الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شفيق آشتي: أنا متشائم وقاسٍ ورمادي الهوى

شفيق آشتي: أنا متشائم وقاسٍ ورمادي الهوى
19 يناير 2006
دمشق ـ عمّار أبو عابد:
الفنان التشكيلي الدكتور شفيق آشتي أستاذ في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، في جعبته ستة عشر معرضاً فردياً ومشتركاً، وتتوزع أعماله في المتاحف ودور الثقافة داخل سوريا وخارجها، وما يميزها هو ذلك المنظور التشاؤمي! وذاك التناقض بين الحار والبارد! بحيث يضعك أمام دهشة حائرة! وهو يعترف أنه متشائم وقاس، وأن ألوانه الرمادية تعبر عن قسوة ما! ورغم ذلك فإن في لوحاته ياسمينة بيضاء تحمل الأمل والصفاء، وحباً محاطاً بأجنحة الملائكة، وتنهدات من أجواء الاكتئاب!
لوحاتي بحث لا ينتهي عن تصورات تشكيلية تخصني
الضغوط التي نتعرض لها كعرب سرُّ قساوتي في اللوحة
ريشتي تتحرك بحرية وعصرنا ليس عصر المدارس
اللوحة التجريدية من الواقع لكنها تسكن بعيداً عنه
في اليمن رسمت الرجال وفي سوريا رسمت النساء
عبر ستة عشر معرضاً لأعمالك، ومسيرة فنية طويلة، ماذا حاولت أن تقول؟ وبأي أسلوب؟
حاولت التعبير عن موضوعات إنسانية تمس الوجدان، وعن البيئة المحلية بتكوينات استوحيتها من البيئة ذاتها، وقد نهجت أسلوباً معيناً يقدم حلولاً تشكيلية جديدة، فلوحاتي بحث لا ينتهي عن تصورات تشكيلية تخصني، لأنني أحاول الابتعاد عما طرح سابقاً·
وما الذي يلح عليك في إبداع اللوحة؟
حالة الإبداع لحظات معروفة، إلا أنني في السنوات الأخيرة، بدأت أشعر بالضغوط كأي مواطن عربي، وكان لذلك تأثيره الكبير على حياتي وأفكاري وأحاسيسي، كما أثر تلقائياً على ظرف الإبداع وشروطه·
صداقة الرمادي
؟ أنت تعبر عن جملة من الموضوعات بتشاؤم، ويغلب على ألوانك الرمادي، فلماذا كل هذا الغضب والتشاؤم؟
أنا ابن منطقة تحوي البازلت الرمادي، لذلك فإن ألواني الحالية تتأثر بما شاهدته وعشته، منذ أن كنت طفلاً، والرماديات لا يمكن أن تبتعد عن لوحاتي، ولا أستطيع الاستغناء عنها، منذ أن بدأت الرسم· كما أن أبناء منطقتي يتميزون بالقساوة، وأنا أعترف بأنني قاسٍ في لوحاتي ومتشائم، لأن أعمالي تعبر عما في داخلي من قساوة!·
هل تقول إن الفرح والتفاؤل معدوم في لوحاتك؟
لا· ليس تماماً، فأنا أضع الأبيض إلى جانب الأسود، حتى ولو كان أصغر منه حجماً، كما أحيط اللوحة بالتنهدات والاكتئاب، وأرسم ياسمينة بيضاء في الداخل، لتعبر عن جمال الأمل، كما أنني أرسم البارد إلى جانب الحار·
؟ وهل حملت كل أعمالك القساوة ذاتها، أم أن هذه القساوة ازدادت مؤخراً؟
؟؟ الرمادي ظل ولم يتغير منذ بداية مسيرتي وحتى الآن، لكن لوحاتي كانت واقعية وبريئة، وفيها طفرات تلقائية وعفوية، لكن القساوة ازدادت في أعمالي بتأثير الضغوط التي نتعرض لها كعرب منذ سنوات·
ظمأ الألوان
؟ متى ترسم؟ وهل تطرح مواضيعك عفوياً، أم أنك تتعمدها؟
؟؟ المواضيع التي أطرقها هادئة بشكل عام، وهي تأتي بأحد دافعين: مباشر، أي تتحدث عن جو ما، أو حادثة تأثرت بها· وهنا تكون الفكرة جاهزة أو عفوية إن شئت· أما الدافع الثاني فهو غير مباشر، حيث ألجأ للرسم بسبب ظمئي للألوان وللرسم، حتى لو لم أمتلك فكرة الموضوع، وهنا تكون عناصر اللوحة موجودة، وهي التي تصنع الأفكار· ويكون جهدي منصباً في التعامل معها لتكون مقنعة·
؟ أحد النقاد قال إنك تضع المشكلات في اللوحة، فبماذا ترد؟
؟؟ الإضاءة والألوان والتقنيات، كلها مشكلات تحتاج إلى حلول، وحين أطرح هذه المشكلات في اللوحة فأنا أضع لها حلولاً وأتوصل إلى قناعة معينة· فاللوحة عندي مجموعة حلول، وكلما كثرت المشكلات تكثر الحلول، وذلك يعني الوصول إلى الشيء النموذجي·
؟ نراك تتجول بين عدة مدارس، من الواقعية إلى التعبيرية فالرمزية والتجريدية، وأحياناً تجمع بينها في عمل واحد، فهل هذا أسلوب جديد يتميز به شفيق آشتي؟
؟؟ عصرنا ليس عصر المدارس، واليوم أصبح كل فنان يعمل على عدة مدارس ويمزج بينها، وأنا أترك لريشتي حرية الحركة بعفوية· وهذا ليس أسلوبي وحدي، فالأستاذ فاتح المدرس كان يرسم التجريدي، لكننا نرى في لوحاته وجه الفلاحة بأسلوب تعبيري واقعي، أي تعبيري بالألوان وواقعية بسيطة بالخطوط المعبرة·
