يتعلم أشياء كثيرة تبدأ من حلاوة الحكي ولا تنتهي بتعلم اللغات الأجنبية. وإذا كان المثل الشعبي يقول إن “المال يعلم الحكي والفقر يكتف العفاريت” فإن السوق هو مختبر حقيقي لذلك. هنا بإمكانك أن تجد شباناً بالكاد يكتبون أسماءهم بالعربية، ولكن السوق علمهم عدداً من اللغات الأجنبية، ففي سوق الحميدية فقط يمكنك أن تجد أمياً يتحدث أكثر من لغة، لكنها لغة السوق في النهاية، تحكمها مواصفات البضاعة واللون والسعر والمقاسات. ولكل مهنة لغة، فباعة الستائر يتحدثون اليونانية لأن القبارصة ولغتهم هي اليونانية هم من يطلب هذه البضاعة من أسواق دمشق. أما العاملون في التحف الشرقية فغالبا ما يتحدثون الإنجليزية. أما اللغة “الداخلية” للوشيشة فهي عالم قائم على الألغاز، وهي لغة مستخدمة بينهم وبين معلميهم، تمويهاً على الزبون. فعبارة “جايبلك خروف” تعني زبوناً دسماً، ويمكنك أن ترفع السعر قدر ما تشاء، وبالتالي “خورفته” تعني غلبته.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©