الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرشان .. حكايات حلوة ومرة من الماضي الجميل

العرشان .. حكايات حلوة ومرة من الماضي الجميل
24 مايو 2014 12:12
ياسين سالم (دبا) مع دخول فصل الصيف يزداد الحنين إلى أيام العرشان على ساحل دبا من العكامية حتى كرشا، وخلف العرشان منظر النخيل البديع ذي الطلع الرقيق الذي يخطف الألباب، حيث إن شهرة نخيل دبا وعرشانها يضرب به المثل منذ القدم، فقد ارتبط موسم الرطب بقيام العرشان، حيث الهبوب الذي ينساق عبر فتحات الردة ويعطر الوجوه بنسائمه الباردة. ورغم انتقال الناس إلى الفيلات الفارهة والمساكن المكيفة، ظل حنين أهل دبا إلى العريش مستمرا، وهو الشوق نفسه الذي دفع مجموعة من أهالي دبا الفجيرة إلى الجلوس تحت ظلال العريش مساء كل يوم ويعيدون ذكريات الماضي، ولم تكن إقامة هذا العريش البسيط في منطقة العكامية القريب من الميناء في دبا الفجيرة إلا لحفظ الود والمكانة التي يحتلها العريش في قلوب وذاكرة أبناء دبا ومناطق الساحل الشرقي. وكان العريش هو المسكن والمأوى خلال فصل الصيف وذكريات العريش تقود إلى شريط من الذكريات الجميلة والمؤلمة وأهم المحطات في مسيرة الحياة، التي يسردها علي بن أحمد النون، وعبيد بن محمد العابد، وعبدالله المحيل، ومحمد بن علي، ومجموعة أخرى من الربع والأصحاب يجمعهم عريش العكامية، ويسردوا أهم قصصهم. وعن المشقة التي عاشها أجدادنا يقول علي النون: كانت حياة تؤكد صلابة الرجال في أوقات المحن والظروف الصعبة وشظف العيش خلال تلك الفترة واغتراب الناس للعمل والبحث عن لقمة العيش، ورغم كل هذا، حافظ الناس على ترابطهم وتوادهم وتراحمهم وكانت البساطة هي عنوان ذاك الزمان، خاصة بساطة المساكن خلال تلك الفترة. ويضيف: إقامة العرشان لم تكن تستغرق سوى ساعات في ظل تعاون حميم وهذا التعاون ليس فقط في بناء المساكن، بل في كل شي فعندما يقرر شخص ما عمل زفانة، وهو جمع جريد النخيل لصنع الدعون ترى الحشود من الناس تتسابق على تقديم هذه الخدمة وبشكل طوعي لا سيما، وأن الدعون بحاجة إلى ما بين خمسة أو ستة أشخاص، وهذا يحتاج إلى جهد وخبرة ومهارة، ومع هذا لا يتأخر الناس في تقديم المساعدة والعون. وبعد إنجاز الزفانة، وقيام العريش يجتمع الناس ويتجهون إلى بناء عريش آخر وهكذا حتى ينتهوا من بناء كل العرشان، وهي تتكون من جذوع النخيل التي توضع كأعمدة ويتم سقف العريش بالدعون وترك واجهة العريش للردة وهي عبارة عن الحريد المنزوع منه الخوص بالكامل ليسمح بدخول الهواء إلى العريش مع وجود أنواع أخرى من جريد النخيل لها مواصفات خاصة من حيث حجم الفتحات وتسمح بدخول الضوء والهواء بشكل أكبر وبهذه البساطة وفي إطار هذا التعاون عاش الناس على المرة والحلوة. ويشير إلى أن دبا تتحول خلال أيام القيظ إلى حركة غير عادية بسبب وجود المياه العذبة والنخيل، فدبا واحة يقدم عليها الناس من كل مكان خلال فترة الصيف وبعضهم يتزود بالماء والآخر يشتري الرطب حتى المساطيح التي يتم بها فرش الرطب تجود بأفضل أنواع التمور ويتنافس الناس على شراء تمور دبا. وكانت دبا بالإضافة إلى تاريخها الضارب في الأعماق عبارة عن سوق نالت اهتمام الناس ومقصداً للتجار. ويتذكر عبيد بن محمد عودة سفن الغوص إلى سواحل دبا بعد رحلة تستغرق عشرين يوماً بحثاً عن الصدف واللؤلؤ ويقول: كنا نذهب إلى مناطق آليصة، وكمزار، ورأس ليما، وجزيرة البيض، وأثناء العودة يصطف الناس أمام العرشان المواجهة للشاطئ لاستقبال السفن، مشيراً إلى أن موسم الغوص لأهل الساحل الشرقي كان يبدأ من نصف شهر مايو وتعود السفن مع تباشير رطب قش حميد وهو الرطب المشهور والمميز في نخيل دبا بشكل خاص. ويضيف عبدالله المحيل: كانت الرحلة إلى الغوص شاقة وكنا نستخدم الأشرعة ومع هبوب الرياح المعاكسة تزداد المشقة ونحاول الرسو في أحد الموانئ حتى تهدأ العاصفة وكانت تمر علينا أيام عصيبة. ويقول محمد بن علي: كنت أعمل كسيب والسيب له مكانة أقل من زملائه، والغائص له حظوة مع النوخذة، وله سهم مضاعف من المحصول، ومن بعض الطرائف التي نتذكرها أن النوخذة كان يتكتَّم خبر الحصول على الجوهرة، وتكون من الأسرار وبعد الوصول إلى البر نتفاجأ بخبر الجوهرة، ونكون نحن على ظهر السفينة آخر من يعلم ولا تخلو هذه الأخبار من التعليقات مثل كنت بسبات عميق وأنتم على ظهر السفينة. وأضاف: هذا النوع من التعليقات يبين مدى حرص النوخذة على أسرار الغوص وأنه الأمر الناهي، ونصل في بعض الأحيان إلى مناطق عميقة تصل إلى عشرين باعا أو أكثر، ومع هذا لا يتردد الغائص في اقتحام المخاطر والوصول إلى الأعماق، وتعريض النفس إلى الهلاك، ولا يستطيع الوصول إلى الأعماق إلا الغائص الذي يمتلك نفسا طويلا وقدرة على المناورة عند مواجهة أي طارئ، فكان التحدي والصبر والمغامرة السبيل للوصول للقمة العيش.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©