الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رجيم الأقراص

رجيم الأقراص
13 مايو 2011 20:10
افتتان بعض الأطباء بالعقاقير يفوق الوصف، وقد يبلغ هذا الافتتان درجات غير مسبوقة، عرفت الأطباء الذين يملؤون وجه تذكرة العلاج وظهرها بالأدوية، ولعلك تجد بين الأدوية التي كتبوها ما يسبب الإسهال وما يسبب الإمساك، وما يزيد السعال وما يوقفه، الفكرة هنا أن المرض المسكين – أتكلم عن المرض لا المريض - يجد نفسه في ورطة، يفلت من هذا العلاج ليهوي فوقه هذا العلاج، لا توجد فرصة للفشل لأنك تصنع بفسيولوجيا المريض كل شيء ممكن.. لا بد أن يحدث شيء ما.. أما عن الأعراض الجانبية، فهي ملح الأرض ومذاق الحياة، يعرف الأطباء أن الدواء الذي ليست له أعراض جانبية هو دواء بلا تأثير أصلاً. وعدونا بمضاد الحساسية الذي لا يسبب خمولاً للمريض، لكن الأطباء جربوه وعرفوا أنه لا يسبب الخمول ولا يشفي الحساسية !.. وعدونا بمضاد الالتهاب الذي لا يتعب المعدة، لكن الأطباء تعلموا أنه لا يتعب المعدة ولا يعالج الالتهابات. هكذا يتعاطى المريض خمسين صنفًا من الدواء، وبالطبع يصير أقرب إلى جثة حية من فرط الأعراض الجانبية والإرهاق، ثم يتوقف هذا كله فيشعر بأنه في صحة رائعة وأنه بحال ممتازة ويطري براعة الطبيب! هذا عن الأدوية التي يكتبها الطبيب وسوف أفترض هنا أن الطبيب يعرف ما يفعله، لكن المشكلة الحقيقية تبدأ مع المرضى الذين يحبون الأدوية. إن للأدوية فتنة خاصة، والناس تعشقها، كم من مرة تشاجر هذا المريض أو ذاك مع الطبيب؛ لأنه يرغب في أن يكتب له المزيد من الفيتامين، برغم أن الفيتامين لا لزوم له إلا في حالات نادرة. وقد قال عالم أميركي إن أعلى تركيز للفيتامينات موجود في شبكة مجاري المدينة، لأن أجسامنا تتخلص منها غالبًا باعتبارها زائدة ! . كان هناك ولع جنوني لدى المرضى بالأسبيرين في وقت ما وقد قرأت مقالاً في مجلة أمريكية عنوانه (لا تكن جحشًا بسبب الأسبيرين !). والسبب هو أن الناس تنفق الملايين على مشتقات الأسبيرين بأسماء مختلفة. قلت هذا كله لإبراهيم صديقي، لكنه لم يصدق حرفًا كالعادة، إبراهيم يفترض دائمًا أنني أحمق أو مغرض ولهذا لا يصدق حرفًا من كلامي. كان إبراهيم من هواة الأدوية فعلاً.. وقد راقبته وهو يأخذ أدوية مضادة للتأكسد (لأن الأطباء يرون أنها مهمة) وأدوية تنشط الكبد (لأن هذا يؤثر في المزاج) وأسبيرين لسيولة الدم، ومشتقات عشب كذا الصيني لتحسين حالة الكبد، ومشتقات نبات كذا لتحسين حالة المخ، هو كذلك لا يترك الطب الطبيعي في حاله . لابد من كوب من منقوع الأعشاب وفصين من الثوم مع ملعقة عسل أبيض على الريق. لا بأس بكوب من اليوجورت (الزبادي) عليه ملعقة من (الردة). سألته في غيظ عن المرض الذي يعالجه بكل هذا، فقال بوضوح إنه يتعاطى هذا كله كي لا يصاب بالمرض الذي أسأل عنه، وهو بالتالي لا يعرفه! ذات مرة دعاني إلى الغداء، وقبل أن يضع لقمة في فمه ملأ قبضته بأنواع شتى من الأقراص من عدة علب ثم ابتلعها مرة واحدة، قلت له في حيرة: ـ «لا أعرف ما تعتقده لكني أشك في أن يكون هذا المشهد فسيولوجيًا، ولا يوجد جسد بشري يتحمل كل هذا الذي حشرته فيه في لحظة !» على أنني أعتقد أن الأمر ليس مجرد انبهار بالأدوية فقط، بل هو كذلك لا يخلو من حب المرض الذي تكلمت عنه من قبل. كثير من الناس يحبون الشعور بالمرض والرثاء للنفس، ابتلاع كل هذه الأدوية يعطيه لذة لا شك فيها، ويشعره بأنه شهيد، على أن إبراهيم شفي من هذه العادة لسبب بسيط: كان يزداد وزنًا بلا توقف وفشلت كل محاولاته لإنقاص الوزن. هنا اقترحت أن يكون سبب سمنته هو (وجبة الأقراص) هذه التي يتناولها مع كل وجبة !.. اقترحت عليه أن يقلل عدد الأدوية التي يبتلعها على سبيل الرجيم، جرب طريقتي فكانت النتيجة مبهرة، صار يبتلع 20 قرصًا في اليوم بدلاً من الـ 76 قرصًا التي كان يبتلعها. وانخفض وزنه خمسة كيلوجرامات كاملة. شكرني كثيرًا على هذه النصيحة الثمينة، فقلت له أن يشكر شركات الأدوية التي تنتج عقارات لا قيمة لها يمكن الاستغناء عنها دومًا. هكذا يوجد علاج جديد شديد الفعالية اسمه الاستغناء عن العلاج ! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©