الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بئر علي.. تاريخ وجغرافيا في كهوف النسيان

بئر علي.. تاريخ وجغرافيا في كهوف النسيان
24 سبتمبر 2016 19:31
علي سالم بن يحيى (شبوة) تتميز مدينة بئر علي الساحلية في محافظة شبوة، بالطبيعة الخلابة والرمال الذهبية الناعمة على طول ساحلها، وبما حباها به الله من مواقع سياحية كثيرة شاهدة على عبق التاريخ القديم والحديث، ففيها ميناء قنا التاريخي، وحصن الغراب، وبحيرة شوران والحلانية، وعدد آخر من الجزر البحرية كانت في وقت سابق قبلة ومزاراً للعديد من السياح من شتى بلدان العالم. يحلو للبعض تسميتها «بوابة شبوة الاقتصادية» لموقعها ومكانتها الاقتصادية والسياحية ، لكنها لم تجد من يتعامل معها بما تستحق، وقيل عنها «جوهرة بيد فحام»، إذ لم تجد الاهتمام اللائق بها من السلطات المسؤولة المتعاقبة على المحافظة . اتسمت هذه المدينة بالهدوء والسكينة، ويتميز مواطنوها بالمدّنية والحضارة وروح التعايش السلمي، ولم يعرف الطابع القبلي طريقاً إلى قلب المواطنين فيها الذين يشتغل جلهم في مجال صيد الأسماك الذي ارتبطوا به منذ القدم لإعالة أسرهم، حيث تشتهر بئر علي بكثرة الأسماك وتنوعها وجودتها. يقول جاسم الرويشان الخليفي، مدير عام مكتب السياحة بمحافظة شبوة لـ «الاتحاد» عن بئر علي ومينائها: «هذه المدينة هي الواجهة الساحلية الشرقية، تربط محافظة شبوة بمحافظة حضرموت، ويوجد بها عدد من الاستثمارات في المجال السمكي والسياحي، وبهذه المدينة يقع ميناء قنا التاريخي، ويتكون قنا من الميناء، وحصن أقيم على قمة الجبل الذي يعلوها من الجهة الجنوبية الشرقية، أطلقت عليه النقوش اسم «عر مويت»، وكلمة عر تعني جبل، أما اسم قنا فقد جاء في النقوش القديمة بصيغة «ق ن أ»، إلا أن الاسم الذي يطغى حالياً على ذلك الميناء هو «بير علي» نسبة لقرية «بئر علي» التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة قنا، والتي تبعد عنها بحوالي 3 كيلو مترات. كان قنا الميناء الرئيس لمملكة حضرموت، خصوصاً في النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد، وكان ينقل منه البخور واللبان عن طريق البر إلى دول البحر الأبيض المتوسط بواسطة القوافل وعن طريق البحر في الفترات المتأخرة، وكانت تنقل إليه توابل الهند وسلع شرق أفريقيا، وكان أفضل موانئ الجزيرة العربية بعد عدن». مركز تجاري دوليويضيف الخليفي: «كانت المدينة تضم ثقافات مختلفة لأقوام جاؤوا من مختلف أرجاء المعمورة ليمارسوا التجارة، ونستطيع أن نتصور من ذلك أنها كانت تمثل أقدم سوق حرة في العالم القديم. ظل ميناء قنا محافظاً على أهميته في التجارة البحرية كمركز تجاري دولي إلى أن تغيرت خطوط طرق التجارة البحرية والبرية وهبوط الطلب على سلعة اللبان في القرنين السابع والثامن الميلاديين، فأخذت أهميته تتراجع تدريجياً كميناء، وحل مكانه ميناء الشحر بمحافظة حضرموت». وعن حصن الغراب، يقول مدير عام مكتب السياحة: «تم اكتشافه - بحسب مؤرخين - في صباح السادس عشر من شهر مايو عام 1834م، ألقى بحارة السفينة الإنجليزية «بالينورس» المرساة في ممر ضيق قصير مغلق من أحد جانبيه بجزيرة منخفضة، ومن الجانب الآخر بصخرة قائمة وعرة عليها بقايا حصن قديم، وقال لهم البحار العربي المرافق للبحارة الإنجليز، إن هذا المكان هو «حصن الغراب»، وكان