الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متون

متون
6 نوفمبر 2008 01:37
قيادة اجتمعت لها المعادلات الصعبة أصول الريادة يرى المؤلف أن أصول الريادة الحضارية عند الشيخ زايد تشكل منظومة متسقة الأصول ومتناغمة العناصر بحيث يستحيل الفصل بينها، فكلها أسباب ونتائج في حلقات من التسلسل المنطقي والرؤية الثاقبة والخيال الخصب الذي يخوض بالعقل الإنساني في مجالات لم يصل إليها من قبل ثم العودة بأفكار ومفاهيم لم تطرأ على بال ذوي العقول التقليدية· ولذلك فان مراحل التحول الحاسمة في تاريخ الحضارة البشرية، مثل تلك التي تمر بها الإمارات تحت قيادة الشيخ زايد، تعتمد أساسا على القادة والمفكرين الذين يضعون الأفكار التقليدية جانبا حتى يتيحوا الفرصة لإعمال خيالهم في استشراف الآفاق الجديدة التي قد لا ترضي البعض نظرا لجدتها التي لم يألفوها لكنهم مع إدراكهم التدريجي لإيجابياتها فانهم يتمسكون بها ثم يصبحون في النهاية من اشد المتحمسين لها· كتاب ''أصول الريادة الحضارية ـ دراسة في فكر الشيخ زايد'' للدكتور نبيل راغب رئيس قسم النقد الفني بأكاديمية الفنون بالقاهرة، كتاب مختلف بكل المقاييس، ليس لان موضوعه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''طيب الله ثراه''، مؤسس الإمارات وباني مسيرة الاتحاد بل لأنه يتناول مسيرة فن القيادة بمستواها الإنساني والتركيز على الوعي الوحدوي، ولأن الشيخ زايد كان طوال أكثر من 40 عاما من الحكم، رجل الهدوء في الطيف السياسي في العالم، وقدم تجربة وحدوية ناضجة على جانب كبير من الأهمية بالقياس الى التجارب العربية· يقول المؤلف تحت عنوان الوعي الوحدوي: ''يعد الوعي الوحدوي من ابرز أصول الريادة الحضارية عند الشيخ زايد، وهو وعي ينهض على منهج عملي، علمي، واقعي بعيدا عن الاثارات العاطفية الهوجاء والشعارات الطنانة المؤقتة، من هنا كان إصراره على بناء الإنسان العربي المتميز بفكره العقلاني ورؤيته الحضارية ونظرته العلمية الموضوعية، فالقومية العربية شأنها شأن أية قومية أخرى تلعب فيها إرادة الإنسان دورا أساسيا ورياديا''· وتتجلى الزعامة التاريخية للشيخ زايد في التجربة الوحدوية لدولة الإمارات، فهي تجربة لا تكتسب عظمتها من قدرتها المتجددة على الاستمرار والنمو فحسب، بل من شموخ الانجازات الحضارية ورسوخ المكاسب التي حققتها على ارض الواقع، والتي أكدت أن الاتحاد هو طريق التقدم والخير والقوة والانطلاق الحضاري لكل أبناء الإمارات· فكر متفاعل وجاء الكتاب بمجمله وعبر فصوله العشرة، عملا يخرج عما قرأناه من كتب تناولت السير الذاتية للقادة والزعماء· فيشير المؤلف إلى ريادة الفكر الاستراتيجي عند الشيخ زايد، معتبرا أن هذا الفكر ليس قوة آنية مؤقتة، بل متفاعلة باستمرار مع آفاق المستقبل وقواعد الانطلاق إليه كما تتجلى في فصول الكتاب التي تدور حول الزعامة التاريخية والنظرة الاستراتيجية للقضايا المعاصرة والعمق الروحي والتجربة الديموقراطية والقيمة الإنسانية والوعي الوحدوي والتوجهات الاقتصادية والتنمية الزراعية والأمن القومي واخيرا نجاح السياسة الخارجية من اجل وطن عزيز كبير قادر على ان يكون في مصاف الدول الكبيرة على خريطة الأحداث· نبيل راغب صاحب موسوعة الفكر القومي العربي التي صدرت بين