السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة الدستور المصري عبر الثورات

رحلة الدستور المصري عبر الثورات
10 مايو 2012
تخوض مصر الآن تجربة وضع دستور جديد، بعد إلغاء العمل بدستور عام 1971، وهناك جدل محتدم بين مختلف القوى والتيارات السياسية والاجتماعية حول مواد وبنود الدستور، لذا يأتي هذا الكتاب في موعده ليذكر بأن خبرة مصر طويلة في وضع الدساتير وان نشأة الدستور في مصر تعود الى نضال مدني طويل وممتد. الكتاب “الدستور المصري والحكم النيابي في مصر وتاريخ ذلك من عام 1866 الى الآن” وصدر في مارس عام 1924 ولم يطبع ثانية، وانتهى منه صاحبه في منتصف عام 1923، وهو يتعلق اساسا بدستور عام 1923، الذي شاركت في صياغته طوائف الأمة المصرية، وجاء في أعقاب ثورة 1919.. ومن عجائب ثورة 1919 وعظمتها أيضا، أنها قامت ضد الاحتلال الأجنبي لمصر، ولهدف واحد هو نيل الاستقلال، لذا بدأت وانتهت بينما السلطان أحمد فؤاد يحكم مصر، فلم يكن الهدف سياسيا محليا، يتعلق بتغيير حاكم أو نظام سياسي على غرار ما جرى في عامي 1952 و2011.. ورغم الهدف العام لثورة 1919 فقد انتهت هذه الثورة ونالت مصر جزءا من استقلالها عن المحتل البريطاني، والذي تمثل في تصريح 28 فبراير عام 1922 الذي اعطى مصر استقلالا منقوصا، لكن هذا الاستقلال ارتبط بقيام حكم ديمقراطي “ليبرالي”، ضمن دستور عام 1923 وهو يعد في نظر كثيرين أكمل دستور عرفته مصر طوال تاريخها. النشأة الأولى وقد اختلف كثيرون في نشأة الدستور والحياة النيابية بمصر، الرأي السائد أن دستور عام 1923 هو الأول ويميل الى ذلك معظم الدارسين، لكن هناك من يعود الى الوراء، ليذهب الى ان نواة الحياة البرلمانية كانت في عهد الوالي محمد علي باشا في عام 1835 ـ 1235 هجرية، حين وضع قانونا عاما للبلاد وسماه قانون “اسيا ستان” وحصر السلطة في سبعة دواوين ،وبأمره ايضا أنشئت جمعية عمومية كانت تسمى “مجلس المشورة” ويتألف من مديري هذه الدواوين السبعة وبعض العلماء والذوات، اي الشخصيات العامة وكان هو من يقوم باختيارهم، وكان هذا المجلس يتخذ بعض القرارات وتعرض عليه للموافقة واتخاذ ما يلزم، البعض يرى في ذلك المجلس نواة البرلمان، لكن البعض الآخر لا يرى فيها اي شبه بالبرلمان، فلا هو مجلس منتخب، ولا لديه سلطات حقيقية. وفي عام 1847 اصدر محمد علي أمرا عاليا بانشاء “مجلس خصوصي” يتكون منه ونجله ابراهيم باشا وكتخدا باشا ورئيس جمعية الحقانية وشخصيات عامة أخرى، وأسس كذلك جمعية عمومية في القاهرة وأخرى في الاسكندرية، وكانت ذات اختصاص مالي وإداري. وما يمكن ان يعد برلمانا حقيقيا هو المجلس المعروف بمجلس شورى النواب الذي أسسه الخديو اسماعيل في عام 1866 وكان مؤلفا من 75 عضوا منتخبين جميعا ويمثلون المديريات والمحافظات المختلفة لدراسة الامور الداخلية وعرض ما يستقر الرأي عليه على الباشا، ورغم ان هذا المجلس لم يكن من اختصاصه مراقبة الحكومة فقد أخذ يناقش الميزانية ويعارض الحكومة، لذا أقدم الخديو اسماعيل على حل المجلس والغائه نهائيا. وبعد ذلك بسنوات حين اشتد الضغط الاوروبي على اسماعيل بسبب أزماته المالية اعاد المجلس ثانية وقام بدور مهم في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر. الكتاب أعده ألبرت شقير ويهديه الى والده “سعيد شقير باشا” وكتب على غلاف الكتاب “جامعه” لأنه ليس تأليفا، فالكتاب كله مجموعة وثائق، ويشمل المكاتبات الإنجليزية المصرية حول الاستقلال والدستور، ثم وثيقة الدستور بنصها، والمكاتبات حوله بين سعد زغلول والملك فؤاد. منجزات دستورية ويقول سعد زغلول في خطابه الى الملك فؤاد بقبول تشكيل الحكومة في 28 يناير 1924: “لقد لبثت الأمة زمانا طويلا وهي تنظر الى الحكومة على انها خصم يدبر الكيد لها وليس وكيلا أمينا يسعى لخيرها، وتولد عن هذا الشعور سوء تفاهم أثر تأثيرا سيئا في ادارة البلاد وأعاق كثيرا من تقدمها، فكان على الوزارة الجديدة ان تعمل على استبدال سوء هذا الظن بحسن الثقة في الحكومة وعلى اقناع الكافة بانها ليست الا قسما من الأمة تخصص لقيادتها والدفاع عنها وتدبير شؤونها بحسب ما يقتضيه صالحها العالم”. ويحدد البرت شقير سبب وضعه أو جمعه هذا الكتاب بالقول ان مصر حققت الكثير بثورة 1919، فازت بالغاء الحماية البريطانية وحصلت على دستور ثم الاعتراف لها فيه بأنها “دولة ذات سيادة، حرة مستقلة، ملكها لا يجزأ ولا ينزل عن شيء منه وحكومتها وراثية شكلها نيابي”، ورغم هذا فإن ما تحقق “ليس بعض ما تشتهي ولا كله”، وهو لا ينفي ان في دستور مصر 1923 وبعض القوانين المتعلقة به “بعض النقص”، ويقول ايضا “اذا لم يكن ما نالته مصر كاملا فذلك لا يمنعها أيضا من المثابرة على بذل مجهودها ومواصلة السعي في تحقيق باقي امانيها. خاصة ان المادة 56 من الدستور نصت على ان للملك ولكل من المجلسين ـ النواب والشيوخ ـ اقتراح تنقيح الدستور بتعديل أو حذف حكم أو اكثر من أحكامه أو اضافة أحكام أخرى. وهو يحاول ان يساعد في ذلك بتوفير كل الوثائق والمواد المساعدة للقيام بهذه المهمة. وأهم ما يقدمه الكتاب هو المقالات والدراسات التي نشرت في الصحف المصرية وقتها في انتقاد مواد الدستور وما يراه كتابها من عيوب واوجه قصور ومآخذ عليه. قدم هذه الطبعة المحقق والباحث عبدالعزيز جمال الدين، وهو يرى في الكتاب تأكيدا ان “الدولة المدنية” أكبر منجز حققه المصريون منذ عهد محمد علي وان هذه الدولة قادرة على حماية كل المرجعيات سواء كانت مرجعية دينية أو اشتراكية أو ليبرالية وعلمانية. ويؤكد ان الدستور لا يقوم وحده بل تصونه حرية قيام احزاب مدنية قوية تعبر عن المواطنين وتدافع عن الدستور فلا يعبث به تيار أو مسؤول بعينه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©