البحارة الإنجليز ثلاثة هم: «ولستد»، و«هاملتن»، و«كروتندن»، فقد أوكل إليهم القبطان «هينس» الذي استولى على عدن عام 1839م مهمة استكشاف الساحل الجنوبي للجزيرة العربية، ولكن البحارة تمادوا في مهمتهم إلى البحث عن المواقع الأثرية والنقوش، وفي الطريق الصاعد إلى قمة جبل حصن الغراب عُثر فيه على كتابة أثرية، ووجدوا على القمة بيوتاً وجدراناً وصهريجاً «كريفاً» للماء وبقايا تحصينات، وعلى الأجزاء البارزة من القمة كانت تقوم عليها أبراج ضخمة مربعة الشكل تتجه للبحر، ومن ذلك تبين لأولئك البحارة أنها كانت عبارة عن حصن«قلعة» تحمي الميناء من جهة البحر، ذلك هو ملخص لقصة اكتشاف آثار حصن الغراب». تنوع بيولوجي نادرووفقاً لمحمد أحمد السدلة، مدير عام فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بمحافظة شبوة، فإن بئر علي الساحلية من أهم المناطق الاقتصادية اليوم في اليمن عموماً والجنوب خصوصاً، فهي تضم أكبر منشأة اقتصادية باليمن «ميناء بلحاف لتصدير الغاز المسال»، وهي بهذه الأهمية الاقتصادية الكبيرة تعيدنا إلى مجدها الغابر في التاريخ القديم، حيث كان يقع بهذه المنطقة الساحلية أهم ميناء بحري في جزيرة العرب وهو ميناء التاريخي الذي بدأ نشاطه في القرن الثاني قبل الميلاد، ولعب دوراً كبيراً في اقتصادات الممالك اليمنية القديمة. ويعد مشروع الغاز الطبيعي المسال أكبر مشروع اقتصادي في تاريخ اليمن الحديث، وبه وضع اليمن أقدامه بنادي الدول المصدرة للغاز الطبيعي بالعالم، وبلغت كلفته 4,5 مليار دولار. وعن حال بئر علي اليوم، يقول مدير عام فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بمحافظة شبوة: « تعد منطقة بئر علي اليوم من أهم المناطق السياحية، وتمتلك تنوعاً بيولوجياً بحرياً نادراً، حيث إن سواحلها غنية بالشعب المرجانية ومجتمعات الشعب المرجانية، هذا ما كشفته دراسات علمية حديثة ، كما تشتهر بئر علي بوجود بئر «برهوت» أو بحيرة «شوران» تلك الفوهة البركانية المذهلة». ويعتقد أن انفجاراً بركانياً قد تعرضت له هذه المنطقة قديماً في الأزمنة الجيولوجية السحيقة، نتج عنها التشكيل التضاريسي الخلاب الذي جعلها آية في الجمال الأخاذ، فهنا يلتقي طرف هذه البحيرة عبر برزخ صغير مع مياه البحر العربي، بينما يحيط بها الجبل من كل الجهات، وتنتشر أشجار المنجروف بشكل حلزوني». وبحسب مجلة «بيئتنا» الصادرة عن الهيئة العامة للبيئة في دولة الكويت، فالبحيرة عبارة عن فوهة بركان خامد، هذه الفوهة عريضة تقع في أعماق جبل ضخم على ارتفاع شاهق يتطلب بلوغ قمته للإطلالة على البحيرة اجتياز مسافة تقدر بحوالي 200م، بخطوات تحكمها الخفة والمهارة المقرونة بالتأني والحذر، وما أن تصل إلى أعالي الجبل وأنفاسك تكاد أن تنقطع حتى تفاجأ بمشهد البحيرة الهادئة التي تتناثر على ضفتيها نباتات وأشجار لا تبدو مألوفة، مياهها لا تشبه على الإطلاق مياه البحر، فمياه بحيرة شوران كبريتية، والأشجار المحيطة بالبحيرة لا يوجد لها مثيل في الحجم والشكل، فكأنها لوحة خضراء ممتدة من أشجار السيبسان، والمياه المكونة للبحيرة مصدرها خليط من مياه البحر العربي والأمطار، ويعزى اللون الزمردي للبحيرة إلى المخلفات الكبريتية والعضوية والعوالق والطحالب وفتات أشجار المنجروف، وهي أشجار استوائية تتجدد جذورها من أفرعها وهي واسعة الانتشار في أميركا الجنوبية