الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشمعدان فن ونور وأجواء ملكية

الشمعدان فن ونور وأجواء ملكية
23 مايو 2014 23:17
يعكس انتشار صناعة الشمعدان أو حامل الشموع جانباً مهماً من تطور عمارة القصور، بدءاً من القرن السادس الهجري، فمع بناء القاعات الشاهقة والمتسعة لم تعد المسارج الصغيرة أو المصابيح الزجاجية المعلقة بالأسقف، قادرة على توفير الإضاءة المناسبة لأجواء البلاط، وظهرت الحاجة إلى استخدام الشموع الضخمة المعروفة (المواكبية)، وهي تلك القطع الضخمة من الشمع التي كانت تحمل في الليل لإضاءة مواكب الحكام، ولكن مع توفير مكان ثابت للشمعدان قريب من أولي الأمر، سرعان ما أصبح الشمعدان علامة على المكانة الاجتماعية الرفيعة لكل من يشتريه. د. أحمد الصاوي (القاهرة) عرفت الشماعد المصنوعة غالباً من المعادن طريقها إلى أرجاء العالم الإسلامي كافة، من خراسان شرقاً إلى مصر والشام غرباً. وارتبطت بظهور أسلوب «التكفيت» في المعادن، تلك الطريقة الصناعية التي يعزى ابتكارها لصناع المعادن بمنطقة الموصل شمال العراق، ويعتمد هذا الأسلوب الصناعي والزخرفي على منح الأدوات المعدنية المصنوعة من النحاس أو البرونز قيمة مادية وجمالية أكبر، عن طريق تنفيذ الزخارف بالحز العميق في بدن الأواني أو الأدوات المعدنية، ثم ملء الفراغات بأسلاك دقيقة من الفضة أو الذهب، مع الطرق عليها بخفة لتندمج مع بنية الأداة المعدنية، وتصبح جزءاً من سطحها اللامع. وقد صادفت تلك الفترة التاريخية هيمنة دولة السلاجقة على أراضي الدولة العباسية في آسيا، ما أتاح انتشاراً للشماعد البرونزية والنحاسية «المكفتة» بالمعادن النفيسة. البحث عن الرزق ونظراً لتماس حدود دولة المماليك في الشام ومصر مع أراضي الأتابكة، وجدت صناعة الشماعد «المكفتة» بالفضة والذهب طريقها إلى الدولة المملوكية، وساعد على ذلك غزوات المغول في منتصف القرن السابع الهجري في أرجاء آسيا التي انتهت بإسقاط دولة الخلافة العباسية والاستيلاء على بغداد في عام 656 هـ «1258 م»، فقد أدت هجمات المغول المدمرة إلى هجرة صناع المعادن من العراق وشرقي الأناضول إلى مصر والشام بحثاً عن ملاذ آمن وطلباً للرزق في دولة كانت آنذاك قد أصبحت المتحكم الرئيسي في الطريق البحري للتجارة العالمية بين الشرق والغرب. وظهرت في الأسواق خلال القرن السابع الهجري شماعد مصنوعة من سبيكة نحاسية تحتوي على نسبة كبيرة من القصدير، ولذا تعرف باسم البرونز الأبيض، لأن لونها أقرب للون الرمادي، ويمتلك متحف اللوفر شمعداناً من هذا النوع لأنه كان يعتقد لوقت طويل أن مصدره هو إيران في عصر سيادة المغول، ولكن صار من المؤكد أن الشماعد المصنوعة من سبائك البرونز الأبيض، من صناعة شرق الأناضول، وبالتحديد في مدينة سيرت وأيضاً مدينة قونية عاصمة الأناضول. قاعدة الشمعدان وتحتوي الزخارف «المكفتة» في هذا الشمعدان بالفضة والذهب رسوماً لفرسان على صهوات الجياد، وهم يصطادون بالصقور مع رسوم لمناظر حيوانات في شريط يدور حول قاعدة الشمعدان، تعرف باسم «طرد وحش»، وكل ذلك على أرضية من الزخارف النباتية الإسلامية المشهورة باسم الأرابيسك، وأن وجود مناظر الصيد يشير إلى استخدام أمراء البلاط لمثل تلك القطع الفخمة من حوامل الشموع. ويمثل هذا الشكل الجديد تطوراً ملحوظاً عن أشكال الشماعد