الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آخر مترجمي رباعيات الخيام اختار منها الحكمة والعبرة والطرفة

آخر مترجمي رباعيات الخيام اختار منها الحكمة والعبرة والطرفة
6 نوفمبر 2008 01:36
كان والده خطاطا معروفا في برّ دبي، ورث عنه حب القراءة وامتلاك الكتب، نشأ في بيت مملوء بالحبر والورق والكتب المجلدة· ويعيش حاليا في بيت يكاد الكتاب يكون فيه هو المشهد الأوضح والأبرز· ميال إلى الصمت والتأمل، يحفظ عيون الشعر العربي القديم، وذاكرته مخزن ثري ونادر للأحداث الثقافية والشخصيات المؤثرة، أمتع حديث لديه أن يكون محوره الكتاب والمثقف والمجلة والشعر· ويعتبر محمد صالح القرق من أعيان الثقافة في دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، أما ترجمته لمائتي رباعية من شعر عمر الخيام فهي أبرز إنتاجه الثقافي، وهي بحق حدث ثقافي إماراتي وعربي· من المنتظر أن توزع الترجمة في طبعة أنيقة ومجلدة في جناح ''دار المناهل'' اللبنانية في معرض الشارقة الدولي للكتاب· هنا حوار مع القرق في بيته ببر دبي حول الترجمة والرباعيات وتفاصيل أخرى· ؟ هل فعلا أنت آخر من ترجم رباعيات الخيام في القرن العشرين؟ ؟؟ فعلا أنا آخرهم، وأعتقد أن الأديب البحريني الكبير ابراهيم العريض هو آخر من سبقني في ترجمة الرباعيات، التي نالت اهتماما ثقافيا عالميا، بحيث تجاوز من ترجموها إلى لغات العالم الأربعين، وبلغ من ترجموها إلى اللغة العربية عن النص الفارسي الأصلي ثلاثة وعشرون مترجما· ويمكن القول بأني ثاني من نشر مقارنات في الوطن العربي بين الرباعيات المترجمة بعد أديب سوري وتلاني في ذلك إبراهيم العريض· مع الإشارة أن مقارناتي نشرت في حوالي خمسين حلقة في الصحافة الثقافية المحلية· ؟ ماذا تقصد بالمقارنات؟ ؟؟ المقارنات لا يقوم بها إلا ضليع في معاني رباعيات الخيام، ومطلع على أغلب الترجمات· وتقوم على أساس جمع الرباعيات المترجمة المتقاربة في معانيها مع النص الأصلي· ومن وظائفها إثراء معلومات القارئ وتعريفه بطرق وأساليب الترجمة الشعرية، وفسح المجال أمامه للمقارنة بين الترجمات المختلفة· ؟ لماذا تأخرت في طباعة ترجمتك للرباعيات؟ ؟؟ كان من الممكن أن لا تصدر الترجمة الآن لولا تشجيع الأصدقاء ممن أثق في قدراتهم الثقافية وتقديرهم للجهد المتواضع الذي قمت به· أتذكر أن الدكتور يوسف بكار المتخصص الأول في رباعيات الخيام وترجماتها حين اطلع على نماذج من ترجمتي صار يدفعني دفعا إلى مواصلة الترجمة لطباعتها في أقرب فرصة ممكنة، بل إنه تجشم عناء السفر وزارني في دبي من أجل حثي على عدم التقاعس، وكان بصحبته صاحب ''دار المناهل'' أحمد عاصي· ومن فرط اهتمامه وإعجابه شرفني بكتابة مقدمة الترجمة وأثنى عليها بعدما قام بمقارنة جانب من الرباعيات بمثيله في ترجمات أخرى· اختيار الرباعيات ؟ ما هي الأسس التي اعتمدتها في اختيار الرباعيات المترجمة؟ ؟؟ قبل هذا، أشير إلى أن رباعيات الخيام تقارب 600 رباعية، وقد قمت باختيار مائتي رباعية منها فقط· لأن جهد الترجمة متعب جدا، يأخذ وقتا طويلا، وتركيزا ذهنيا شديدا· وقد ترجمت ما يمت بصلة إلى الحكمة والعبرة والطرفة والتساؤلات الإنسانية الكبرى في الحياة والموت والخير والشر· ؟ سبقك 22 مترجما عربيا نقلوا بعض الرباعيات من النص الأصلي إلى اللغة العربية، ولأنك مطلع على كل الترجمات هل ترى أنك قدمت ما يميز ترجمتك عن ترجمات غيرك؟ ؟؟ مستوى اللغة والترجمة أترك الحكم فيه إلى النقاد ومتذوقي الأدب عامة ورباعيات الخيام على وجه الخصوص· لكني أعتقد أني من أكثر المترجمين دقة في ترجمة النص الأصلي· لأن بعض المترجمين يأخذون المعنى العام وينسجون حوله من أخيلتهم ومخزوناتهم وتجاربهم· أما أنا فكنت شديد الوفاء لمعاني الخيام، وقد جاهدت في سبيل ذلك الليالي الطوال، لكنه جهاد الروح في حب شعر الخيام الذي أحببته وترنمت به طفلا· أذكر أن عالما جليلا هو الشيح أحمد بن محمد القمبري كان يأتي من الأطراف العربية في بلاد فارس إلى والدي ويقيم لديه أياما في نهاية الأربعينيات، وأذكر أنه حين يأتي يكون مصحوبا بصندوقين، صندوق الملابس وصندوق الكتب· وأذكر أنه يترنم بشعر الخيام بصوت عذب جميل، فسجلت ذاكرتي الشعر والترنم، وبعد سنوات صرت أحفظ مخزونا كبيرا من الرباعيات المرتجمة إلى العربية· أحسن الترجمات ؟ ما هي أحسن ترجمات الرباعيات من وجهة نظرك؟ ؟؟ أحسنها ترجمة عبد الحق فاضل سفير العراق في موسكو أيام عبد الكريم قاسم، وتليها ترجمة أحمد الصافي النجفي، وتليها ترجمة محمد الهاشمي، وثم الدكتور مصطفى جواد، ثم أحمد حامد الصراف· ؟ كل هؤلاء المترجمين عراقيون، ما سر ذلك؟ ؟؟ سألتني عن أحسن من ترجموا الرباعيات، وهؤلاء في المقدمة من وجهة نظري المتخصصة· لكني لن أنسى أبدا ترجمة توفيق مفرج اللبناني الذي عاش في مصر أيام سعد زغلول وترجمة الرباعيات إلى اللهجة المصرية· أما ترجمة أحمد صدقي الزهاوي من العراق فكانت مميزة لأنها مترجمة نثرا ونظما· وكل هذه الترجمات موجودة عندي هنا في المكتبة العامرة بأكثر من 6000 كتاب في شتى فنون الفكر والأدب· ؟ اخترت جميع حروف الهجاء رويا للرباعيات لماذا؟ ؟؟ لم أفعل ذلك عن قصد في الغالب، وإذا قصدت ذلك فإن هدفي هو التنويع في القافية وفي الوزن أيضا· مع الإشارة إلى أني لا أختار الوزن بل ألجأ إلى الترنم بمعاني الرباعية يوما أو أقل أو أكثر، وحين تنضج معانيها لدي باللغة العربية أشرع في نظمها تلقائيا فيكون الوزن بشكل عفوي· لكني بعدما أنهي ترجمة الرباعية لا يخلو الأمر من إعادة النظر في هذه الكلمة أو تلك الصياغة بهدف الدقة والتجويد والسلاسة· ؟ ما الذي تنتظره من الساحة الثقافية المحلية والعربية بعد صدور ترجمتك هذه؟ ؟؟ أنتظر أن يجدوا في ترجمتي ما يمتعهم، وأن لا تكون ثقيلة عليهم· وأرجو أن تحتل موقعا جميلا في نفوسهم· وأتمنى أن يهتم بها النقاد· وأصدقك القول إني شديد الإحراج في التحدث عن منجزي هذا، بخاصة للإعلاميين والمثقفين، أنا قدمت عملا وليس لي ما أقوله عنه، المتلقون هم الذين من واجبهم أن يكتبوا ويتكلموا وليس أنا· ؟ هل هذا الإصدار يعتبر إسدالا لستار ترجمتك لشعر الخيام؟ ؟؟ أعتقد ذلك، لأني لا أظن أني سأعود إلى ترجمة رباعيات أخرى، فقد خضت التجربة بحب بعد تهيب وتردد· لكني سأتأهب لتوسيع مساحة المقارنات بين الترجمات المختلفة للرباعيات وأنشر كل ذلك في كتاب مستقبلا· ؟ وأنت الخبير في معاني الرباعيات هذه، ما الذي في نظرك يجعل الخيام وشعره محل انشغال أجيال من المثقفين والمترجمين والقراء تنتمي إلى أزمنة ولغات وحضارات متباينة؟ ؟؟ أنا نفسي محتار في هذا، وأشير إلى أن الغربيين أول من اهتموا بالخيام وأكثرهم تعمقا في شعره وحياته وفكره· إنه يقدم الخلاصات الكبرى لأسئلة الإنسان وتمزقاته وأحلامه، شأنه في ذلك شأن كبار الشعراء والفلاسفة في العالم· ؟ هل يوجد حاليا على المستوى العربي من هو بصدد ترجمة جانب من رباعيات الخيام؟ ؟؟ لا أعتقد ذلك، وقد ذكر الدكتور يوسف بكار في مقدمة الإصدار، أن الترجمة القادمة عربيا ربما ستكون بعد مائة عام· يقصد الترجمة الراقية والمميزة والأمينة والخبير صاحبها باللغتين الفارسية والعربية· وأتمنى أن يأتي من هم أحسن مني حتى يحدث تراكم جمالي وشعري أعمق ومتنوع· ؟ ما تزال الترجمة عربيا ضعيفة جدا، وفي الإمارات يوجد عدد قليل من المترجمين في حقل الثقافة، بما تبرر ذلك؟ ؟؟ للأسف الشديد أن يكون الحال على هذا الوصف، إنه انحطاط وتقوقع على الذات غير مفهوم في زمن التواصل· لقد شاعت الترجمة الثقافية في بدايات القرن الماضي عربيا ثم تراجعت إلى أن أصبح المراقب يحدث نفسه هل عرب هذه الأيام يرفضون التعرف على الآخر من خلال الكتاب؟ ربما تكون وسائل الإعلام الرقمية عوضت حضور الكتاب المترجم، وهو تعويض فقير ولا يؤدي إلى نتائج ثقافية وحضارية عميقة· ؟ أعتقد أني من أكثر المترجمين دقة في ترجمة النص الأصلي لأن بعض المترجمين يأخذون المعنى العام وينسجون حوله من أخيلتهم ؟ شاعت الترجمة ثم تراجعت ما يجعلنا نتساءل: هل عرب هذه الأيام يرفضون التعرف على الآخر من خلال الكتاب؟ ميزة الترجمة الإماراتية بين ترجمات عربية وخليجية أبرز ما يميز ترجمة الشاعر والأديب الإماراتي محمد صالح القرق لرباعيات الخيام التي عكف عليها عشرة سنوات، أنه قدم 200 رباعية (800 بيت) بلغة صافية قريبة التناول، لا شطط في معانيها عن مضمون المتن الأصلي للخيام، بحيث لا يجد القارئ كلمة في الرباعية غير واردة في النص العربي، ومما رفع من مقام الرباعيات تميز محمد صالح القرق بذاكرة شعرية عربية واسعة وبموهبة خبيرة في السبك والصياغة واختيار الأوزان المناسبة والرقي بالمعاني· يضاف إلى ذلك أن القرق عمد بعد ترجمة كل رباعية إلى البحث عن أقرب ترجمتين بالإنجليزية والفرنسية إلى روحها ومبناها، وجمع الترجمات الثلاث في صفحة وإلى جانبها النص الأصلي، ما يسمح للقارئ المتخصص بالمقارنة بين أربعة أساليب في الإبداع الشعري بأربع لغات لفضاء جمالي وفكري واحد· وتصدرت هذه الترجمة التي تعد آخر ترجمة في القرن العشرين وأول إصدار للرباعيات في القرن الواحد والعشرين كلمة لسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية تثمن ''الجهد الكبير الذي هو نتاج عمل دؤوب قام به شاعرنا الأستاذ محمد صالح القرق، على مدى سنوات عديدة، فشيد بذلك صرحا شامخا في سماء الثقافة والأدب بدولة الإمارات العربية المتحدة''· إضافة إلى مقدمة اضافية للأديب الخبير والمتخصص في رباعيات عمر الخيام وترجماتها الدكتور يوسف بكار، ومما جاء في المقدمة: ''إنها ثالث أطول ترجمة عربية لمختارات من الرباعيات الكثيرة العدد، بعد ترجمة عبدالحق فاضل (381 رباعية)، وترجمة أحمد الصافي النجفي (351 رباعية)، وتساويها عددا ترجمة أحمد حامد الصراف النثرية في طبعتها الثانية· كما أنها الترجمة الخليجية الثالثة بعد ترجمة إبراهيم العريض البحريني (152 رباعية) في آخر طبعاتها، وترجمة الشاعر السعودي محمد حسن عواد (6 رباعيات في ديوان: نحن كيان جديد 1955)· وقدم بكار مقارنات بين ترجمات القرق وترجمات غيره، وانتصر للقرق لما تتميز به ترجمته من دقة وشفافية في إدارك المعاني واللطائف الشعرية باللغة الفارسية، والقدرة على صياغتها بلغة شعرية عربية راقية· ومن الرباعيات التي اختارها القرق هذه الرباعية: لعفوك رب رفعت اليدين فأنت المغيث وأنت المعين لئن طوحت بي ذنوبي الجسام ومر الزمان وجف المعين وأججت النار في مهجتي على ما جنيت طوال السنين فلست قنوطا وكلي رجا إذا جئت في الحشر صفر اليدين والملاحظ أن القرق اختار قوافي الرباعيات من الحروف الهجائية جميعها، كما نوع في الإيقاع الموسيقي الخارجي فمن الخفيف إلى المتقارب إلى الوافر والبسيط والسريع وغيرها من الأوزان، ما يجعله غير أسير لبحر واحد يفرض عليه إيقاعا وقاموسا لغويا ثابتين، وما يجعل القارئ ينتقل من إيقاع إلى إيقاع ومن فضاء لغوي وجمالي وفكري إلى غيره
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©