الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دبي.. حداثة بنكهة الحنين

دبي.. حداثة بنكهة الحنين
12 مايو 2015 02:04
اعتماداً على رؤية طموحة ورغبة واثقة في أن تكون دبي مدينة ذكية ومستدامة، وأن تقطع وعداً دائماً مع المستقبل، يعمل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» منذ توليه مقاليد الحكم في الإمارة، ومنذ أن كان يتزوّد قبلها من حكمة الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» ومن بصيرة والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، على الخروج من إطار «الرؤية السكونية» المحاطة بالجمود والتقوقع والاستسلام لشرط الواقع والمكان، ومجابهة التحديات الاقتصادية والتنموية دون انكفاء أو تراجع، وكذلك القفز على شرط النظرة الماضوية الحبيسة والمنقطعة عن سيرورة وصيرورة التاريخ، من أجل التدافع والتنافس وكسب الريادة في المسار الطبيعي لنهضة الشعوب والأمم، وفي التعامل الشفاف مع أفق الحداثة والتطور والنمو المتصاعد للعلوم والفنون والاقتصاد والعمارة. بدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تفعيل هذه الرؤية وتطبيقها على أرض الواقع من خلال إنشاء بنية تحتية متكاملة ومرنة لا تقتصر على شبكة الطرق والمرافق الخدمية لهيكلية المدينة الحديثة فقط، بل تمتد وتتفرع وتنطلق أساساً من عقلية الكادر البشري الذي يدير ويخطط وينفذ متطلبات هذه البنية التحتية في المستويين الأفقي والعمودي، بحيث يحتفظ المكان بإرثه وهويته وتراثه، ولا ينفصل في ذات الوقت عن ديناميكية التسارع التنموي للمجتمعات المعاصرة، مع الوضع في الاعتبار قياس الفوارق الإبستمولوجية الهائلة بين مصطلحي: «الانقطاع عن الحداثة» و«التقاطع مع الحداثة»، حيث يوحي المصطلح الأول بالثبات المؤدي إلى التراجع والتقهقر، بينما يتجه المصطلح الثاني نحو مفهوم مغاير تماماً ومتوّج بالانفتاح على الآخر وعلى الذات أيضا، واكتشاف منافذ ورؤى مبتكرة لقراءة المستقبل ومحاورته واستشراف ملامحه قبل أن تنفذ من أيدينا طاقة الزمن في هذا السباق المحموم والمشروع أيضا للوصول إلى المراتب الأولى والمتقدمة عند الحديث عن رصيد ومكتسبات التجارب الإنسانية والثقافات المتنوعة في العالم. بدايات تقول المدونات التاريخية: إن أول الملامح المستقلة لمدينة دبي كانت قد تشكلت في العام 1833 ميلادية مع استقرار آل مكتوم عند منطقة الخور والتي أصبحت واجهة آمنة لمهنة صيد الأسماك وتنظيم حركة المراكب المتجهة للمناطق العميقة بحثا عن اللؤلؤ، وأصبح الخور بالتالي عصب ونواة هذا التجمّع السكاني البسيط والمستقرّ وسط بيئة اجتماعية أصبحت أكثر اقترانا بثقافة البحر والتعاطي مع المخيال المعرفي الجديد المتقبل لفكرة التعامل مع الآخر الغريب قرب السواحل والموانئ المهيأة طبيعيا وجغرافيا للتبادل التجاري واكتشاف المهن والمهارات والمعارف التقنية الجديدة للقادمين من بلدان مختلفة مثل الهند وبلاد فارس وزنجبار وسواحل الخليج العربي القريبة. تشير المدونات التاريخية أيضا إلى أن دبي، ومع بداية القرن العشرين كانت ميناء شهيراً، وكان السوق الواقع في جهة «ديرة» هو الأكبر في منطقة الساحل، وقد احتوى على أكثر من 350 محلاً، لذا صار وجهة يقصدها التجار والزوار بشكل مستمر. في تلك الفترة كان إجمالي عدد سكان دبي نحو 20,000 نسمة، شكل المقيمون نسبة الربع منهم. وبعد اكتشاف النفط في العام 1966، عمل الشيخ راشد على استثمار واردات النفط في تطوير البنية التحتية لدبي. فقام بتشييد المدارس والمستشفيات وشق الطرق. وأرسى سموه في تلك الفترة دعائم شبكة اتصالات ومواصلات حديثة، كما تم في عهده تشييد مبنى ومرفأ حديثين في مطار دبي الدولي وجرى تطوير مدرج الهبوط ليستوعب كافة أنواع الطائرات. وأمر سموه ببناء أكبر ميناء صناعي في العالم في منطقة جبل علي التي أصبحت مقراً لمنطقة حرة ما زالت شهرتها تملأ الآفاق. إن هذا الإرث التاريخي المكثف والمبهر رغم يفاعته وحداثته مقارنة بالمدن المطلة على طرق التجارة البحرية العريقة، كان هو المنطلق الأساس الذي ارتكز عليه فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في تفعيل: «العصف الذهني» وتحفيز المبادرات الخلّاقة التي ساهمت في ولادة مؤسسات ثقافية وفنية وعلمية رائدة بات لها ثقلها وتأثيرها تحت مظلة الحكومة الذكية التي روّضت واستثمرت ما كان يطلق عليه في السابق: «المستحيل»، ليتحول هذا «المستحيل» بالذات إلى طاقة متجددة من الإبداع والتحدّي في التخطيط المستقبلي وتحقيق الحلم الدائم لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في أن يصبح المواطنون والمقيمون على أرض دولة الإمارات من أسعد شعوب الدنيا. مناخ منفتح بدأت ملامح