الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«صور موشومة» و «بناء الهويات» يطرحان جدل الهوية في العالم المعاصر بأشكال مختلفة

«صور موشومة» و «بناء الهويات» يطرحان جدل الهوية في العالم المعاصر بأشكال مختلفة
13 مايو 2011 22:13
ضمن المعارض المقامة في متحف الشارقة للفنون بمناسبة بينالي الشارقة العاشر الذي يستمر حتى السادس عشر من الشهر الجاري تشارك الفنانة الهاييتية ماري هليين كوفا بمعرض يحمل عنوان “سلسلة صور موشومة ومستمرة منذ 2007”، والفنان الكندي دان برو بمعرض “أنا وأنت.. بناء الهويات” والمعرضان من إنتاج مؤسسة الشارقة للفنون. يطرح المعرضان “الهوية” وجدلها وبناءها في العالم المعاصر بأشكال مختلفة و”أنماط” فكرية متباينة وبما يخص الأفراد غالباً لا الجماعات، فيما عدا ذلك فإن أعمال المعرضين تختلف على جميع المستويات سواء بطريقة طرح “الهوية” وكذلك العمل الفني بناءً وشكلاً وبالتالي المقدرة التعبيرية للعمل عن الموضوع سواء بمستوى التعقيد الذي تظهر عليه الفكرة بحد ذاتها أم بالرموز والعلامات التي تمنحها أعمال كل معرض للناظر إليها كي يكون بوسعه امتلاك أدوات قراءته الخاصة فلا يكون العمل مغلقا تماماً ولا مباشراً ومفتوحاً بالقَدْر نفسه. فإذا كانت ماري هيلين كوفا تطرح جدل “الهوية” ضمن مقاربة تاريخية في إطار فن ما بعد الحداثة، فإن دان برو ينزاح عن هذه التاريخية بالمطلق فيقدم أعمالاً يتوازى فيها الانشغال بالتقنية وأسلوبية الأداء مع فكرة “الهوية” التي تبدو أكثر خفةً تاريخيةً في أعمال برو. تتحدد “الهوية” لدى ماري هيلين كوفا بالانتماء إلى حدّ يبدو للناظر إلى أعمالها أنّ هذا الأمر بالفعل هو ما يشغلها كفنانة ومثقفة. فلقد أثار أمر الانتماء فضولها، فاختارت الوشم على أجساد الرجال والنساء لتقدم ما هو أشبه بالبحث البصري في هذا السياق الذي يبدأ مع رجال العصابات بأوشامهم التي تميزهم عن غيرهم من أفراد العصابات الأخرى في أولى أعمال المعرض. لكن الأمر لا يقف عند هذا الموقف الذي يحدد “الهوية” سلفا أو بأثر رجعي إرادي فردي من قبل الفرد في ممارسته الانتماء إلى جماعة بعينها، إنما يتجاوز ذلك إلى تحديد الأصول والعرقيات والأديان التي تتحدر منها فكرة الانتماء عبر وشم رموز دون سواها قادمة من هذه المنطقة من العالم أو تلك ولا يقتصر تعبيرها على العدوانية أو السلم بل على الاعتداد بهذا الانتماء الذي مرجعيته أيضا جماعية وليست فردية. تذهب ماري هيلين كوفا إلى الصورة الفوتوغرافية في أعمالها المعروضة جميعا. فقد تكون قد رأت الوشم وحفظت شكله المحفور على جسد رجل أو امرأة ثم تركت لمخيلتها وضعا ما لشخصيتها كي تُبرز الوشم على الجسد، أو قد تكون التقطت صور فوتوغرافية بالفعل. غير أنها تنزاح عن ما هو فوتوغرافي إلى تعبيرات فردية لكل شخصية من شخصياتها على حدا، هكذا يمكن للناظر أن يرى دفقا من المشاعر للوجوه والعيون، مع أن الجسد مكتمل تقريباً لكن لا وظيفة له سوى إبراز الوشم. وإلى أعمال دان برو في “أنا وأنت.. بناء الهويات”، فهي لا تستدر كلاماً كثيراً عليها لا لأنها بالفعل عسيرة على مستوى الأسلوب والمادة الخام وطرح الفكرة بشكل عام، بل لأنها تقوم بإحداث قطيعة تامة مع ماضي ما بعد الحداثة أسلوبياً وفكرياً، إذ أن “بناء الهويات” ليس تراكمياً إنما هو راهن ولا تاريخي إلى حدّ أنه يخاطب أفراداً من مستوى ما ومن العارفين بأسرار الأعمال التجهيزية بالرسم التي تنتمي إليها أعمال المعرض. يستخدم براو الرسم بمواد مختلفة على الألمنيوم، حيث من الممكن إدراك الشكل في دلالته الواسعة بعد جهد، لكن الأعمال إذ تشِّع بما هو غير معهود بالنسبة لحاسة البصر وغير مريح بالنسبة للعين أيضاً فإنها تسبب إزعاجاً من نوع ما بحيث أن البعض من الأعمال ليس سهلاً أن يقف المرء طويلاً بإزائها. كأنما دان براو يتقصد ذلك، ليصل بالناظر إلى السطح التصويري بأن “بناء الهويات” عندما تكون ذات طابع فردي في الخطاب ما بعد الحداثي، فإن من العسير فهم طبيعتها إلا بعزل “هوية الأنا” عن “هوية الأنت”. فالأعمال شديدة التركيب وعالية التجريب شكلاً وأسلوباً وخروج على “هوية” العمل التشكيلي حتى بوصفه عملاً ينتمي إلى ما بعد الحداثة. وأخيرا، فإن ما يخرج به المرء من “سلسلة صور موشومة ومستمرة منذ العام 2007” و“أنا وأنت – بناء الهويات” أن مجتمعات ما بعد الحداثة ليست متشظية “الهوية” بالمعنى المطلق للكلمة بل هي مجموعة من “الهويات” التي يشكلها الأفراد ومن الصعب أن تشكل مجتمعةً “هوية جامعة” لمجتمع أو دولة أو أي كيان اجتماعي – ثقافي، بل لكل “هويته” الخاصة به في هذا العصر.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©