الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيرتاش.. أميركا تخسر القضية

10 مايو 2015 22:57
رفض قاض في فيينا طلباً أميركياً يهدف لتسليم أحد أفراد الأولجاركية (القلة الثرية صاحبة النفوذ السياسي) الأوكرانية على أساس أن حوافز هذا الطلب سياسية. وهذه المحاكمة مهمة لمن يريدون فهم تعقيد الوضع الأوكراني بدلاً من قبول وصف أحادي من أي من الجانبين. والشخص المعني المعدود ضمن أفراد الأولجاركية الأوكرانية يدعى ديمترو فيرتاش. وقد صعد نجم فيرتاش من العدم تقريباً عام 2004 ليصبح مالكاً، مع شريك أصغر، لحصة 50 في المئة في «روسوكرينيرجو» وهي شركة وهمية على الأرجح أنشئت لبيع غاز روسيا ومنطقة آسيا الوسطى إلى أوكرانيا. وكانت شركة «جازبروم» الروسية الرسمية تمتلك النصف الآخر من الشركة. وقد أشيعت شبهات بأن الشركة إنما تهدف لتحويل المال إلى شخصيات نافذة في كل من كييف وموسكو. وحاربت يوليا تيموشينكو، التي أصبحت رئيسة وزراء أوكرانيا عام 2005، هذا المخطط وتصدى لها أيضاً فيرتاش. وفي عام 2008 ذهب فيرتاش لزيارة وليام تايلور السفير الأميركي في كييف وأخبره بأن تيموشينكو تريد إقامة شركتها الخاصة للغاز لتحقق ثراء شخصياً، وأنها تتقرب من روسيا لفعل هذا، بينما يصمم هو باعتباره وطنياً أوكرانياً على إحباط مخططها. ولكن السفير الأميركي لم ينطل عليه الأمر. وفي عام 2009 نجحت تيموشينكو أخيراً في الإطاحة بـ«روسوكرينيرجو» ووقعت عقداً مباشراً مع «جازبروم» وإن أصبحت تكلفة الغاز بالنسبة لأوكرانيا أعلى بكثير. ولكن فيرتاش كان في ذلك الوقت، قد أصبح واحداً من أقوى أولجاركية البلاد وسمحت له استثماراته في صناعة الكيماويات والزراعة بالتمتع بحياة البذخ وممارسة نفوذ على كل من حكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش والمعارضة السياسية. واتخذ من النمسا مركزاً لإمبراطوريته الاقتصادية، وهناك أقام عدد من حلفاء وأقارب يانوكوفيتش شركاتهم أيضاً. وفي عام 2013، أصدرت هيئة محلفين أميركية صحيفة اتهام بحق فيرتاش في قضية تتعلق برشوة حاكم ولاية هندي لتدشين مشروع مربح للتيتانيوم. وأصدرت الولايات المتحدة طلباً لاعتقال فيرتاش في ذلك العام، ولكنها سحبته بعد خمسة أيام. وتجدد الطلب الأميركي أيضاً بعد أقل من أسبوع من فرار يانوكوفيتش من كييف في فبراير 2014. وطالبت الولايات المتحدة النمسا بتسليم فيرتاش، واعتقل الرجل في حينه في فيينا، ولكن أُفرج عنه بكفالة بلغت 125 مليون يورو (141 مليون دولار). وأقرضه المال رجل الأعمال الروسي فاسيلي أنيسيموف الشريك الاقتصادي لأركادي روتنبيرج الصديق المقرب من بوتين. وفي المحاكمة التي انتهت يوم الخميس، سرد فيرتاش نسخته من القصة، أو روايته المضادة. وذكر أن رجاءه قد خاب في يانوكوفيتش عام 2012 وبدأ يعد بطل الملاكمة السابق فيتالي كليتشكو ليحل محله. وكان كليتشكو أحد زعماء المعارضة الذين أيدوا الاحتجاجات التي أطاحت بيانوكوفيتش في نهاية المطاف، بينما كان فيرتاش ضالعاً بشدة في المفاوضات بين الرئيس والمعارضة. ولكن يانوكوفيتش فر في النهاية. وقبل الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في مايو 2014 سافر كليتشكو وبوروشينكو إلى فيينا. واجتمعا هناك مع فيرتاش الذي توسط بينهما. وصرح فيرتاش للمحكمة بأنهم حققوا ما أرادوا. وتم تهميش تيموشينكو. وقد يتساءل المرء عن السبب الذي جعل القاضي كريستوف باور يستمع لكل هذا. والإجابة المحتملة هي أنه لم يكن أمامه شيء آخر ليستمع إليه. فالقضية الأميركية ضد فيرتاش قامت على شهادة من شاهدين مجهولين، ولكن حتى الشهادة لم تقدم للمحكمة. وفشلت الولايات المتحدة أيضاً في تقديم إجابة مرْضية عن سبب عدم ملاحقتها فيرتاش قبل ذلك. وقد نقل موقع إخباري أوكراني على الإنترنت عن القاضي قوله «كل هذه الاعتبارات تقودني إلى الاستنتاج، بصرف النظر عن كل شيء آخر، أن هذه القضية ذات خلفية سياسية». وستطعن الولايات المتحدة في قرار القاضي ولكن لا يرجح أن يتغير الحكم بعد أن أفسدت الإدارة الأميركية الدعوى بشدة. وقد يكون هذا غير عادل، ولكن الحكم بالإفراج عن فيرتاش هو أقل الجوانب تشويقاً في قضيته. ففيرتاش ملياردير متحالف عن كثب مع أصدقاء بوتين وهو مدافع عالي الصوت عن ضرورة مشاركة روسيا في أي محادثات بشأن اندماج أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، وهو ضالع أيضاً، في الوقت نفسه، في مسعى أوكرانيا للانفصال عن روسيا. ويتعين على أوكرانيا أن تتخلص من تأثير فيرتاش وأترابه من الأولجاركيين. فأقصى ما تأمله أوكرانيا في ظل وجوده هو التوصل لصفقة مشبوهة يتوسط فيها مع روسيا قد تتيح، وقد لا تتيح، للبلاد فرصة لمزيد من الإصلاح ونجاة من مرض الأولجاركية ذات يوم. *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©