الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شلة الطفولة

23 مايو 2014 23:18
أصبت بصداع شديد، فسألت عن طبيب صداع بارع لو كان هناك تخصص كهذا، قال العارفون، إنه لا يوجد تخصص للصداع، لكنهم أوصوا بدكتور «سيد داود» أستاذ الأمراض العصبية البارع. سيد داود؟.. أنا أعرف هذا الاسم يقيناً. ثم تذكرت.. هذا صديق طفولتي في المدرسة الابتدائية. كان يضع مفرقعات على مقعد الأستاذ، فإذا جلس الأخير دوى الانفجار.. كما أنه مبتكر ملء البالون بالحبر وقذفه على الناس لينفجر ويلطخ ثيابهم. زرته وفحصني وتبادلنا الذكريات. انفجر ضحكاً عندما ذكرته بمغامراته كطفل.. وطلب مني أن أزوره مراراً وأعتقد أنه نسي كل شيء عن صداعي، وأنا كذلك نسيت.. جميل أن تجد صديق طفولتك وقد صار أستاذاً عظيماً في الطب.. بعد أيام، تعرضت شقتي للسرقة، فتوجهت إلى القسم لأحرر محضراً.. قالوا لي إنهم مشغولون؛ لأن مدير الأمن اللواء (شريف أبو العز) موجود الآن.. شريف أبو العز؟... تذكرت الاسم على الفور.. المدرسة الإعدادية.. كنا نملأ أكياساً بلاستيكية بالحبر ثم نلقيها كأنها قنابل على مدرسة البنات المجاورة. شريف هو من تطوع وتسلق السور العالي الذي يحيط بمدرسة البنات ليخرج لهن لسانه... كان شريف كذلك أول من صنع طائرة من ورق الكراس، وهي طائرة يمكنها أن تضرب الهدف ثم تعود مثل البوميرانج.. في هذه اللحظة، رأيته أمامي: اللواء العظيم المدجج بالنياشين والمحاط بالضباط، فلما رآني أشرق وجهه وصاح: - «محمد بسيوني!... أيها الـ!» واحتضنني، ثم قال لأحد الضباط المذعورين الواقفين حوله: - «هذا الفتى.. هذا الفتى كان يشنق القطط التي يجدها فوق سطح بيتهم.. تصوروا..!... كنا ننعم بوقتنا ونضحك كثيراً كلما شنقنا قطة جديدة!». ثم راح يسترجع الذكريات معي لمدة ساعة، فلما أخبرته عن سرقة شقتي أرغى وأزبد.. وأمر الضباط بأن يتخذوا اللازم ويجدوا اللص ويشنقوه فوراً على باب قسم الشرطة.. تبادلنا أرقام الهاتف.. ورحلت وهو ما زال يحكي مغامراته مع كلب جارتهم الذي كان يكره الماء الساخن.. عدت لداري ألتقط أنفاسي.. لقد عاد الصداع الذي لم يعالجه د. سيد داود. إن مصادفات غريبة تحدث هذه الأيام فعلاً. فيما بعد تعرضت لاضطهاد في العمل، فاقترح أصدقائي أن أقابل الوزير شخصياً لأقدم له شكوى.. الوزير متواضع جداً ويقابل كل الناس ويصغي لشكاواهم.. بصراحة لم أكن أذكر اسم الوزير الجديد؛ (لأنهم يتغيرون كل شهر) فقالوا لي إن اسمه (مصطفى الشبراوي).. مصطفى الشبراوي!.. دق الاسم جرساً في ذاكرتي.. مصطفى الشبراوي صديق الصبا.. كنت أتسابق معه بالدراجات في الشارع الخلفي، واعتدنا أن نذهب للمولد معاً، حيث يتزاحم الناس القادمون من مختلف القرى القريبة.. هناك نمارس تلك اللعبة الظريفة: ننتقي قروياً ساذجاً.. أتجه أنا لليمين وأسحب الطاقية التي يضعها على رأسه.. فيلتفت.. هنا يكون مصطفى على شماله فيصفعه صفعة قوية على قفاه، ثم نتوارى في الزحام، ونحن نموت ضحكاً، بينما القروي لا يفهم ما حدث له.. لعبة قاسية سخيفة، لكننا كنا نحبها جداً.. عندما دخلت لمكتب الوزير الفخم المخيف الذي يشبه ميدان التحرير مساحة، لم يعرفني.. نظرة صارمة مخيفة على وجهه، ثم فجأة ارتجفت شفته السفلى وبدأ يضحك في مرح: - «هع هع!.. أنت محمد بسيوني إذن!!». ثم هب من مكانه وهرول يعانقني.. ثم أجلسني وراح يضحك: - «هل تذكر؟.. طواقي القرويين.. هع هع.. المولد!.. يا للمرح!».. ذكرته بموضوع الضفادع التي كنا نضعها في قفا البنات فكاد يموت ضحكاً.. والأجمل عندما كتب (حمار) على ورقة وعلقها على ظهر أنجب طالب في صفنا، وهو عائد من المدرسة للبيت.. كان مصطفى كذلك أقدر من يصدر الأصوات المضحكة من حلقه.. - «هو هو.. مرح بريء!... ليت يوماً واحداً من تلك الأيام الصافية يعود!». عندما غادرت مكتبه كنت قد تلقيت وعداً بأن يحل مشكلتي .. تذكرت مقولة قديمة أنه عندما يحتل أصدقاء طفولتك مناصب مهمة، فأنت تشعر بسعادة تمتزج بقلق على مستقبل البلاد!.. هذا صحيح فعلاً... هؤلاء الأوغاد أصدقاء الصبا صار منهم الطبيب ولواء الشرطة والوزير.. طبيب كان يفجر مقعد المعلم، ولواء شرطة كان يقذف البنات بقنابل من حبر، ووزير كان يصفع القرويين على قفاهم. لا أصدق أنهم تغيروا ونضجوا للأسف... حتى أنا صرت كاتباً... إن المستقبل مهدد فعلاً والوضع شديد الخطورة.. لا شك في هذا! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©