ولها استخدامات في إنتاج الوقود. معاناة وهموم بشيء من الأسى، يواصل الشاب يسلم الحفشاء الحديث عن مدينة بئر علي معدداً الكثير من النواقص والاحتياجات الضرورية لمدينة حبلى بالثروات: «ما ينقص هذه المدينة أنها مهملة ومنسية، ولم تحظ بأي مشروع خدمي أو تنموي من قبل الحكومات المتعاقبة»، مواصلاً سرد معاناتها: «بئر علي مدينة بدأت في التوسع والتكاثر السكاني، وهي تحتل أهمية اقتصادية، وتعد المرفأ الأول في محافظة شبوة، غير أنها تعاني معاناة كبيرة من جراء حرمانها من العديد من الخدمات التنموية، فالمدينة يوجد بها مشروع مياه متهالك، أنابيبه تالفة، لا تصل الماء إلى منازل الأهالي لسد احتياجاتهم من المياه، وفي الجانب الصحي توجد وحدة صحية تفتقر إلى الأدوية والأجهزة الطبية، وفي الجانب التعليمي تحتاج المدينة إلى مدرسة للبنات، وكذلك إضافة صفوف لمدرسة البنين، كما تفتقد المدينة إلى أعمال النظافة والتحسين، رغم وجود سيارتين إلا أن المشكلة عدم اعتماد مخصص للنظافة، لذا تجد أكواماً من القمامة والمخلفات المكدسة في أماكن مختلفة من المدينة التي تحولت من مدينة ساحلية سياحية جميلة إلى مدينة تكتظ بكل الصور السلبية وغير الجمالية . وطالب الحفشاء بإصلاح شبكة المياه المتهالكة، وإنشاء خزان لتوفير المياه، وكذلك تطوير الوحدة الصحية وتوفير الأدوية والأجهزة الطبية، والدعوة لتبني حملات لمكافحة البعوض المنتشر بكثرة فيها، كما أنها تفتقر إلى مشروع للصرف الصحي رغم الحاجة الملحة لها». وتفتقد المدينة للعديد من الخدمات، رغم وجودها بالقرب من ميناء تصدير الغاز الطبيعي المسال، حيث أنها لم تنل استفادة حقيقة من هذا المشروع الحيوي بحسب العديد من الأهالي، وعلى العكس تماماً هناك أضرار بيئية وصحية على سكان المدينة، ومن المفترض أن تتحمل الشركات العاملة إقامة كل المشاريع التنموية والحيوية التي يحتاج إليها أهالي بئر علي. وتشتهر مدينة بئر علي بالصيد الوفير من الأسماك، حيث يتوافد إليها مئات القوارب وأفواج الصيادين من كل حدب وصوب، غير أن الصيادين يشكون من أن وضع الصيد لم يعد على ما يرام نتيجة عدد من الأخطار التي تواجههم، خاصة أعمال القرصنة التي وصل ضررها إلى صيادي المنطقة، كما يشكو البعض من بعض القوارب والشركات الأجنبية التي تعبث بمراعي الصيد في مناطق الاصطياد. ويقول الصياد علي محمد، والحسرة تملأ وجهه: « بئر علي مرفأ ومركز صيد لا يستهان به على مستوى اليمن، ولك أن ترى هذه الجموع الغفيرة من الصيادين ليسوا من أبناء المنطقة وإنما من جميع المحافظات، يتوافدون إلى بئر علي لممارسة الصيد، باعتبار أن سواحلها والمناطق المجاورة لها من أغنى مناطق الثروة السمكية، مبيناً المشكلة الحقيقية التي يعاني منها جل الصيادين في المنطقة والتي تكمن في عدم وجود حماية أمنية للاصطياد، حيث يعاني معظم الصيادين تدني مستوى الإنتاج السمكي الملحوظ، والذي يزداد عاماً بعد عام ، مشيراً إلى عدد من الأسباب التي تقف وراء ذلك التدني، أهمها استخدام بعض الصيادين طرقاً ووسائل اصطياد جديدة مخالفة وغير قانونية تضر بالثروة السمكية، وللأسف الشديد يتم العمل بها تحت حماية بعض من أفراد القبائل، وكذا بعض من الصيادين ضعاف النفوس، كما يشكو بعض الصيادين من ارتفاع أسعار المحروقات ومعدات ووسائل الصيد، وأن أكثر ما ضاعف قلة الإنتاج تسرب الديزل إلى مياه