الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«وراء الشمس» يضع المجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة وجهاً لوجه

«وراء الشمس» يضع المجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة وجهاً لوجه
25 يوليو 2010 20:52
يبدو أن الدراما التلفزيونية السورية بدأت تخرج عن الموضوعات التقليدية للمسلسلات ما بين التاريخي والاجتماعي والكوميدي وغيرها، وبدأ بعض المخرجين يشق طريقاً مختلفاً هو أقرب إلى المغامرة. ومن هؤلاء المخرج الأكاديمي سمير حسين الذي اختار موضوعاً خطراً وحساساً ودقيقاً يتعلق بحياة ذوي الاحتياجات الخاصة في مسلسله الجديد «وراء الشمس»، ولم تقف مغامرته عند هذا الحد، بل هو ذهب أبعد من ذلك، حين أسند أحد دوري بطولة المسلسل إلى شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة لم يسبق له التمثيل، وهو علاء الدين الزيبق، أما دور البطولة الأول فسيلعبه الفنان بسام كوسا. فما هي طبيعة ومضمون هذا العمل الجديد، وما الذي يريد أن يقوله؟. وهل غامر سمير حسين وبسام كوسا بهذا المسلسل، أم أنهما صنعا عملاً فنياً مبتكراً ومميزاً وجديداً؟ وهل استطاع المخرج أن ينتصر على الإعاقة وأن يقدم صورة واقعية للمشاهد العربي عن حياة «أناس» يعيشون بيننا، لكننا لا نعرفهم، وهم مهمشون ومغيبون عن ساحة المجتمع واهتماماته؟. نظرة خاطئة يقول المخرج سمير حسين إن العمل يقدم موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة، عبر شخصيتين رئيسيتين هما «بدر» المصاب بطيف التوحد، والذي يلعب دوره الفنان بسام كوسا، و»علاء» المصاب بمتلازمة داون، ويجسده الشاب علاء الدين الزيبق، بالإضافة إلى قصة موازية تتناول زوجين يفاجآن بأن طفلهما القادم على الطريق مصاب بمتلازمة داون. ويضيف حسين: هناك جهل كبير فيما يتعلق بهذين المرضين، على الرغم من أن المصابين بهما كثر، ويعيشون بيننا، فبعض الناس ينظرون إليهم على أنهم مجانين، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، فمعظمهم يمكن أن يقوموا بمهام محددة في الحياة إذا أحسن التعامل معهم، وأخضعوا إلى دورات تأهيلية، كما أن المصابين بمرض طيف التوحد يتمتعون في أغلب الأحيان بقدرات عقلية فريدة، ويتفوقون على الناس العاديين، في بعض المجالات، كالرياضيات والهندسة وغيرها!. كوسا متوحداً يلعب الفنان بسام كوسا دور بدر، وهو شخص مصاب بمرض طيف التوحد، وينتمي إلى أسرة فقيرة جداً، لكنه عبقري في إصلاح ساعات الأنتيكا، والتي تأخذ في العمل بعداً رمزياً، بإشارتها إلى علاقة الشخصيات بالزمن الذي نعيش فيه. ويعمل بدر لدى أحد الأشخاص يدعى كريم ويجسد شخصيته الفنان حسن عويتي، فسيستغل حالته الصحية وعبقريته على حد سواء. ونتابع من خلال العمل كيف يعيش هذا الإنسان ضمن محيطه الاجتماعي، وكيف ينظر الآخرون إليه، وعلاقته بوالدته وشقيقته وجيرانه، وكيف يفسرون سلوكه ويتعاطون معه. ولا يشك سمير حسين في أن الفنان المتميز بسام كوسا واجه تحدياً كبيراً في تجسيده لهذه الشخصية، وأن هذا الدور سيقدم إضافة مهمة إلى مسيرته الفنية، ولا سيما أنه عمل بأسلوب الورشة الدرامية التي تضمنت نقاشات مهمة بينه وبين المخرج والكاتب والأطباء والمستشارين، ولم يترك بسام مرجعاً أو برنامجاً طبياً إلا واطلع عليه وراجعه، ليكون أمامه توثيق طبي دقيق، إضافة إلى حواراته مع الأطباء المختصين. نجومية «منغولي» إذا كانت شخصية «بدر» المصاب بمرض التوحد ستتألق عبر الأداء المميز والبارع لبسام كوسا، فإن في العمل شخصية أخرى يقوم صاحبها نفسه بتجسيدها على الشاشة، وتحمل اسمه الأول الحقيقي «علاء» ليتحول من مجهول إلى نجم تلفزيوني!. فالشاب علاء الدين الزيبق مصاب بمتلازمة داون، وقد حافظ المخرج على اسمه في العمل، ولكن كيف أمكن أن يقوم علاء بهذا الدور الصعب، وأن يلعب دور البطولة إلى جانب بسام كوسا، وكيف استطاع المخرج تطويعه كي يتمكن من الأداء أمام الكاميرا كممثل؟. يقول المخرج: لقد كانت