الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جون فوراف شاب تطبع بشخصية المرشح الديمقراطي وبنبرات صوته

جون فوراف شاب تطبع بشخصية المرشح الديمقراطي وبنبرات صوته
6 نوفمبر 2008 01:37
مثلما كان الأمر عند الأمراء والملوك العرب في العصور الخوالي، فانّ الزعماء السياسيين الكبار في العالم الغربي اليوم يختارون أمهر الكتبة لإعداد خطبهم وتحرير مذكراتهم، وهم ينتقون كبار المفكرين لتعيينهم مستشارين ينتفعون بآرائهم، ويستثمرون ذكاءهم· ووراء نجاح الحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي باراك أوباما يقف شاب لا يزيد عمره عن 26 عاماً: هو جون فوراف، وهو الذي يرأس فريقاً كاملاً لإعداد خطب اوباما، ومهمته تتمثل في أن يفكر ويحرّر ويقترح· رغم صغر سنه فان جون شاب موهوب، وذكي وكاتب جيد، وكانت لخطب أوباما البليغة المؤثرة دورها في كسب الانتخابات التمهيدية أمام هيلاري كلنتن التي ضايقها الأمر فعلقت متهكمة: ''من السهل ان نقود الحملة الانتخابية شعراً·· ولكن عندما تدق ساعة الحكم فان الأمر سيكون نثراً''· نصوص بليغة ومطرّزة لقد تمكن الكاتب الشاب من مجالسة أوباما مطولاً، وتشبع بشخصيته وحتى بنبرات صوته لتكون نصوص الخطب متماشية مع الشخصية وملتصقة بها، كما تمعن المحرر في طريقة أوباما في الحديث والنطق والكلام لتكون المفردات والجمل متماشية مع أسلوب وميزات وخصوصيات شخصية المرشح الديمقراطي، وعندما يجلس جون فوراف ليكتب الخطب التي يلقيها أوباما، فانه يتمثل شخصيته ليعد له خطاباً على مقاسه تماماً، وهو ككاتب موهوب يجيد تطريز النصوص التي يحررها بكلمات وجمل وصور بليغة تشد المستمعين وتنفذ الى عقولهم ووجدانهم، والمهم إنها تؤثر فيهم، فذلك هو اختصاصه، وهو اختصاص ليس يسيراً، بل يتطلب موهبة وقدرة على انتقاء الكلمة المؤثرة البليغة التي تنساب الى المستمعين انسياباً· واذا حقق أوباما شعبية كبيرة فان لجون فوراف دوراً في ذلك· ومن البيان لسحر وقد اكتسب الكاتب الشاب شهرة منحته مكانة لدى النساء اللاتي لا يترددن في التودد اليه لعلمهن بأنه غير مرتبط، فالكلمة الجميلة البليغة لها وقع السحر، ولكن جون لا وقت لديه هذه الايام للنساء المعجبات بفصاحته وبلاغته، فهو منشغل انشغالاً تاماً بالحملة الانتخابية لان همه الاول هو نجاح أوباما· والحقيقة ان البلاغة لعبت دائماً دوراً في نجاح السياسيين، والفصاحة والخطب المؤثرة كانت دائما سلاحاً لدى رجال السياسة، فالكلمة في عالم السياسة لها مفعولها ولذلك فان رجال السياسة الأذكياء ينتقون دائما خيرة الكتاب ممن لهم القدرة على صياغة الخطب لتشغيلهم معهم· بين بورقيبة والشاذلي ويروى عن شهود عيان أنّ الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة تذكّر ـ بعد أن قبل استضافة تونس للأمانة العامة لجامعة الدول العربية إثر زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس ـ أن الشاذلي القليبي يجيد التحرير باللغة العربية، وهو الذي اختص في كتابة الخطب الرسمية له فرشحه لمنصب الأمين العام للجامعة، وهو المنصب الذي كان الكثير من وزراء بورقيبة المسيسين أكثر من القليبي يودون لو كان من نصيبهم· وفعلاً فاز الشاذلي القليبي بمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية لمدة ناهزت العشرة أعوام لأن بورقيبة رأى انه أحسن من كان يحرر له الخطب باللغة العربية الفصحى· لغة السياسيين إن السياسيين الكبار في الغرب يختارون لصياغة شعاراتهم الانتخابية كبار المختصين في صياغة الأفكار بلغة مختصرة وبليغة، ولما أراد فاليري جيسكار ديستان تجديد انتخابه لولاية ثانية لرئاسة فرنسا اختاروا له، شعار: ''التغيير في الاستمرارية'' وميتران اختار في حملته الانتخابية صورة جميلة وجملة بليغة متماشية معها هي: ''القوة الهادئة''· ومعروف عن الفرنسيين ولعهم بالثقافة والأدب وكل الساسة الفرنسيين يجيدون الحديث بلغة أنيقة وسليمة ويحذقون عند اللزوم استعمالها للتهكم من خصومهم السياسيين وإبراز عيوبهم· وقد سئل فرانسوا ميتران مرة عن رأيه في جاك شيراك المعروف بطموحه الجارف فقال عنه: ''إنه يجري··· يجري··· كالعداء وحتى عندما يصل الى خط النهاية فانه لا يتفطن الى ذلك ويواصل الجري''· إن وراء كل سياسي ناجح كاتبا يعد له خطبه ويحرر له نصوصه، والسياسيون الكبار، حتى وان كانوا يجيدون الكتابة والخطابة، فانهم يستنجدون دائما بمن يحسن التحرير لأن لا وقت لهم للتفرغ الطويل للكتابة، ففي فرنسا مثلا فان ديغول، ورغم أنه رجل فكر وصاحب قلم بارع، فإنه كان محاطا بوزير ثقافته الكاتب الشهير أندريه مالرو، واختار فرنسوا ميتران عندما تولى السلطة عام 1981 جاك أتالي ليكون أحد أقرب المستشارين اليه، وهذا الاخير هو يهودي فرنسي يتمتع بذكاء وقاد حتى ان ميتران قال عنه مرة: ''إنه يقدم لي في اليوم مائة فكرة ويكفي أن التقط واحدة منها وأتبناها''· ؟ هيلاري كلنتن: من السهل أن نقود الحملة الانتخابية شعراً·· ولكن عندما تدق ساعة الحكم فإن الأمر سيكون نثرا ؟ البلاغـة لعبـت دائماً دوراً في نجاح السياسيين ولذلك فانهم ينتقون خيرة الكتاب لاستثمار مواهبهم مناظرات الفرنسيين: لعب بالكلمات تابع العالم بأسره المناظرات التلفزيونية بين المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية باراك اوباما وجون ماكين، وتم تحليل كل تفاصيلها وهناك من ذهب الى القول بأنها كانت مناظرات أفكار في حين رأى البعض أنها كانت مناظرات أشخاص· ولاحظ الجميع الاسلوب المتبع في تلك المناظارت والذي خضع فيه المتنافسان الى قواعد محددة مسبقاً· من ذلك ان لا أحد منهما له الحق في الاتجاه بسؤال الى منافسه مما افقد الحوار الحماس والحيوية· وخلافا لهذا الاسلوب فان المناظرات التلفزيونية في فرنسا لها نكهة اخرى· فلكل منافس الحرية في القاء ما يريد من اسئلة واحراج منافسه سعياً لتسجيل هدف له في مرماه او الانتصار عليه بالنقاط او بالضربة القاضية· ففي مناظرة شهيرة بين جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران اشتد الحماس بين الرجلين، ولان الجميع كان يعلم ان ميتران هو رجل سياسة وفكر، وانه يتقن الحديث بلغة بليغة وبأسلوب شيق، وان موطن ضعفه هو الاقتصاد فقد حاول جيسكار ـ وهو المتضلع في شؤون الاقتصاد ـ جره الى هذا الملف وسعى ميتران خلال المناظرة الى فسخ هذا الانطباع لدى الناخب الفرنسي فتطرق الى الكثير من الملفات الاقتصادية وقد درسها جيداً وأحسن استعراضها بعد ان استوعب ما اعده له مستشاروه من معطيات وأفكار وأرقام· فجأة اتجه جيسكار ديستان الى فرانسوا ميتران أمام ملايين المشاهدين قائلا له: أنت تريد أن تصبح رئيسا لفرنسا، لكن هل يمكن ان تقول لي كم يساوي الفرنك الفرنسي اليوم امام الدوتش مارك· هنا ارتبك ميتران، ولأن المعلومة لم تكن لديه فقد انفجر في وجه منافسه غضبا قائلا له: انت هنا لست أستاذاً تسأل ولست هنا تلميذك لاجيبك·· وفي مناظرة اخرى بين الرجلين أخذ ميتران يثير بأسلوب بليغ عواطف الناخبين مظهراً نفسه في مظهر المدافع الوحيد عن الفقراء والمحرومين والضعفاء أمام اليمين الذي يمثله ديستان، وسعى ميتران الى إبراز الجانب الانساني في تفكيره السياسي، مطرزاً حديثه بأسلوب أدبي ممتع· فجأة انتفض ديستان لما أحس ان بلاغة ميتران قد يكون لها تأثير على الناخبين المترددين فاتجه الى منافسه قائلا: لست وحدك لك قلب يخفق بالمشاعر والعاطفة الانسانية، ولا تملك وحدك قلباً رحيماً فانا ايضا لي مشاعر تفيض انسانية لكل الفرنسيين· ومن بين المناظرات التي اشتد فيها الحماس تلك التي تقابل فيها جاك شيراك وفرنسوا ميتران· فقد اتهم فيها شيراك منافسه بالكذب بشأن ملف المواطن اللبناني النقاش الذي اطلقت السلطات الفرنسية وقتها سراحه بعد ان تم الحكم عليه في قضية ضمن ملف سياسي معقد· وتبادل المتنافسان التهم بحدة بخصوص هذا الملف الشائك· فصاح شيراك في وجه ميتران: إذا كنت صادقا أنظر لي في عينيّ ونحن أمام ملايين الفرنسيين، وكرر ذلك مرات متتالية ليظهر منافسه أمام الناخبين في مظهر الكاذب· وفي موضع آخر من المناظرة قال شيراك لميتران ملمحاً الى سنه المتقدم: ''إنك تمثل الماضي''، فكان رد ميتران حاسماً: ''إن التجربة تعلم الحكمة أما أنت فرجل متسرع يدفع بك الطموح السياسي الى الركض الى درجة انك ربما لا ترى اين تضع قدميك''· وفي آخر مناظرة تلفزيونية العام الماضي بين سيغولين روايال وساركوزي اشتد النقاش والحماس، وكانت مناظرة فكرية وسياسية في الآن نفسه، فساركوزي ومهنته في الاصل محاميا كان بليغا ومقنعا وروايال انفعلت قليلا ولكنها كانت ايضا متمكنة من ملفاتها واستطاعت بلغة سهلة ممتنعة ان تقنع بأنها قادرة أن تكون أول امرأة تتولى رئاسة الجمهورية الفرنسية· ومن أشهر ''النجوم'' الذين تخصصوا في المناظرات التلفزيونية الراحل جورج مارشيه الامين العام للحزب الشيوعي الفرنسي سابقا، وقد اشتهر بقولته للصحفي اليميني ''ألكباش'' في لقاء تلفزيوني: ''اخرس''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©