السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوجة بدرجة خادمة

زوجة بدرجة خادمة
22 مايو 2014 22:54
في أعقاب تخرجي في الجامعة، وحصولي على ليسانس الآداب، جلست في البيت مثل كل الفتيات، تساويت مع الحاصلة على مؤهل متوسط ومع غير المتعلمة، انتظر “ابن الحلال” الذي يطرق الباب طالبا يدي، ولا أدري من يكون، حيث إنني لا أنتظر شخصا بعينه، فليس لي أي علاقات مع أي شاب، اعتدت على العزلة، بحكم تربيتي ونشأتي وعادات أسرتي والمنطقة التي نعيش فيها فهي أقرب إلى الريف منها إلى الحضر، وأنا بطبعي خجولة ولا أستطيع أن أتحدث مع زميل. أول عريس المرحلة الجامعية لم تغيرني رغم الانتقادات التي كانت زميلاتي توجهنها إليّ، وتعتبرنني لا أساير العصر، ولا أعي أن الدنيا تغيرت وتطورت، فلم أهتم بذلك كله، ووجدت تقديرا ومدحا على تصرفاتي وأسلوبي هذا من أسرتي وكل من يتعامل معي، وذلك ما جعلني أشعر بالسعادة وازداد يقيني بأنني على الطريق الصحيح، حيث لم أنجرف لمحاولات صديقاتي التأثير في نظري للأمور المادية حتى عندما كن يسخرن من جهاز الموبايل الذي أحمله وأنه قديم جدا ولا يصلح لدخول مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت لم أتأثر نفسيا. ورغم أنه مر على تخرجي عام واحد إلا أنني شعرت بالملل الشديد لأنني أعيش حياة روتينية رتيبة، أستيقظ بلا موعد محدد، أحيانا مبكرا وأحيانا كثيرة قرب الظهيرة، أقوم مع أمي بترتيب البيت وتناول الإفطار مع إخوتي الصغار، ثم ننشغل في الطهو، وغسل الملابس وبقية الوقت أمام التلفاز ولم تكن هناك وسيلة أخرى للترفيه أو التنفيس، فأسرتي لم تعتد على ذلك، كل ما نفعله هو لقاءات المناسبات والمجاملات الضرورية مع أقاربنا، وفي الغالب لا أكون معهم في معظم هذه الزيارات، لأنها لا تناسبني أو ليس من الضروري أن أشارك فيها، ولأننا أسرة متوسطة الحال فلم نكن من الذين يترددون على الأندية أو يخرجون في المتنزهات ولا السهر في أي مكان. كان أول طارق لباب بيتنا ليطلب يدي هو ابن عمي، الذي يقيم في نفس الشارع، ولكن كانت علاقتنا عادية، ليست ممتازة وليست سيئة، رغم هذه الصلة من القرابة لا أعرف عنه إلا أنه موظف، ولكني أجهل طبيعة عمله، ولم يسبق لنا أن تحدثنا وجها لوجه ولا التقينا في مناسبة عن قرب، لذا لم يكن لي رأي في الموضوع ولم أتدخل فيه ولم يؤخذ رأيي في الخطبة على الإطلاق، وكأنه لا يخصني، وأخيرا علمت من أمي أن أبي رفض ابن أخيه، لوجود خلافات قديمة بينه وبين أمه أي زوجة عمي وعدم ارتياح، فهو يخشى من إتمام زواج لا يقوم على أسس من الود، وربما يكون في النفوس شيء يفسده ويحوله إلى تعاسة وفشل، كما أنه يتخوف من زواج الأقارب بسبب أمراض الوراثة التي تصيب ببعض الأمراض الخطيرة. لم يمثل رفض أبي بالنسبة لي أي مشكلة، ولم يؤثر في حالتي النفسية، لأنني لا أشعر أنها كانت فرصة ولا بضرورة الارتباط في هذا الوقت، وبالطبع أثق أن أبي يعرف ويقدر مصلحتي ومستقبلي أكثر مني بخبرته في الحياة، ثم إنني مازلت صغيرة في العمر ولم أتجاوز الثالثة والعشرين، ولست قلقة من تأخر الزواج ولم أصل بعد إلى الخوف من العنوسة، وليس معنى أنني غير مرتبطة أو لا شروط لي في شريك حياتي أنني سأرتضي بأي شخص، فلا بد أن يكون مناسبا من النواحي الاجتماعية والفكرية والثقافية حتى يكون هناك بيننا تفاهم وتوافق. بعد ثلاثة أشهر من هذه الواقعة، جاء شاب يطلب يدي بطريقة تقليدية وكما حدث مع ابن عمي حدث أيضا مع هذا الغريب، كانت المفاوضات تتم من وراء ظهري، لا يصلني إلا ما يناقشه أبي مع أمي صراحة ويطلب رأيها أو تشاركه التفكير والنقاش فيه، ولم يكن لي أي تعليق، حتى استقر أبي على الموافقة بعد أن عرف بعض المعلومات المهمة عن الشاب، وأنه موظف ولديه شقة مجاورة لشقة أمه، وارتأى الجميع أن تلك ميزة كبيرة، لأن أمه لن تقيم معنا بصفة دائمة فتضيق عليَّ حريتي وبالتالي لا تتدخل في كل أمور حياتي، ومن ناحية أخرى سأشعر بالأنس وقت غياب زوجي في عمله، وأخيرا قامت أمي بناء على تعليمات أبي بعرض هذه المعلومات عليّ، وتركا لي حرية