؟ لكننا نرى في أعمالك الأخيرة أنك تنطلق من التعبيرية الواقعية إلى التجريدية، رغم اختلاف المدرستين، فأين استقرت ريشتك؟
؟؟ إن اللوحة التجريدية هي من الواقع، لكنها تسكن بعيداً عنه، وأحياناً تقوم الإيحاءات والإيماءات بتقريب المسافة بينهما، فتمنح اللوحة الحيوية التي تحرك إحساس المتلقي من الداخل، ونحن عندما ننظر للوحة واقعية فيها بورتريه وحلي وألوان منطقية نقول: إنها جميلة، ثم نتوقف عن المشاهدة· أما اللوحة التجريدية فتعطينا اندفاعاً لفك الغموض وللتفاعل مع اللوحة·
حقوق الحيوان
؟ نرى في بعض أعمالك حيوانات أليفة تقف إلى جانب الإنسان وتتحاور معه، فماذا قصدت أن تقول؟
؟؟ رموزي أحياء واقعيون، يتكلمون ويفكرون ويشعرون، ومن هؤلاء القطة والكلب والدلفين، وسبب اختياري لهذه الحيوانات هو المطالبة بحقوقها، ولأبين أهميتها في حياتنا، وهي في جميع الحالات تعبير عن الجمال والبراءة·
؟ لماذا أنت بعيد عن رسم الطبيعة؟
؟؟ عبرت عن البيئة برسم الحضارات القديمة، فرسمت الشكل المعماري في تدمر ومدرج بصرى، وهي غالباً ما كانت توجد في خلفيات لوحاتي· أما بالنسبة للمنظر الطبيعي الصرف، فقد كان هناك استثناء وحيد، إذ رسمت الطبيعة الروسية المذهلة، وعرضت أعمالي عنها في المركز الثقافي الروسي بدمشق·
؟ أثناء عملك في اليمن لتأسيس قسم التربية الفنية في جامعة (ذمار) لوحظ أنك ركزت على رسم الرجال دون النساء في لوحاتك، لماذا؟
؟؟ في اليمن رسمت الرجال، لأن أشكالهم شدتني، فهم هزيلون وسمر البشرة، ورأيت القساوة في لباسهم وحركاتهم اليومية ونحولهم·
؟ وفي سوريا، أنت ترسم المرأة دائماً؟
؟؟ هنا رسمت المرأة، لأن نموذجها يعجبني، وعلى الرغم من أنها في لوحاتي سمراء، إلا أن العديد يعتقدون أنها أوروبية، وهي ليست كذلك· وبغض النظر عن جنسيتها، فأنا أحب رسم هذا النموذج من النساء·
؟ وما الفرق بين رسم الرجال ورسم النساء؟
؟؟ المرأة تزيد من أنوثة اللوحة، والرجل يعبر عن المواضيع القاسية والعنيفة، ولكننا نجد الفنانين يرسمون النساء في لوحاتهم أكثر من الرجال، ولا أعلم لماذا ذلك! ربما لأن المرأة تعبر عن الجمال·
بين الغموض والوضوح
؟ أحياناً تكون رسوماتك واضحة، وأحياناً تأتي مبهمة، فأيهما يفضل شفيق آشتى؟
؟؟ هذا يعود إلى حالتي النفسية، وبحسب ذلك يأتي المضمون مباشراً واضحاً أو مبهماً يحوي ألغازاً وأسراراً، وتتداخل فيه الأشكال ليفسر كل متلق بحسب رؤيته الذاتية· لكني شخصياً أفضل اللوحة التي أكون مرتاحاً برسمها، وهي المباشرة والمحددة·
؟ حصلت على شهادة الدكتوراة في فلسفة العلوم الفنية من جامعة بطرسبرغ، فما الذي غيرته الدراسة الأكاديمية العليا في أسلوبك الفني؟
؟؟ في سوريا تعلمت أساسيات فن الرسم على أيدي أساتذة مرموقين كفاتح المدرس ونصير شورى، وهؤلاء الأساتذة صقلوا موهبتنا، لكني عندما ذهبت إلى روسيا وجدت ظروفاً أكاديمية مختلفة، ومتطورة كثيراً· كما لاحظت طرقاً أفضل للتعليم، وإمكانيات أكبر في تصرفه· لكني أشهد أن تلك الأكاديمية كانت قاسية جداً مع طلابها، فنحن الآن وبعد تخرجنا بسنوات مازلنا نجد صعوبة في التحرر من الأسلوب الأكاديمي!
؟ ماذا تعني بالقسوة هنا؟
؟؟ روسيا واقعية فنياً· وطريقة الرسم في الأكاديميات صعبة، وتفاصيل التشريح الفني فيها قوية جداً ودقيقة وصارمة، وهذا ما قصدته بالقسوة، ذلك أني أحاول حتى الآن الهروب من الأسلوب الأكاديمي للعودة إلى أسلوبي الخاص·
؟ هل نقلت بعضاً مما تعلمته في بطرسبورغ إلى كلية الفنون بدمشق؟
؟؟ حاولت· لكني لم أستطع تغيير شيء، فالإمكانيات ضعيفة والاستجابة بطيئة، وأي خطوة أقترحها تظل في طور التداول حتى تموت!·
؟ وماذا نتوقع من الدكتور الفنان شفيق آشتى الآن؟
؟؟ أحاول دائماً وبشكل مستمر تقديم صورة جديدة عن أعمالي، وأنا أبحث عن كل جديد ومختلف الآن·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©