الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتعاش الكلاسيكية

انتعاش الكلاسيكية
10 مايو 2012
الدورة الخامسة والستين من مهرجان كان السينمائي التي ستنطلق في الفترة ما بين 16 الى 27 مايو الجاري في إطار إحتفال المهرجان بعيده الخمسين، تستحق الاهتمام، ليس لما تحمله من أفلام ومنافسات وأجواء تشكل حالة سينمائية عالمية خاصة تجتذب إليها اقطاب السينما في الكرة الأرضية، ولكن لأنها تتزامن مع قدوم رئيس فرنسي جديد الى الإليزيه، وهو ما سينعكس قطعا على أجواء الحدث سواء في الجانب الثقافي والفني أو على صعيد نوعية الأفلام والمناقشات وحوار التجارب والحضور النقدي، وأيضا لطغيان الروح الكلاسيكية والعودة الى أيقونة السينما الأمريكية النجمة مارلين مونرو، بعد أن قررت إدارة المهرجان ممثلة برئيسه جيل جاكوب أن تكون فاتنة هوليوود شعارا لها هذا العام. أحمد علي البحيري لماذا يتذكرون مونرو بعد نحو 50 عاما من الغياب (رحلت عام 1962)؟ في الواقع إن عودة الملقبة بأشهر إمرأة في القرن العشرين الى واجهة المهرجان بدأ العام الماضي حينما تمّ إختيار واحد من أهم افلامها للعرض وهو بعنوان: my week with marilyn، والذي كاد أن يحصل على الأوسكار في فئة التمثيل. في تقديري أن إدارة مهرجان عريق مثل كان ليست بتلك السذاجة حينما اتخذت مثل هذا القرار، فالنجوم أحياء كانوا أو أمواتا هم الذين يصنعون نجومية أي حدث، ومارلين مونرو المولودة عام 1926 ليست أي نجمة، فقد كانت ظاهرة سينمائية، ولعبت رمزيتها للأنوثة منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى الآن دورا مهما في جذب أنظار العالم اليها، بمن فيهم نخبة من الرؤساء والملوك وأباطرة المال في العالم. لن نتحدث كثيرا عن تجربة مونرو السينمائية التي بدأت تسطع كنجمة بعد فيلمها الكبير في محتواه ونجومه niagara الذي عرض عام 1953 وقامت فيه بدور "روزي لوميرز"، حيث تمّ إختيارها من قبل بعد سلسلة من الأفلام الناجحة كأفضل ممثلة، وكانت في ذلك الوقت من أكثر الشقراوات قربا من الجمهور. لمن لا يعرف عن مارلين أكثر من انها صورة للشقراء السطحية، فقد درست فن التمثيل في معهد الممثلين في نيويورك، كما أسست شركة سينمائية تحمل إسمها، قامت من خلالها بإنتاج سلسلة من الأفلام الناجحة من بينها:Bus stop, the prence and the show girl وشاركها البطولة الممثل البريطاني السير لورانس أوليفييه، كما نالت عام 1959 جائزة الكرة الذهبية عن فيلمها الذي حمل عنوان: Some like it hot. واليوم وعندما يحتفي مهرجان كان بالنجمة الاميركية، بوضعها شعارا له، فإنه في الواقع يحتفي بتجربة إمرأة كانت وما زالت تتمتع بشعبية عالمية، بإعتبارها جزءا مهما من تاريخ السينما الكلاسيكية، وعنوانا مرادفا للجمال والإحساس وأناقة الصورة، وهو ما سيعكس تأثيرات مختلفة على أروقة الحدث وجذب الجمهور وتوسيع رقعة الحديث عن كلاسيكيات السينما، حيث لم تجد السينما المعاصرة بدا من العودة الى الأصل. وسوف نتابع في إختتام كلاسيكيات المهرجان عرض فيلم "هولوجين" للمخرج الهنغاري جيورجي بالفي الذي يعيد الى الأذهان من جديد سيرة النجمة الفرنسية بريجيت باردو، والنجم الفرنسي آلان ديلون، وبرونو جانز، وجريتا غاربو، وجيلينا ماسينا ، مما يشي بأن الكلاسيكيات لا تزال محافظة على بريقها وتاريخها رغم مرور اكثر من 4 عقود على نتاجاتها التي ما زالت تتمتع بذات الوهج الأول. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ينجح مهرجان نجاحا إستثنائيا مع كل دورة جديدة، مع أن هناك مهرجانات سينمائية عالمية أكبر منه وأكبر من سعفته الذهبية التي يتنافس عليها أكثر من 2000 سينمائي من مختلف أنحاء العالم؟ في الواقع الاجابة عن مثل هذا السؤال ترد في تفاصيل هذه التظاهرة ذات الخصوصية التي منحته هوية منذ إنطلاقته، فهو أولا يملك إدارة من عدد من المتخصصين ممن لهم علاقة حقيقية بصناعة الفكر والثقافة والابداع عموما، وثانيا يبحث المهرجان عن كل جديد ولافت للانظار، ومن ذلك إهتمامه البالغ بمواصفات لجنة التحكيم، وفي دورة هذا العام وقع الاختيار على الممثل والمخرج الايطالي الكبير ناني موريتي صاحب فيلم "أنا مكتفي بذاتي" عام 1976، رئيسا للجنة التحكيم التي ستختار الفائز بالسعفة الذهبية في المنافسة الرسمية، وهو في الواقع واحد من أهم العاملين في مهنة السينما وصناعة الفيلم. فيما تمّ إختيار الممثل الانجليزي تيم روث رئيسا للجنة تحكيم المسابقة المعنية بالافلام ذات الأسلوب والتكنيك المختلف والتي تحمل اسم نظرة ما، كما تم إختيار المخرج البلجيكي جان بيير داردين ليترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة. وكما يبدو فإن خريطة أسماء المحكمين تضم أسماء عالمية، ولا يوجد في قائمتها أي إسم لفرنسي، فليس هناك مجال للمجاملات والنواح على مسألة المحلية، ولهذا يتم إختيار شخصيات سينمائية ذات صلة بالجوائز والتحكيم وبناء نهضة سينمائية عالمية. فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن افلام ناني موريتي تتميز بالحماسية والمعاصرة، كما أن تجربته مع السينما التي تمتد لأكثر من 30 عاما تجعله مؤهلا لحمل رسالة تحكيم مهرجان بحجم كان، فقد تجاوز المهرجان تلك الكواليس التي (تخرّب) المهرجانات التي تريد أن تفشل وأن تهبط إضطراريا دون أن تدري، بل إن بعض المهرجانات العالمية والعربية اعتادت تغليب المجاملات في اختيار الضيوف والنقاد ولجان التحكيم، ما يجعلنا نرسم لمهرجان كان صورة مختلفة للنهضة الثقافية والفنية بما يتوازى مع قيم الجمهور الفرنسي المستمدة أساسا من الثورة الفرنسية بكل حمولاتها. وفي سياق متصل لم تجد إدارة المهرجان غضاضة في اختيار الممثلة الفلسطينية هيام عباس لتضمها الى عضوية لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، فليس هناك ضغوطات تمارس في مهرجان يتمتع بكافة عناصر الشفافية والارتهان للابداع النظيف وحده. ونظرة سريعة على خارطة لجنة التحكيم كاملة ستجد حضورا نوعيا لأسماء مثل: المخرجة الاسكتلندية أندريا أرنولد، والممثلة الالمانية ديان كروغر، والممثل الاسكتلندي ايوان ماكغريغور، والمخرج الاميركي الكسندر باين، والمخرج الهاييتي الأصل راؤول بيك وآخرين، جميعهم ينتمون لصناعة السينما بشكل أو بآخر. في المهرجان ثمة ظاهرة لافتة تتجسد في إفساح المجال لمختلف السينمائيين من فرنسا والعالم بالتواجد والحضور على هامش الحدث من خلال (سوق كان)، وهي سوق بما تحمله الكلمة من معنى، فهي تستقطب أفلاما معاصرة من كافة الاتجاهات والمدارس دونما رقابة خارج المنافسة الرسمية، التي تضم قائمتها 22 فيلما. وتشهد ليلة الافتتاح عرض الفيلم الامريكي "مملكة القمر الطالع" للمخرج ويس أندرسن، يلي ذلك عرض الفيلم الفرنسي "الجلد والعظم" للمخرج الفرنسي جاك أوبار، و"المحركات المقدسة" للفرنسي لوس كاراكس، و"المدينة العالمية" للكندي ديفيد كرونينبرغ، و"ولد الكوتشينة" للأميركي لي دانييلز، و"يقتلهم بلطف" للنيوزلندي أندرو دومينيك، وكذلك الفيلم النمساوي "الحب" للمخرج مايكل هانيكه، وهناك العديد من الافلام التي تقدم نخبة ممتازة من المخرجين العالميين من بينهم: الايطالي ماثيو