الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لقاء الماضي والحاضر «2 - 5»

18 يونيو 2018 00:47
بعـد أن ذهبَ الجميعُ، جلسَ الجدُّ يحْتسي القهْوةَ، ثمَّ توجَّه أحمدُ إلى جدِّهِ وجلسَ بجانِبهِ وفي تِلْكَ اللحْظةِ دخلَ أحدُ عمَّالِ المزْرعةِ إلى المجْلسِ وبدأَ بالحديثِ مع الجدِّ الذي استمعَ بدوْرِهِ بانتباهٍ إليه. فَهِمَ أحمدُ من الحديثِ أنَّ إحْدى النِّياقِ التي يمْلكُها جدُّهُ مريضةٌ. قامَ الجدُّ بتوجيهِ بعضِ النَّصائحِ عن اللازم لعلاجِ هذه النَّاقةِ. بعدَ ذهابِ العاملِ قالَ أحمدُ لجدِّهِ: جدِّي أنت تعرفُ في كلِّ شيءٍ حتى في علاجِ الحيواناتِ ! ابتسمَ الجدُّ وهو ينظرُ بحنانٍ إلى أحمدَ وقالَ : إنَّها المعرفةُ التي تعلمْتُها من الآباءِ والأجْدادِ، وهكذا من جيلٍ إلى جيلٍ. فنحنُ يا ولدي مارسْنا في الصِّغَرِ رعيَ الإبلِ. ردَّ أحمدُ يا جدي ولكنَّك تحدَّثْتَ مع العاملِ بلغَتِهِ الهنديةِ فكيف تعلَّمْتَها؟ ردَّ الجدُّ. صحيحٌ يابنيَّ لقدْ تعلّمْتُ هذه اللغةَ في شبابي عنْدما كنَّا نسافِرُ إلى بلادِ الهنْدِ للتِّجارةِ. وماذا عن الجامعاتِ في أيَّامِكُم هل كانتْ تعلِّمُكم التِّجارةَ واللغات؟ علا صوتُ الجدِّ بالضَّحِكِ وهو يردِّدُ: لا يا ولدي في أيَّامِنا لمْ تَكُنْ هناك جامعاتٌ ندرسُ فيها، ذُهِلَ أحمدُ منْ ردِّ جدِّهِ سائلاً: ولكنْ كيفَ يا جدي تعرفُ هذه المعارفَ واللغاتِ وأنت لمْ تدْرُسْها؟! ردَّ الجدُّ: لا ولكنّني تعلَّمْتُ القراءةَ والكتابةَ عنْدما كنَّا نحْفظ القرآنَ على يدِ المطوّعِ، أما باقي العلومِ والمعْرفةِ فقد تعلَّمْتُها مـن الحياةِ والسَّفرِ والتِّرْحالِ والقراءة. لمعتْ عيْنا أحمدَ وقالَ : القراءةُ؟!، هل كنتَ تقْرأُ الكتبَ في تلك الأيامِ؟ نعم يا ولدي، لقدْ كنتُ أقْرأُ ما يتوفَّرُ من الكتبِ، ففي أيَّامِنا كانَ الكتابُ شيئاً ثميناً جداً والحصولُ عليهِ صعبٌ، ولكن عنْدما كنتُ أسافرُ للتِّجارةِ أوفِّرُ بعضَ المالِ لشراءِ بضْعةِ كتبٍ، كما كان أصْدقائي من تلـك البلدانِ يُهْدونَني بعضَ النُّسخِ، وهكذا حتى أصبحَ لديَّ مكتبةٌ متواضعةٌ. سألَ أحمدُ جدَّهُ قائلاً: هل كنتَ تملكُ مكتبةً في شبابِك؟. تبسَّم َالجدُّ وقالَ : كنتُ أضعُ كُتُبي في صُنْدوقٍ خشبيٍّ كان هو مكْتبتي، وعنْدما توسَّعَت تِجارتي اشتريْتُ خِزانةً لكُتُبي. بدا أحمدُ في ذُهولٍ وهُـو يستمعُ إلى حديثِ جدِّهِ ومُعاناتِهِ وحِرصِهِ على الحصولِ على تلك الكتبِ. قامَ الجدُّ متّكئاً على عصاهُ متوجِّهاً إلى البيت، وقامَ أحمدُ بتقْريبِ الحذاءِ إلى جدِّهِ الذي يلبسُه متوجِّهاً إلى الغرفةِ الخاصَّةِ به. كانت غرفةً واسعةً وكبيرةً تزْدانُ جدْرانُها بالصُّورِ التَّاريخيَّةِ لبلادِنا الحبيبةِ دولةِ الإماراتِ العربيَّةِ المتَّحدةِ، والرُّفوفِ المحمّلةِ بالكتبِ القيّمةِ والثَّمينةِ. لا تخلو الغرفةُ مـن الأدَواتِ التي كانت تُسْتَعملُ في ذلك الزَّمنِ، وفي إحدى الزَّوايا كانت تحوي مِنْضدةً بها جهازٌ غريبٌ، وجميلُ الشَّكلِ، كان كرْسيَّ الجدِّ موضوع بجانبه، جلس الجدُّ على كرسيِّهِ، وأحمدُ يجولُ في الغرفةِ التي كانت تُشْبِهُ المتحفَ، نظرَ أحمدُ إلى جدِّه وقال: ما هـذا الصُّنْدوقُ، وماذا يحوي؟ نظر الجدُّ إلى حيثُ يُشيرُ أحمدُ وضحِكَ، وقالَ : هذا راديو.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©