السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة الاتحاد الأوروبي: اليورو تحول من حلٍ إلى مشكلة!

أزمة الاتحاد الأوروبي: اليورو تحول من حلٍ إلى مشكلة!
13 مايو 2011 22:08
بعد عام فقط على تدخل الحكومات الأوروبية الغنية لإنقاذ أثينا من التخلف عن سداد 157 مليار دولار من الديون المستحقة عليها، تنزلق اليونان مرة أخرى نحو أزمة جديدة، فبعد خفض قدرتها الائتمانية يوم الاثنين الماضي من قبل وكالات التصنيف الدولية وعجزها عن الوفاء بأهداف خفض العجز المالي الذي حددته لها ألمانيا وباقي الدول، تشعر اليونان اليوم بالإحباط فيما أوروبا تزداد قلقاً على مستقبل البلاد ومعه الاتحاد الأوروبي. وكالعادة في مثل هذه الأزمات تطفو على السطح بعض العبارات المخففة مثل "إعادة الهيكلة الطوعية" التي لا تعني في الحقيقة سوى التنازلات القاسية التي يتعين على اليونان تقديمها للدائنين لتجنب مصير الإفلاس التام الذي لو حدث سيكون ضربة قوية لمجمل الاقتصاد الأوروبي وستتضرر مصداقيته، فمَ الذي يتعين على اليونان القيام به لتغيير كل ذلك؟ الحقيقة أن الحل الوحيد أمام اليونان، وباقي الدول الأوروبية ذات الدخل المتدني، أن تتخلى عن اليورو وأن تعيد مجمل أوروبا التفكير في دولة الرفاه... فالاكتفاء بضخ الحكومات لأموال وحوافز في الاقتصاد، ورفع الضرائب، لم يعد الحل الناجع؛ لأن الطريقين معاً يكبحان النمو وهو الذي يمر أصلا بمرحلة شديدة الضعف في اليونان وسائر الدول الأوروبية المتأزمة على نحو لا يمكن من دعم المعاشات التقاعدية وباقي الامتيازات الاجتماعية التي تقدمها الدولة للمواطن. ولابد من الإشارة هنا إلى أنه في اقتصاد السوق المعاصر فقط المؤدلجون والمتعصبون لنظريات اقتصادية بعينها، يرفضون الاعتراف بالحاجة إلى إيجاد التوازن المطلوب بين دولة الرفاه -بما تعنيه من مساعدات تُقدم لمن يحتاجها فعلاً من الفقراء وكبار السن- وبين الفاعلية التي تحيل إلى حوافز العمل والاستثمار فيما هو منتج. كما أن الحماية المفرطة للمواطنين وفرض ضرائب مرتفعة، ليسا إجراءين من شأنهما أن يشجعا الناس على الانخراط في مشاريع منتجة تعتمد على الابتكار وبناء الثروة. فالبطالة المستفحلة، والتعويضات الكبيرة عن التسريح من العمل، وضمان الرعاية الصحية للمواطنين الأصحاء الذين يرفضون العمل، فضلا عن ملامح أخرى للرأسمالية الأوروبية المتضامنة... كل ذلك تجاوزت الحد المعقول بكثير. لكن، وعلى غرار مدمني الكحول الذين يتعين عليهم مفارقة الكأس، تجنب الأوروبيون لعقود طويلة الحلول الحقيقية مفضلين بدلا من ذلك علاجات مزيفة لتحفيز النمو دون تقديم الثمن. وهنا تمكن الإشارة إلى معاهدة ماستريخت للعام 1992 التي أحدثت نوعاً من التجانس بين معايير الإنتاج والسلامة والقوانين الضريبية في عموم القارة الأوروبية، والهدف منها كان تحفيز النمو بإزالة العقبات والحواجز بين الدول، لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع بسبب صرامة قوانين العمل الأوروبية وكثرة الفوائد الاجتماعية التي تجعل من المبادرة الشخصية والاستثمار الفردي حلماً بعيد المنال. وبعد ذلك جاءت العملة الموحدة، اليورو، في عام 1999 لتسهيل النشاط التجاري بين الدول من إيرلندا إلى اليونان، وتم الترويج لهذه المبادرة على أنها العامل الأهم في تحفيز النمو الاقتصادي. والحال أن إنشاء العملة الموحدة عالج مشكلة لم تكن مطروحة أصلاً، وأدى إلى ظهور أخرى جديدة؛ فقبل اليورو كان هناك ما عرف بـ"وحدة العملة الأوروبية" التي ربطت العملات الوطنية بسعر صرف موحد، وكانت تلك الوحدة ومعها الدولار عملتين دولتين مقبولتين، لكن حافظت كل دولة منخرطة في نظام وحدة العملة الأوروبية على قدرتها الخاصة فيما يتعلق بطبع عملتها المحلية وخفض قيمتها أو إعادة تقييمها كلما استدعت الظروف ذلك، وهي المرونة التي أزيلت مع فرض اليورو كعملة واحدة، وتضررت من جرائها، وبشكل خاص، الدول الأفقر في الاتحاد الأوروبي مثل البرتغال وإسبانيا واليونان وإيرلندا. ولتجنب الحاجة إلى إعادة تقييم العملة، فرض الاتحاد الأوروبي قيوداً صارمة على الموازنات المحلية للجم العجز على غرار العلاقة بين الولايات الأميركية المختلفة والحكومة الفدرالية. لكن للأسف، ورغم استفادة ألمانيا، مثل نيويورك، من السوق الكبيرة التي تتيحها القارة الأوروبية أو باقي الولايات المتحدة، تبقى بروكسل عاجزة عن فرض ضرائب على ألمانيا لتمويل دولة الرفاه في اليونان بنفس الطريقة التي تمول بها نيويورك مثلا الرعاية الطبية في ولاية ميسيسيبي. وباحتفاظ ألمانيا بكل تلك الثروة لنفسها، تستطيع الإنفاق بسخاء على برامجها الاجتماعية، وتقديم تعويضات البطالة، وتقليص ساعات العمل... لتروج لنفسها كنموذج ناجح في أوروبا، وكي تعطي الدروس لليونان حول ضرورة التقشف. والحقيقة أن ثروة ألمانيا متأتية من عدم تقاسمها مع اليونان، فيما هذه الأخيرة لا تستطيع خفض نفقاتها الاجتماعية دون التسبب في اضطرابات سياسية، لأن سكانها لا يفهمون لماذا لا يستطيعون التمتع بنفس المزايا التي يستفيد منها الألمان. ومع أن دولة الرفاه الأوروبية أكثر فاعلية مقارنة بنظيرتها في أميركا، سواء تعلق الأمر بالرعاية الصحية التي تكلف أقل مما هي عليه في الولايات المتحدة، إلا أنه في الوقت نفسه لا يتعين على الحكومات تقديم كل شيء للمواطنين تماماً مثل العائلات الغنية التي تجازف بتدمير أبنائها إن هي أفرطت في تدليلهم. ولنتذكر الوقت الذي ازدهر فيه الاتحاد الأوروبي تحت مسمى "المجموعة الاقتصادية الأوروبية"، وكان ذلك قبل أن يكون للعملة الموحدة أي وجود، ما يحتم على الاتحاد الأوروبي الموسع التخلي عن وهم إمكانية تحقيق وعود الرأسمالية دون وضع حوافز مناسبة تشجع على العمل والاستثمار. ولو تمكن الأوروبيون من ذلك فقد يقدمون درساً مهماً للسياسيين الأميركيين في واشنطن، والذين لم يدركوا بعد خطورة الدين الأميركي المتصاعد. بيتر موريسي كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©