مغامرة حقيقية، لكني بذلت جهداً استثنائياً، لجعلها مغامرة ناجحة ومحسوبة. ويضيف: «المنغولي» لديه قدرات عقلية محدودة وعليك أن تبرمجه، ولا سيما أن المطلوب منه جهد وتقنيات ممثل محترف، فما بالك أنه لا يعرف ما هي الكاميرا وما هو المسلسل. لقد قابلت نماذج كثيرة، وركزت على الذين خضعوا إلى برامج تدريبية، لأن قدراتهم متطورة عن غيرهم، فالتقيت بعشرات منهم، حتى اهتديت إلى هذا الشاب، وأمضيت معه نحو أربعة أشهر من التدريب المستمر، حتى تمكنت من تأسيسه للدخول إلى التصوير، وتطوير مفاتيح خاصة في تعاملي معه. وخلال التصوير كانت معضلة مرهقة وشاقة جداً، ولحسن الحظ أنه كان معي ممثلون متفهمون جداً، فالمشهد كان يعاد مئات المرات، واللقطة الواحدة عشرات المرات لكي نأخذ ما نريده، لأنه من المهم جداً أن نقدم الحالة كما هي لسببين، الأول الصدقية، والثاني لكي نثبت أن هؤلاء المرضى يستطيعون أن يقفوا أمام الكاميرا ويؤدوا أدواراً تمثيلية، وهو أمر معقد وصعب حتى على الإنسان السليم. وعن تعامله مع علاء خلال التصوير يقول حسين: لقد قمنا بتعديل الخط الدرامي له حسب الطريقة التي يفكر بها، واعتمدنا كثيراً على الارتجال في مشاهده، وهناك لقطات أخذت خلال البروفات، فليس هناك منغولي يشبه الآخر، فالمزاج والبيئة يلعبان دوراً كبيراً في تشكيل شخصيته. وقد اتصل بي أهله بعد التصوير وشكروني وقالوا إنه تغير وأصبح إنساناً آخر، فتوقف عن التأتأة وازدادت ثقته بنفسه، ولهذا مغزى مهم يمثل جوهر ما نريد إيصاله من خلال العمل. أصل الحكاية ضمن هذا النسيج الدرامي ما بين بدر وعلاء وأسرتيهما ومحيطهما الاجتماعي، يقدم مسلسل «وراء الشمس» حكاية أساسية مهمة، إذ سنشاهد «صبا مبارك» متزوجة حديثاً من مهندس شاب هو «باسل خياط»، ويتبين أن الزوجة حامل، لكن خلال الفحوص يكتشفان بأن الطفل مصاب بمتلازمة داون. ويطرح العمل سؤالاً أخلاقياً كبيراً ومهماً، فعندما يعرف الأب والأم أن ابنهما القادم على الطريق مصاب بمتلازمة داون، ماذا يفعلان، هل يتخلصان منه، أم يحافظان عليه؟. وما هي وجهة نظر المجتمع والدين؟. ويتابع حسين: إن الطب اليوم لا يستطيع أن يكتشف إن كان الطفل القادم مصاباً بمتلازمة داون، إلا في الأسبوع السادس عشر، وفي هذا التوقيت يكون هناك خطورة في الإجهاض على الأم الحامل، كما أن للدين والمجتمع وجهة نظر لا يمكن إغفالها. ومن هنا تأتي أهمية هذا المحور في العمل، حيث يدخل الزوجان في صراع، يصل إلى حد الطلاق، فالزوج يحاول إقناع زوجته بالتخلص من الطفل، بينما تصر الأخيرة على الاحتفاظ به، ولا سيما بعد أن تتعرف إلى الشاب علاء وأسرته، وتلمس الطيبة والطفولة في شخصيته، فتحبه، وتصر على إنجاب الطفل، باعتباره قدرها ونصيبها وإرادة الله. أمام الشمس ويشير المخرج إلى أن سبب إطلاق اسم «وراء الشمس» على المسلسل، يهدف إلى التأكيد على أن هؤلاء المرضى ما زالوا مغيبين ومهملين في مجتمعنا، ويجب أن نضعهم أمام الشمس، ويضيف أن عملنا مساهمة في تحقيق هذا الطموح. فهؤلاء الناس بشر مثلنا، ولا نريد أن نشفق عليهم، لأنهم ليسوا بحاجة إلى الشفقة وإنما إلى المساعدة، فقد آن الأوان لتتحرك المؤسسات الأهلية والحكومية وغيرها باتجاه تأسيس مراكز لهم. ويكشف حسين أن نص مسلسل وراء الشمس بقي لأكثر من سنة ونصف في طور الكتابة، وقد أعيدت صياغته سبع مرات وتم توثيقه طبياً واجتماعياً لكي يقدم صورة واقعية وصادقة، وقد لجأ الكاتب محمد العاص إلى عشرات المراجع الطبية، ويضيف: كان معنا ثلاثة أطباء اختصاصيين، منهم الدكتور طريف بكداش، لتوثيق الحالات بشكل علمي وطبي دقيق. يشارك في أداء الشخصيات الأساسية في العمل، بالإضافة إلى من تقدم ذكرهم: منى واصف، ثناء دبسي، نادين خوري، سليم صبري، ميسون أبو أسعد، ضحى الدبس، ورضوان عقيلي، وغيرهم، وسيعرض خلال رمضان المقبل على شاشات عدد من القنوات العربية، منها شاشات دبي وقطر وسوريا والمشرق والأردن وLBC.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©