غاروني، والاسترالي جون هيلكوت، والكوري هونغ سانغ سو، والبريطاني كين لوتش، والاوكراني سيرجي لوزنيتشا، والروماني كريستان مونغيو، والمخرج المصري يسري نصرالله بفيلمه "بعد الموقعة"، والمخرج المكسيكي كارلوس ريفاداس، والدنماركي توماس فينتربيرغ، وأخيرا فيلم المخرج البرازيلي والتر ساليس بعنوان "على الطريق" وأحداثه تنتمي الى ما يعرف إصطرحا بـ(سينما الطريق) وهو من تمثيل فيغو مورتنسن، كريستين دانست، كريستين ستيوارت، وآمي آدامز، ستيف بوشيمي، تيرينس هاورد. من المهم هنا الاشارة الى حضور هذا المخرج العبقري في منافسات كان، فهو أحد مؤسسي مفهوم (سينما الطريق) التي تتخذ من الطريق مسرحا لأحداث الافلام، على نحو فيلمه الذي حقق نجاحا هائلا بعد عرضه عام 2004 بعنوان "مذكرات راكب الدراجة النارية" مصورا من خلاله الرحلة التي قام بها الثائر تشي جيفارا فور تخرجه من كلية الطب والتي قطع خلالها آلاف الأميال بدراجته النارية من الأرجنتين باتجاه أنحاء أميركا اللاتينية، وقد حقق عنه جملة من الجوائز بعد أن وصفه النقاد بالفيلم الطليعي بإمتياز، حيث وضع مخرجه فيه كافة الافكار والقيم والخواطر والمبادئ التي ظللت عقل جيفارا في شبابه لتجعل منه لاحقا رمزا للحرية والعدالة. وينجح المهرجان هذا العام في إستقطاب ألمع نجوم السينما في العالم من بينهم نيكول كيدمان، كاترين دينوف، بروس ويليس، أودري توتو، براد بيت، رايان جوسلينج، ريس ويزرسبون. وربما كان من الضروري في هذا السياق الإشارة الى الحدث الأهم بالنسبة لنا ممثلا في المشاركة العربية في المنافسة الرسمية في المهرجان من خلال فيلم "بعد الموقعة" الذي كان سابقا يحمل إسم "ريم ومحمود وفاطمة" والذي يعيد مصر الى واجهة المنافسات بعد 15 عاما من الغياب، بعد أن سجلت آخر مشاركة عربية بفيلم "المصير" للراحل يوسف شاهين عام 1997. فيلم يسري نصرالله يصور مصر بعد الحراك الشعبي، من خلال أحداث تدور حول ناشطة سياسية تشارك في المظاهرات بميدان التحرير، بعد ذلك تواجه مصاعب ومشكلات في عملها إثر ذلك. الفيلم الذي سبق عرضه في القاهرة قام بتجسيد أحداثه كل من منّة شلبي وباسم سمره وناهد السباعي، وهو نوع جديد من السينما العربية في التواصل مع أحداث الشارع بلقطات حيّة. في الواقع المشاركة العربية في المهرجان لافتة ونوعية ولا تقتصر على السينما في مصر، فهناك مشاركات أخرى في مسابقة ثانية تحمل إسم (نظرة ما) التي تستقطب السينما المغربية من خلال فيلم بعنوان "خيول الجنّة" للمخرج نبيل عيوش، وتتناول أحداثه مفهوم الارهاب في منطقة المغرب العربي، وتحضر السينما الفلسطينية من خلال المخرج إيليا سليمان بفيلمه ذات الانتاج الجماعي بعنوان "سبعة أيام في هافانا". بالطبع فلا تخلو خريطة المهرجان من مشاركات عربية بافلام قصيرة من الاردن وسورية والجزائر، وإن كان ذلك لا يشكل ثقلا مهما على صعيد المنافسات، لكنه يشكل ثقلا من نوع آخر على الصعيد الفكري وإكتساب الخبرات والمهارات والاحتكاك بالسينما العالمية وصناعها، وبذلك هو يعكس حالة ربما تتخطى أكثر من الحضور والتواجد الى الدخول الفعلي الى كادر السينما العربية بقوة وإبداع، على النحو الذي يمكن أن يتشكل من خلال حضور المخرجة المصرية الشابة المقيمة في كندا ريم مرسي بعرض فيلمها القصير الجريء جدا بعنوان "وليمتهم" ضمن مسابقة الافلام القصيرة، حيث تتناول في 20 دقيقة رؤيتها لمصر حينما كانت مجرد وليمة فاخرة لمجموعة من الفاسدين خلال السنوات العشر الأخيرة من تاريخها السياسي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©