الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نوح الحمام

نوح الحمام
6 نوفمبر 2008 01:45
ميزة هذه الأبيات الشعرية المتناثرة في كتب المختارات لمئات من الشعراء أننا يمكن أن نستخلص منها رؤية العالم من منظور جماعي، دون أن يكون قاصرًا على شاعر كبير· صحيح أن درجة ذيوع النصوص بين القراء وتداولها عبر الأجيال المختلفة قد أصبح مؤشرًا على تبني الجماعة لهذا المنظور المتفرد كما حدث مثلاً مع أشعار المتنبي، لكن تظل العوامل الخاصة بالشاعر هي السياق الأنسب لتفسير آرائه· أما النصوص المتناثرة لشعراء كُثر فهي عندما تلح على رؤية بذاتها تصبح مباشرة تعبيرًا عن الضمير العام الذي يتواتر عليه جلّ الأفراد· من هنا فإن مواجد الشعراء المحبين في نفثاتهم وعذاباتهم وتوتر عواطفهم الشخصية تقع في إطار هذه الرؤية، من ذلك قول أبي السمط مروان: ولو لم يُهجني الظاعنون أهاجني حمائم ورق في الديار وقوعُ تباكين فاستبكين من كان ذا هوى نوائح لم تقطر لهن دموع وإني لأخفي حب سمراء جاهدًا ويعلم قلبي أنه سيشيعُ أظل كأني واحد بمصيبة ألَمذَت·· وأهلي سالمون جميعُ وقصة الحمائم في إثارة شجون المحبين شهيرة جدًا في الأدب العربي، ذهبت بعض الأبيات السائرة بقصب السبق فيها، مثل قول أبي فراس الحمداني الذي كان معاصرًا للسريّ الرفاء: أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتا لو تعلمين بحالي أيا جارتا ما أنصف الدهرُ بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي لكن الشاعر الأول يجيد تمثيل هياج الأشواق في لحظات الرحيل وتباكى الحمائم دون دموع، فينتقل من ذلك إلى ما يعانيه في الحب من تكتم يعلم أنه لن يجديه شيئًا· أما الحب فهو العبء الذي يتعين على الفرد أن يتحمله منفردا خارج صف الجماعة وقد سبق للشاعر العالم ابن دريد أن جسد خطاب الحمائم النائحة بقوله: أقول لورقاوين في فراغ أيكة وقد طفّل الإمساء أو جنح العصرُ وقد بسطت هذي لتلك جناحها ومال على هاتيك من هذه النحرُ ليهنكما أن لم تراعا بفرقة ولم يسع في تشتيت شملكما الدهرُ فلم أر مثلي قطّع الشوق قلبه على أنه يحكب قساوته الصخرُ ولعل هذه الأبيات أن تكون أصل سلالة العصماء التي جاءت على وزنها ورويها بعد ذلك، ومنها رائعة أبي فراس أيضًا: أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهىٌ عليك ولا أمر على أن هناك فى قطعة ابن دريد بعض العبارات المائزة والصور اللافتة التي تشهد له برهافة الذوق وقوة الشعرية مثل صيغة ''طفّل الإمساء'' وتلك اللوحة التشكيلية التي ترسم أجنحة الحمائم وهي متحاضنة متساقية للهوى· وهو عندما يخلص لتصوير مواجده يجمع بعنف بين أمرين متضادين للوهلة الأولى، فقد قطّع الشوق نياط قلبه مع أنه يحاكي الصخر في صلابته القاسية· وكأن الشاعر يشير إلى حقيقة إنسانية خالدة عندما يربط عنفوان العاطفة بعرامة الشخصية في دنيا المحبين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©