الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بولندا ونظرية المؤامرة

23 سبتمبر 2016 21:26
من المهم أن يعترف الإنسان بالخطأ عندما يرتكب خطأ، وشخصياً ربما لم أكن مخطئة أكثر مما كنت في مقال نشرته في 13 أبريل 2010، فقد صدمت بمأساة رهيبة: تحطم الطائرة التي كانت تقل الرئيس البولندي «ليخ كاتشينسكي». فقد كان الرئيس متجهاً إلى مدينة «سمولينسك» الروسية لزيارة النصب التذكاري، حيث قتل ستالين 20 ألف ضابط بولندي عام 1940. وكان على متن الطائرة أيضاً بضعة عشرات من الشخصيات العسكرية والسياسيين، والعديد منهم كانوا من أصدقائي وزملاء زوجي، الذي كان آنذاك وزير الخارجية البولندي. وفي خضم الجيشان العاطفي الذي أعقب الحادث، ومقارنة بمذبحة «كاتين»، كتبت هذه الجملة: «في هذا الوقت، لا أحد يشك في وجود مؤامرة». وكعذر، أقدم الحقيقة التي بدت المأساة في أول الأمر وكأنها تجمع الناس جميعاً. فقد كان على متن الطائرة سياسيون من جميع الأحزاب، من اليمين إلى اليسار. وأقيمت الجنازات في جميع أنحاء البلاد. وحتى فلاديمير بوتين، الذي كان آنذاك رئيس وزراء روسيا، تأثر بسبب الحادث. ولذا فقد رتب لبث فيلم «كاتين» -وهو فيلم بولندي عاطفي ومناهض للروس- على التلفزيون الروسي الرسمي، وقد حظي بمشاهدة على نطاق واسع كما لم يحدث من قبل أو منذ ذلك الحين. بيد أن تفاؤلي كان سابقاً لأوانه. فشقيق الرئيس «ياروسلاف كاتشينسكي»، الذي كان في ذلك الوقت زعيماً غير شعبي في المعارضة البرلمانية، بدا وكأنه قد اعتقد في البداية، كما أثبتت كافة الأدلة، أن سقوط الطائرة كان حادثاً عرضياً. ثم غير رأيه بعد ذلك. ربما لم يستطع أن يقبل أن توأمه المحبوب قد لاقى حتفه بطريقة عشوائية، في حادث غير مبرر. وربما جن جنونه بسبب الحادث. أو كان يشعر بالذنب: فقد ساعد في التخطيط للرحلة. أو ربما رأى، مثل دونالد ترامب، أن تبني نظرية المؤامرة قد يساعد على جلبه إلى السلطة. وكما استغل ترامب كثيراً التشكيك في مولد أوباما في الولايات المتحدة لإلهام ناخبيه الأساسيين، استغل «كاتشينسكي»، في السنوات التي أعقبت ذلك، حادث «سمولينسك» لتحفيز أنصاره، تلك الأقلية من السكان البولنديين التي لا زالت مقتنعة بأن هناك قوى سرية مجهولة تسيطر على البلاد، وأن «النخبة» يتم التلاعب بها من قبل الأجانب، وأن كل شيء حدث في البلاد منذ عام 1989 هو جزء من مؤامرة شريرة. وقد نجح هذا. ففي العام الماضي، وبفضل الثغرات في النظام الانتخابي، حيث أثبتت نسبة أقل من 40% من الأصوات -تعكس 18% من السكان البالغين- أنها كافية لكي يفوز حزبه القومي الشعبوي «حزب القانون والعدالة» بأغلبية برلمانية ضئيلة. إنني لا أخجل من الإشارة إلى المؤامرات الروسية. ولكن لا يوجد دليل واحد مؤكد في حادث «سمولينسك». ففي غضون ساعات من وقوع الحادث، حصل خبراء الطب الشرعي على الفور على الصندوقين الأسودين وقاموا بنسخ البيانات بدقة. ومن الممكن سماع شريط تسجيل ما دار بكابينة القيادة على الإنترنت، وهو يجعل الأحداث واضحة بشكل مؤلم. لقد كان الرئيس متأخراً، وكان يخطط لإذاعة بث حي من «كاتين». وعندما أراد مراقبو الحركة الجوية الروس تحويل الطائرة بسبب الضباب الكثيف، رفض ذلك. كما جلس رئيس القوات الجوية في كابينة القيادة خلال الدقائق الأخيرة من الرحلة ودفع الطيارين للهبوط، قائلاً لهم «كونوا شجعاناً، ستنجحون في ذلك». ووفقاً للتقرير الرسمي، فقد اصطدمت الطائرة بشجرة، وبعد ذلك بالأرض ثم تحطمت. وفي أعقاب تخلي ترامب عن زعمه بشأن مولد أوباما، تلك النظرية العنصرية المؤثرة في صعوده وحياته السياسية، حري بنا أن نتأمل ماذا حدث عندما جاء «حزب القانون والعدالة» إلى السلطة. ففي غضون أيام من تولي السلطة، أزالت الحكومة الجديدة التقرير الرسمي من على موقعه على الإنترنت. وفي الآونة الأخيرة، دخلت الشرطة ومدعو العموم إلى منازل خبراء الطيران الذين أدلوا بشهادتهم في التحقيق الأصلي، وحققوا معهم مجدداً وصادروا أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. وتم تشكيل لجنة حكومية جديدة (وتقديم مبالغ مالية لها)، تتضمن مجموعة من الخبراء من بينهم عالم في موسيقى الشعوب وطيار متقاعد وطبيب نفساني وغيرهم ممن ليست لديهم خبرة في حوادث الطائرات. وبادر وزير الدفاع «أنتوني ماسيرفيز»، الذي لديه هو أيضاً هوس بكافة أنواع المؤامرات، بطرح عدة نظريات، الكثير منها يناقض بعضه بعضاً. ولأنهم لم يتمكنوا من دحض التقرير الأصلي، أمر الحزب الحاكم بدلاً من ذلك بإعداد نسخة مزيفة من الحقيقة في صورة فيلم. وقد خرج فيلم «سمولينسك» قبل أسبوعين ليزعم أنه يقدم «القصة الحقيقية» للحادث و«التستر». والنتيجة -التي تنطوي على وقوع انفجار على متن الطائرة- منافية للعقل، حتى أن بعض المشاهدين انفجروا ضحكاً. ومع ذلك، فقد أعلن «كاتشينسكي» أنه «حقيقي». وفي الوقت المناسب، قد تكون هناك عواقب أخرى. ومن بين الأشياء الأولى التي فعلها مسؤولو «حزب القانون والعدالة» عند تولي السلطة الهجوم على المحكمة الدستورية في بولندا، وإعادة تسييس مكتب النائب المستقل. كما وضعوا الخدمات السرية في البلاد في أيدي رجل أدين بتلفيق الوثائق وتم العفو عنه. إن ترامب، مثل «كاتشينسكي»، دفع بنظرية مؤامرة زائفة لعدة سنوات، على رغم الافتقار التام للأدلة. وبإمكان إدارة أوباما استغلال التشكيك في مولد أوباما لإجراء تحقيقات وهمية وجلسات استماع ومحاكمات ستلحق ضرراً بالغاً بالسياسة الأميركية وسيادة القانون. * محررة الشؤون الخارجية في «واشنطن بوست» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©