الاختيار واتخاذ القرار. بالطبع وافقت بلا تردد، فليس هناك ما يعيب الرجل، وإن كان عاديا، وفي نفس الوقت لا يوجد ما يدعوني لرفضه، وبجانب هذا وذاك كنت أحلم بالفستان الأبيض والعرس والزوج والحياة المستقلة، وأن أكون أما، وتم إعلان الخطبة في لقاء عائلي ورأيت خطيبي عن قرب للمرة الأولى، وتبادلنا أطراف الحديث عن بعض القضايا العامة، ثم كان يتردد على بيتنا في وجود أبي وأفراد أسرتي فلا يتاح لنا الحديث في أي شيء إلى أن تم الزواج وانتقلت إلى بيته. ملل مبكر اكتشفت أن زوجي حنون وهادئ، يحترمني ويحاول أن يسعدني قدر طاقته وإمكاناته وإن كانت محدودة، وبدوري أفعل كل ما بوسعي ليكون زوجا سعيدا راضيا عن كل أفعالي وتصرفاتي، لكن الكمال لله وحده، فهو بعد أن يعود من عمله يقضي معظم وقته أمام الكمبيوتر، لا أدري ماذا يفعل، وبدأت أشعر بالملل، فكأنه غير موجود معي، هو صامت وأنا أشاهد المسلسلات والأفلام، لا يدور بيننا حديث إلا بكلمات قصيرة مقتضبة هي أشبه إلى الأوامر وإن لم تكن كذلك، عندما يريد مشروبا أو طعاما، أعده له وهو منهمك فيما هو فيه ولا أعرف ما هي المتعة في ذلك، حتى بدأ يشرح لي عالم الإنترنت وما يحتويه من معلومات وفضاء افتراضي، ومواقع التواصل الاجتماعي وكيف للشخص أن يجد صداقات وأشخاصا من مختلف دول العالم على هذا الجهاز الصغير، وقد استهوتني هذه العملية وبدأت أدخل هذه الدنيا. بعد الأسبوع الأول من زواجنا استدعتني حماتي لأقوم بتنظيف شقتها، وقمت بذلك راضية سعيدة، ويتكرر مطلبها ذاك كل يومين أو ثلاثة، إلى هنا الأمر قد يكون عاديا، فهي مثل أمي ولها عليّ حقوق كثيرة، وعندما يأتي أحد أبنائها أو بناتها لزيارتها تستدعيني أيضا لأقوم بخدمتهم وإعداد الطعام والشراب لهم، لكنها لا تسمح لي بالعودة إلى شقتي بعد انتهاء مهمتي، وإذا استأذنت وغادرت تشكوني لزوجي، وهذا كله مستطاع، لكن ما لم أقبله أنها أخذت تردد لأبنائها، ومن بينهم زوجي، أنني مجرد خادمة لهم، وفي الحقيقة جرحني الوصف، وجرحني أكثر أن زوجي خاصة وأبناءها عامة لم يدافعوا عني ولم يردوا غيبتي حتى أعلنت ذلك صراحة في وجهي، وزادت عليه إن لم يعجبني فالباب مفتوح، بمعنى أنها تطردني لأعود إلى بيت أبي، لم أفعل وانتظرت إلى أن عاد زوجي وشكوت له فأيد ما قالته أمه، ولم يترك لي اختيارا فغادرت غاضبة. خبر صاعق فوجئت بعد أيام بخبر زلزل كياني، فقد استجاب زوجي لأوامر أمه وطلقني غيابيا وأرسل وثيقة الطلاق، ولم يكلف خاطره بمناقشة موضوع الخلاف ومحاولة الصلح والتوفيق في وجهات النظر، بحجة أنه يطيع أمه ولا يرد لها أمرا، وأنا لم أطلب منه أن يخالف أمه لكن لم أفهم أو أتقبل طاعته العمياء لها لدرجة تطليقي بهذا الشكل المجحف، خاصة وأنني لم أخطئ في شيء، كان وقع الخبر علينا قاسيا، لم نصدق ما يجري فهو كابوس ثقيل، ارتضيت وكتمت أحزاني ولم ألجأ إلى الشكوى، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وبعد شهرين أرسل طليقي من يتوسط عند أبي ليعيدني إلى عصمته، وأن الصلح خير، لكن أبي خشي من تكرار ما حدث، وفي نفس الوقت لا يريد لي أن أكون مطلقة وأنا في الثالثة والعشرين من عمري، أما أمي فقد رحبت بعودتي إليه ونسيان ما حدث، ومن جانبي رغم ما بي من ألم وافقت لذات الأسباب، وعدت إليه ولم أعاتبه كي لا أفتح الجراح، وإن كان قد أبدى ندمه على ما حدث، لكن أمه لم تغير من أسلوبها وبالغت في تعسفها معي وكثرت شكاواها مني، وهي تختلق وقائع لم تحدث، ولا استطيع أن أواجهها وزوجي يصدقها بلا نقاش ولم يتعلم من درس الماضي، وهو قد التحق بعمل إضافي بعد عمله الوظيفي فيعود كل يوم متعبا ليس لديه استعداد للكلام ولا النقاش، يتناول طعامه ويسمع أمه وينام، وأصبحت مجرد خادمة له ولأمه. ومع أول مشكلة بسيطة، طردني وطلقني كما فعل في المرة السابقة، وعندما حاول أن يردني، قررت ألا أعود إليه فهو مريض بفيروس الطلاق، ولا يهم إن لم أتزوج ثانية ولو قضيت حياتي كلها مطلقة، فظل الحائط أفضل كثيرا من ظل ألف رجل مثله. نورا محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©