البحر، إضافة إلي الأضرار الناتجة عن ميناء تصدير الغاز والذي يشغل مساحات شاسعة من أماكن الصيد المهمة. إعادة النظروناشد المواطن عوض سالم السلطة المحلية بمحافظة شبوة والمنظمات الدولية وإدارة مشروع الغاز الطبيعي بالحاف، إعادة النظر في الوضع المأساوي الذي يعيشه صيادو بئر علي، وإيلائهم ما يستحقوه من رعاية واهتمام. ويؤكد الناشط سعيد جعفوس، أهمية بئر علي المتعددة، مشيراً في حديثه لـ «الاتحاد» إلى أنه يوجد فيها أيضاً ميناء «المجدحة» الذي إذا أحسنت الدولة استخدامه وقامت بتطويره، سيغني تجار شبوة ومواطنيها عن ميناءي عدن والمكلا، وسيعود بمردود مالي كبير للدولة، داعياً في الإطار ذاته إلى الاهتمام بالإنتاج المحلي لصيد الأسماك، والذي سيحل الكثير من مشكلات الأهالي، وستنتهي معه قصة الشباب العاطلين عن العمل. وأشار جعفوس إلى عدم إعطاء السلطات المعنية بئر علي شيئاً من الاهتمام، مع أن الاهتمام بها سيعود بالنفع على المحافظة بشكل خاص والوطن بشكل عام، مبيناً عدم تركيز الدولة على تطوير البنية التحتية والخدمية والعديد من مقومات الحياة في بئر علي بصورة لافتة ، فهي تعاني من عدم وجود المياه الصالحة للشرب، والمشروع الذي قامت بتمويله الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، لم يكن ملبياً لاحتياجات المواطنين على الرغم من المبلغ المالي الضخم الذي دفعته الشركة من أجل هذا المشروع، كذلك هي بحاجة إلى خدمات الاتصالات، وغيرها الكثير في المجالات الأخرى، كما أن البطالة وعدم الاهتمام بالشباب وخلق فرص عمل لتيسير حياتهم المعيشية، أمر مهم تعانيه هذه المدينة. ورغم كل ذلك تظل مدينة بئر علي الجوهرة المطلة على البحر العربي ورحيق الشهد، وآية الجمال، قد تعجز الكلمات عن وصفها، لأنها بئر علي المدينة الاستثنائية والجغرافيا الاستثنائية والتاريخ الاستثنائي.. ويعرب أهلها عن تمنياتهم في أن تستتب الأوضاع وتنتهي الحرب العبثية التي أشعلتها مليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع، حتى تحقق الحكومة الشرعية طموحات أهالي المنطقة وآمالهم ، والمتمثلة في حياة كريمة وتنمية شاملة . بعيداً عن أطلال التاريخ يقول لـ «الاتحاد» الشاب يسلم الحفشاء عن بئر علي: «هي ذات طبيعة خلابة تجذب إحساس الزائرين لها، لتميز شواطئها بالرمال الذهبية الناعمة على طول ساحلها»، واستطرد في وصف روعة هذه المدينة الغاية في الجمال ساحرة المكان والزمان بقوله :«لن تستطيع الأحرف أن تتناسق لكي تعطي كلمات منمقة بجُمل تبين حقيقة وروعة هذه المدينة بمكانتها وموقعها الذي وهبه الله لها ولمن يسكنها من الناس الطيبين، فبئر علي جوهرة البحر العربي، مدينة تطل على البحر العربي والمحيط الهندي، وتقع إدارياً ضمن مديرية رضوم بمحافظة شبوة، وهي مركز جذب سياحي، نظراً لما تمتاز به من عوامل طبيعية متعددة من شواطئ رائعة ورمال ذهبية ساحرة، إضافة إلى كنوزها التاريخية المتمثلة في حصن الغراب وبحيرة شوران البركانية وميناء قنا التاريخي وجزرها الأسطورية، والتي كانت تقصدها أفواج من السياح الأجانب في الماضي. ويستغرب الحفشاء من التجاهل الكبير من قبل السلطات المتعاقبة لمدينة بئر علي رغم مزاياها الطبيعة الجمالية، حيث أنها لاتزال تعاني وطأة التهميش والحرمان طلية عقود من زمن».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©