الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فريد الأطرش دفع مصاريف جنازته

فريد الأطرش دفع مصاريف جنازته
7 نوفمبر 2008 02:45
عبد السلام النابلسي، أحد أساطير السينما العربية على مر التاريخ، وأهم أساطين ورواد فنون الكوميديا والإضحاك والمرح، وصاحب أداء فريد، وشخصية متميزة أخاذة، ومجرد تذكر ملامحه وأسلوبه ونبرته يبهج الناس ويضحكهم من القلب، وما زالت أدواره وطريقته وشخصيته الجادة لدرجة الضحك، وحتى طريقته في الكلام، هي المادة الأغنى والأمتع لعشاق فنون الكوميديا والسينما بشكل عام· ولد عبدالسلام النابلسي عام 1899 في بلدة عكار شمال طرابلس في لبنان لأسرة ميسورة متدينة، وكان والده من علماء الدين المعروفين، وفي طفولته عُين والده قاضياً لمدينة نابلس، وانتقل معه النابلسي الصغير إلى هناك، واختار له والده تعليماً دينياً صارماً حتى يخلفه في القضاء· وفي مدارس نابلس ومجالسها، درس علوم اللغة والفقه، واتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، واشتهر بين زملائه ومدرسيه بالذكاء وحب الدعابة والضحك، غير أن التأثير الأهم عليه كان لوالدته، فقد كانت تتمتع بشخصية قوية، صارمة، ويرجع اليها البعض تلك الجدية والصرامة الفطرية التي اعتمد عليها النابلسي في إضحاك الملايين، وهي التي بثت فيه روح الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية، لذا كانت له شخصية مستقلة منذ صغره، بالإضافة الى خفة الظل والمرح والنظرة البسيطة للحياة· وظل النابلسي يتنقل بين مدراس نابلس، واشتهر كطالب ذكي محب للمرح والنكتة، وعندما بلغ العشرين من عمره أرسله والده إلى مصر ليدرس في الأزهر الشريف، وبالتالي يخلفه في القضاء، والتحق النابلسي بالأزهر الشريف وانخرط في الدراسة، وحفظ القرآن الكريم وبرع في اللغة العربية، وكاد يواصل دراسته ويتخرج فقيهاً محترماً يهز أركان منابر نابلس والشام، غير أن الظروف هيأت له مصيراً آخر، ففي ذلك الوقت قامت ثورة 1919 في مصر، وشارك فيها النابلسي ضمن من شاركوا من طلبة الأزهر الشريف، واندفع يهتف في مظاهراتها بشعارات الحرية والاستقلال، ومع كل هتاف كان يبتعد عن طريق الأزهر والقضاء الذي حدده والده، ويقترب من طريق الفن والسينما والكوميديا القريب إلى قلبه ومواهبه· أثناء أحداث الثورة ومظاهراتها، تعرف النابلسي وتابع عن كثب ذلك الدور الذي لعبه الفنانون المصريون، أمثال حسن فايق وإسماعيل ياسين وحسين رياض ويوسف وهبي ونجيب الريحاني، وذلك من خلال الإسكتشات الوطنية والسياسية التي قدموها عن هذه الثورة، ومع كلماتها الحماسية غير النابلسي مسار حياته وانجرف نهائياً نحو الفن والسينما، وبهرته الأضواء والشهرة والعالم الساحر الغريب، ونظراً لموهبته الظاهرة للعيان التحق على الفور، وفي عز أحداث الثورة بفرقة جورج أبيض وعزيز عيد المسرحية· طبعاً الخبر كان له وقع الصاعقة على والده، النابلسي الكبير قاضي المدينة المهيب، والأمر بالنسبة له كان سقطة مدوية وضياعا محققا، وابنه النجيب الذي أرسله للقاهرة ليدرس في الأزهر الشريف ويخلفه في القضاء، صار ''مشخصاتي''، ترك دروس الفقه واللغة وعشق الفن وهام على وجهه وراء السينما والمسرح، وعلى الفور حرمه من المصروف الذي كان يرسله له للدراسة بالأزهر، وعلى عكس ما توقع، دفع هذا الموقف عبدالسلام النابلسي أكثر ناحية الفن والتمثيل، ففي ظل الغربة وعدم اتقان أي عمل، لم يكن أمامه إلا اتخاذ التمثيل حرفة يواجه بها متطلبات الحياة· بعد ذلك، اشتغل عبد السلام النابلسي في مجال الصحافة، وتنقل بين المجلات، مثل ''مصر الجديدة''، و''اللطائف المصورة''، و''الصباح'' و''آخر ساعة'' وجريدة ''الأهرام''· وعمل مترجماً في ''دار الهلال'' بواسطة صديقه أحمد جلال، والذي كان وقتها يقوم بمساعدة إستيفان روستي في الإعداد لإخراج أول فيلم مصري ''ليلى''، لذا أسند دوراً صغيراً فيه إلى عبد السلام النابلسي، الذي نجح ـ عن طريق مقالاته المترجمة في ''الأهرام''ـ في أن يلفت أنظار كل المهتمين بصناعة السينما، وهذا ما شجع عزيزة أمير على ارساله على نفقتها إلى باريس لدراسة الإخراج السينمائي، ولكن لسوء حظه أفلست عزيزة أمير وعاد من باريس حزيناً ومهموماً، واستأنف عمله الصحفي مرة أخرى، ليجد صديقه أحمد جلال قد اتجه للعمل في مجال السينما' كمؤلف ومخرج، فسارع إليه، حيث أشركه معه