الحداثة العمرانية والثقافية في مدينة دبي مع ظهور التعليم النظامي في ستينيات القرن الماضي والذي يعود جذوره إلى المدرسة الأحمدية التي أسسها في العام 1912 اسم بارز في قائمة تجار اللؤلؤ أو طبقة الطواويش وهو: أحمد بن دلموك، لتبقى هذه المدرسة منارة متوهجة ومعبرة عن تمازج وتكامل الثقافة والاقتصاد في هذه المدينة التي لا تعرف التنازل أو التعاطي مع السقف المنخفض للإنجاز. فكثيرة هي أفكار ومبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في تمكين عناصر إبداعية مهمة مثل الشعر والأدب والتشكيل والسينما وفنون الخط والعمارة من أن تتنفس في مناخ حرّ ومنفتح وأن تكون مهيأة على الدوام للتجسّد والإنوجاد والتحقق، ليس على المستوى الإبداعي الفردي فقط ولكن على المستوى الجمعي من خلال هيئات وفعاليات ومؤسسات مؤثرة نذكر منها: مكتبة دبي العامة، ومتاحف دبي، وهيئة دبي للثقافة والفنون، وندوة الثقافة والعلوم، ومهرجان دبي السينمائي، ومهرجان طيران الإمارات للآداب، بالإضافة إلى الجاليريات ومراكز الخط والفنون البصرية التي باتت تستقطب الكثير من الأسماء الإبداعية محليا وعربيا وإقليميا. ولم يتزحزح هذا الثقل الإبداعي والابتكار الذهني والمعرفي عن مسار الرؤية، التي وضعها الشيخ محمد بن راشد في تحويل دبي إلى مدينة مأهولة بتصورات ما بعد الحداثة، التي تستثمر الإرث الثقافي المحلي والعالمي، في إضفاء لمسة الحنين والمكون الشعبي والتراثي على الاتجاهات الحديثة في التخطيط العمراني، بدءا من ناطحات السحاب الضخمة والمراكز التجارية الفريدة في تنوعها واتساعها، وصولا إلى محطات المترو الأحدث من نوعها في العالم العربي، حيث كلفت هيئة دبي للثقافة والفنون بعض الفنانين التشكيليين وفي مقدمتهم الفنان الإماراتي الرائد عبدالقادر الريّس برسم تصاميم وأعمال فنية مستوحاة من البيئة المحلية الزاهية بألوانها وتكويناتها الجمالية على عربات المترو، في خطوة تؤكد أن النزوع إلى امتلاك المستقبل في هذه المدينة النابضة بالحياة، متصل أيضا بجذور المكان وهويته وإرثه دون تقديس ومغالاة ونكوص نحو مثاليات محنطة وغير قابلة للقراءات والتأويلات المتكيفة مع روح العصر وجدل التاريخ وقفزات الحضارة. وبالتوازي مع هذا الوعي المطرد والطموح في الاهتمام بالعنصر البشري وتأهيله من خلال التعليم النظامي المتطور ومن خلال الجامعات والكليات والمعاهد التخصصية التي تزخر بها دبي، تأتي المبادرات الفنية والثقافية والإعلامية المتعددة التي أطلقتها مؤسسة محمد بن راشد مثل: «مهرجان دبي الدولي للشعر»، و«الحوار الألماني العربي»، و«تقارير المعرفة العربية»، و«برنامج ترجم واكتب»، يضاف إلى ذلك بأن المؤسسة ومنذ إعادة هيكلة إدارتها في الذكرى السادسة لتأسيسها وتحديداً في مايو من العام 2013 أطلقت جملة من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز مكانة دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة على الخارطة المعرفية العربية ومن هذه المبادرات: «برنامج دبي الدولي للكتابة» لدعم 100 كاتب مواطن والوصول بهم إلى العالمية، و«عائلتي تقرأ» والتي سيستفيد منها 50 ألف عائلة إماراتية، و«كتاب في دقائق» والذي يترجم أهم وأحدث الكتب العالمية ويلخصها باللغة العربية، وإصدار «مجلة ومضات» وهي الأولى من نوعها في مجال المعرفة في الوطن العربي. إن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كانت وما زالت مسددة في اتجاه تكامل وتعزيز الثروة الإنسانية هنا، ابتداء من ذاكرة البحث المضني للأجداد عن نبع ماء وظل، ووصولا إلى تحقيق حلم وصول أول مسبار عربي وإسلامي إلى المريخ انطلاقا من أرض الإمارات، فهذا المشروع الريادي والفضائي الضخم الذي يشرف عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد شخصياً، ربما يلخص ويترجم أكثر التطلعات والرؤى انصهارا في المغامرة التكنولوجية والعلمية والإبداعية للوصل مستقبلا إلى منصات جائزة نوبل، كما أشار سموه مؤخرا خلال إطلاعه على مراحل مشروع المسبار الفضائي المزمع انطلاقه في العام 2021، أي بعد عام من إقامة التجمع العالمي الأهم في المنطقة وهو إكسبو دبي 2020، حيث قال سموه عند البدء في مشروع المسبار الفضائي العام الماضي: «أمامنا 7 سنوات لبناء المعرفة وتطوير الكوادر ووضع البنية التحتية والوصول للكوكب الأحمر»، مضيفاً: إن «التحديات العظيمة تتطلب فرق عمل عظيمة والوصول للفضاء يتطلب همماً تعانق السماء وعيون أبناء الإمارات وقيادتها ستتابع تطور المشروع لمدة 7 سنوات كاملة، فنحن أمام مهمة وطنية وعربية كبرى، المسبار الجديد هو عمل وطني وفخر عربي وإضافة علمية ومعرفية للبشرية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©