أعوام 1982 و1989م، صاحب قلم بارع في رصد أدق التفاصيل في الحدث والشخصية، وقد أفاد من مادة وأسلوب ومنهج موسوعته في رصد وتتبع إنجازات القائد الراحل وخلال ثلاثة أعوام متواصلة من الكتابة ومراجعة التفاصيل، استطاع ان يقف على منابع الفكر الحضاري عنده في محاولة منه لكي يضع يد القارئ عليها ليدرك بنفسه الأسباب التاريخية والموضوعية التي أدت إلى الانطلاقة الحضارية والإنسانية التي تتمتع بها دولة الإمارات في عهده الميمون· ثوابت استراتيجية ومن خلال الثوابت التي وضعها الشيخ زايد في الحكم واتخاذ القرارات الصائبة، يرى المؤلف انه استطاع بذلك ان يحل المعادلة الصعبة التي تحتم الجمع ما بين الأصالة والمعاصرة من خلال الرؤية الثاقبة والخيال الخصب الذي منحه القدرة على تحليل كل مكونات الواقع الراهن وحقائقه ومن ثم الانطلاق إلى آفاق المستقبل الذي ليس سوى المحصلة النهائية للحاضر، وفي هذا السياق يقول المؤلف: ''لعل من أهم مقومات المنهج الفكري للشيخ زايد هو وعيه بتاريخ وطنه بصفة خاصة وبتاريخ العالم بصفة عامة، وهو يعلم تماما ان التاريخ هو أقوى ذاكرة عرفتها البشرية، ومن هنا كانت الشعبية الجارفة التي يتمتع بها سواء في بلده أو في الخليج العربي أو في الوطن العربي قاطبة، شعبية حقيقية، لانه اعتبر النموذج الحقيقي للزعيم القومي الذي لا يهاب التحديات المصيرية ولا يخشاها بل يجد فيها الفرصة المواتية لكي يثبت إرادة شعبه من خلال قيادته الواعية له''· ويؤكد المؤلف أن الحضارية الفكرية والثقافية عند الشيخ زايد تهدف إلى المحافظة على الملامح المميزة والمقومات الرئيسية للشخصية القومية، وفي ذات الوقت تتخذ من هذه الشخصية المتميزة قاعدة صلبة لينطلق منها إلى تحقيق الأهداف الكبرى والتعامل مع دول العالم في كل المجالات من خلال انفتاح نوعي محسوب، من منطلق ان الأمة التي تفقد شخصيتها تفقد بالتالي احترام العالم لها، وقدرتها على توجيه دفة الأحداث لصالحها· في إطار دراسته للريادة الحضارية عند الشيخ زايد يعرج المؤلف على بعض الأساليب الاستراتيجية التي اتبعها في تحقيق إنجازاته القومية مثل إقامة (اتحاد الامارات العربية) وكذلك بعض القرارات المصيرية التي اتخذها مثل قطع البترول كلية عن الدول التي ساندت إسرائيل في حرب أكتوبر 1973م، وان أي باحث اليوم يتصدى لدراسة معنى القرارات التي اتخذها سوف يجد ان المنطلق الوحيد الذي يربط بينها جميعا هو (تحرير الإرادة الوطنية) ووضع مصير الوطن في أيدي أبنائه، والحرص على مقومات الشخصية القومية من خلال تجربة حضارية لم تقصر في الاستفادة من شتى التجارب والخبرات التي تصلح لتقدم الوطن وأيضا الرفض المطلق لتجميد هذه التجربة الحية في أية قوالب صماء· أكدت الدراسة ان الزعيم التاريخي والقومي الحق، هو من يضع في اعتباره دائما حكم الأجيال التالية عليه، فهو حكم التاريخ، من هنا فان أصول الريادة الحضارية عند الشيخ زايد مثل شجرة مثمرة وارفة، تمد جذورها في أعماق تربة الوطن لتستمد منها عصارة الحياة التي تسري في فروعها واغصانها الشامخة التي تعلو فوق هامات السحاب تحتضن ضياء الشمس وتتطلع إلى السماء وهي تحمد الله الذي منحها كل هذه القدرة على النماء والشموخ والعطاء المتدفق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©