الرقيقة ذات الأرجل الثلاثية التي عرفت في العصر الفاطمي بمصر والشام، وفي عصر الدولة السلجوقية أيضاً في منطقة خراسان. ويعد القرن الثامن الهجري العصر الذهبي للشماعد المعدنية، فنجدها في العراق وخراسان والأناضول، وإيران، وبلاد الشام، ومصر، ولدينا من العراق في تلك الفترة التي كانت السيطرة فيها لملوك المغول، شمعدان من النحاس الأصفر وهو مشكل بأسلوب الطرق، وزخرف برسوم فرسان مع كتابات نسخية نفذت بـ «التكفيت» بالفضة، وهناك أيضاً شمعدان له قاعدة مخروطية مضلعة، وهو محفوظ بمتحف بستان بطهران، ومصنوع من البرونز «المكفت» بالفضة. زوجة البارون وتحتفظ المتاحف العالمية الكبيرة بشماعد تعود إلى فترة حكم الملك الناصر محمد بن قلاوون في القرن الثامن الهجري، ويصعب على مؤرخي الفنون التمييز بين ما صنع منها في مصر أو في الشام لتماثل الأسلوب الصناعي والعناصر الزخرفية، ومن أمثلة ذلك شمعدان بمتحف اللوفر بباريس من النحاس المطروق «المكفت» بالفضة والذهب، أهدي للمتحف من زوجة البارون روتشيلد في عام 1922 م، ويتكوَّن من قاعدة مخروطية عريضة وعنق أسطواني يعلوه قرص باتساع القاعدة نفسه، لتلقي الشمع الذائب وقد سجل على القاعدة بخط الثلث المملوكي «المقر العالي المولوي الأمير الكبير الغازي المجاهد المرابط دام عزه..»، وفي أحد الأطر المستديرة بالقاعدة، نجد ما نصه «المقر العالي المولوي الأمير الكبير الغازي المجاهد المرابط العوني الذخري العالم»، وتتكرر ذات الألقاب في غير موضع، وهو ما يشير إلى المكانة الكبيرة لصاحبه، ونظراً لانتشار رسوم البط بين ثنايا الكتابات، يعتقد أنه صنع لأحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون الذي شاعت في عصره هذه الرسوم على المنتجات الفنية حتى الاعتقاد بأن البط كان إشارة ملكية للناصر محمد وأمراء عصره، ومن يتأمل الزخارف الدقيقة في هامات الحروف، فسيجد بينها رسوماً لطيور ترفرف بين تلك الكتابات، وعلى أرضية متقنة من الزخارف النباتية من أوراق وأفرع نباتية ملتوية. زخارف نباتية «مكفتة» بالفضة من الفترة ذاتها للناصر محمد وأمراء عصره، شمعدان من النحاس الأحمر المطروق و«المكفت» بالفضة، ويعتقد أنه من صناعة بلاد الشام، وثمة شماعد تاريخية من العصر المملوكي لأنها تحمل أسماء أمراء أو سلاطين أو زوجات لبعض السلاطين، ومنها شمعدان باسم الأمير بيسري أحد أمراء دولة الناصر محمد بن قلاوون، وهو شمعدان بقيت منه قاعدته الحافلة بالزخارف النباتية «المكفتة» بالفضة التي تمثل أرضية للكتابات النسخية التي تحمل اسم الأمير وألقابه. ومن هذا النوع من الشماعد التاريخية، رقبة شمعدان السلطان زين الدين كتبغا، وشمعدان آخر يحمل اسم زوجة السلطان الأشرف قايتباي، وهي خوند الكبرى. وقد تطورت بعد ذلك أشكال الشماعد بصورة كبيرة في القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة لتسمح بحمل أكثر من شمعة واحدة لتعزيز إضاءة الشموع. ومن الطريف أن صناع الزجاج في بلاد الشام أقدموا على محاكاة أشكال الشمعدان المخروطي، ولدينا من هذا النوع شمعدان يعود لحوالي عام 683 أو 684 هـ، أي من فترة الحكم الأيوبي، ورغم أنه أقل ثمناً من نظيره المعدني، إلا أنه لا يقل عنه جمالاً وتأنقاً بزخارفه الهندسية النجمية وكتاباته النسخية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©