في فيلم ''وخز الضمير'' وأدى فيه دوراً شريراً، ونجح في أداء هذه الشخصية، مما جعل ''الأخوين لاما'' يستعينان به أكثر من مرة في تقديم مثل هذه الشخصية الشريرة في أفلامهما، إلى أن واتته الفرصة، وعمل كمساعد مخرج لفيلم ''البحر بيضحك ليه''، بعد ذلك عمل مساعداً للإخراج مع مخرجين كبار أمثال يوسف وهبي و توجو مزراحي وولي الدين سامح، وتحسنت ظروفه وبدأت الفلوس تجري في يديه فعمل في مجال الإنتاج، ليجد ثغرة كي ينتج أفلاماً خاصة به، فاشتغل مساعدا لمدير الانتاج في البداية، ثم مدير إنتاج للفيلم الإيطالي المصري المشترك ''أمينة''، مع المخرج الإيطالي ''السندريني''· وبالرغم من انشغال عبد السلام النابلسي في مجالات الإخراج والإنتاج، فإن التمثيل كان يطارده في كل خطواته تلك· فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على اشتراكه في أول فيلم مصري، جاءته الفرصة الأهم في السينما، حيث أعاد اكتشافه المخرج كمال سليم في دور الشاب المستهتر في فيلم ''العزيمة''· ونجح عبد السلام النابلسي في هذا الدور، مما جعل المخرجين يطلبونه باستمرار لتقديم مثل هذه الشخصية في أفلامهم· ومع بداية الأربعينات، اشترك النابلسي في موجة الأفلام الغنائية الاستعراضية، وقدم فيها دور الشاب الخفيف الظل، وفيها تجلت موهبته وتفتحت، وقدم نوعاً من الكومديا جديداً وفريداً، وكانت أدواره في هذه الأفلام هي ميلاده الفني الحقيقي كممثل ونجم كوميدي له لون وطابع متميز، وأصبح عبد السلام النابلسي شخصية أساسية في معظم الأفلام، وبرع في تقديم كاركتر بالغ الطرافة لشخصية الشاب الأرستقراطي، أو مدعي الأرستقراطية المتحذلق· وفي عام 1956 واتت عبد السلام النابلسي الفرصة لأداء دور الممثل الأول، البطل، في فيلم ''حب وإنسانية'' أمام برلنتي عبد الحميد، وفي عام 1959 قدمه المخرج الكبير صلاح أبوسيف في دور بطولة مشتركة في فيلم ''بين السماء والأرض''· كما قام بدور البطولة في فيلم ''بنات بحري'' عام 1960 للمخرج حسن الصيفي، ولكنه برع أكثر في الشخصية المساعدة، وظلت بصمته الأهم والأكثر امتاعاً هي شخصية صديق البطل· وفي أواخر عمر الفنان عبد السلام النابلسي، كانت مشاكله مع الضرائب تتفاقم في مصر ولم تنته إلا قبيل وفاته بقليل، وبسببها لم يستطع العودة إلى القاهرة، وواجه مشاكل مالية كثيرة، اضطرته لأن يعرض أثاث بيته في المزاد العلني، هذا البيت الذي كان مفتوحاً على مصراعيه لكل الأهل والأصدقاء· أول معاركه الفنية مع يوسف وهبي في العام 1923 انضم عبد السلام إلى فرقة رمسيس، إلا أن يوسف وهبي طرده من الفرقة لاصراره على عدم حفظ حوار أدواره المسرحية، فقد كان عبد السلام النابلسي، منذ أن بدأ وحتى نهاية مشواره الفني، لا يعترف بما يسمونه الحوار في السينما، وإنما كان يستمع إلى ما يجيء في السيناريو حتى يلم بالجو العام للموقف، وعندما تدور الكاميرا ويبدأ تصوير المشهد يفيض بما يريده ويقول كلماته، وكان الفنان الوحيد الذي لا يلتزم بالحوار، وقد أصبح هذا التقليد الفريد طريقته في العمل السينمائي استمرت معه طوال مشواره الفني· وهو بذلك يعد رائد الارتجال أمام الكاميرا· وساطة أم كلثوم حاول النابلسي مراراً وتكراراً أن يوسط القريبين منه من الفنانين لدى مصلحة الضرائب، وكلم أم كلثوم لتتوسط له لتسوية مشاكله مع الضرائب، وكان يمني نفسه بالعودة إلى مصر، وعندما حلت مشاكله مع الضرائب، ووصلته دعوة من وزارة الإرشاد القومي ليعود إلى مصر، كان الموت قد اختطفه في يوليو 1968 ولم تجد زوجته مصاريف الجنازة وتولى الأمر صديقه الفنان فريد الأطرش· أشهر أعزب يتزوج في الستين مع بداية عام 1960 بدأت مشاكل النابلسي مع مصلحة الضرائب، والتي قدرت عليه 12 ألف جنيه بطريقة جزافية، واضطر الى أن يدخل مصالحة مع مصلحة الضرائب، لرغبته في السفر إلى لبنان وأوروبا في الصيف، فوصل المبلغ إلى تسعة آلاف جنيه، ووقع إقراراً بذلك، وسافر الى بيروت وهناك حقق رغبته القديمة في الاستقرار الأسري بعد أن ظل متمتعاً بلقب أشهر أعزب حتى وصل الى الستين من عمره وتزوج إحدى معجباته ''جورجيت سبات'' واتم إجراءات الزواج بفيلا صديقه فيلمون وهبي دون علم أسرة الفتاة التي دخلت معه في صراع مرير أرغمته خلاله على تطليقها قبل أن تحكم المحكمة بصحة الزواج ويتم الصلح·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©