الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام.. ومحاربـة الأميـة

الإسلام.. ومحاربـة الأميـة
13 يناير 2011 20:14
وافق يوم السبت الماضي «اليوم العربي لمحو الأمية»، والذي يأتي في الثامن من شهر يناير في كل عام، ونحن في كل مناسبة نبين وجهة نظر الإسلام كي يكون القارئ الكريم على بينة من أمره، فمن المعلوم أن أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (سورة العلق الآيات 1- 5)، وكانت السورة الثانية في ترتيب نزول القرآن الكريم {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (سورة القلم الآية 1)، وفي ذلك إشارة واضحة على حث الإسلام أتباعه على القراءة والكتابة، كما أن رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- كان أول من شجع على محاربة الأمية والقضاء عليها، حيث أطلق الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- سراح أسرى بدر مقابل تعليمهم عدداً من أبناء المسلمين القراءة والكتابة. ومن المؤسف أن نجد في هذه الأيام نسبة الأمية في العالم العربي تصل إلى ثلاثين في المائة، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بالدول الأخرى، مع العلم أن ديننا الإسلامي قد أعلن حرباً شعواء على الأمية ودعا أبناءه إلى طلب العلم، فأول كلمة في الوحي الإلهي في القرآن الكريم هي لفظ «اقرأ»، وبالرغم من أن محمداً- صلى الله عليه وسلم- كان أمياً حين نزول الوحي، إلا أنه امتثل للأمر الرباني فكلّف أصحابه بالقراءة والكتابة، كما ودعا إلى وجوب تعليم الأبناء والبنات، فقال- صلى الله عليه وسلم- (طلب العلم فريضة على كل مسلم)(أخرجه أصحاب السنن). وسار الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- على هدي نبيهم- صلى الله عليه وسلم- فاجتهدوا في تعلم القراءة والكتابة وطلب العلم في مختلف المجالات. فهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كان يتناوب مع أخ له في الإسلام مجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لتحصيل العلم كما يتناوبان السعي وراء الرزق، فإذا كان آخر اليوم اشتركا فيما حصله كل منهما من علم أو مال، وعلى هذا المنهج درج المسلمون في عهد السلف الصالح، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من مجد وسؤدد بفضل ما تعلموه من علوم الإسلام التي كانت تبصرهم بشؤون دينهم ودنياهم. فقد روت كتب السيرة والتاريخ أن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- رحل مسيرة شهر إلى مدينة العريش في مصر ليكتسب حديثاً واحداً من عبدالله بن أنيس-رضي الله عنه-، كما ورحل الإمام أحمد شهرين كاملين من بغداد إلى صنعاء ليأخذ عشرة أحاديث، كما وذكرت كتب الحديث أن الإمام أحمد -رضي الله عنه- بقي يجمع مسنده منذ طلبه للحديث الشريف وحتى وفاته- رحمه الله-، لم يهدأ له بال ولم يرتح له خاطر حتى أتمه، دخل مصر والعراق والشام وخراسان والحجاز وصنعاء، وجمّع مسنده حديثاً حديثاً، وبحث في الأسانيد والعِلَل والطرق. كما وروي أن عبدالله بن المبارك، وقف مع شيخه من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر يُسائله حتى فصل بينهما المؤذن، فقال له تلاميذه: لو أنك أرَحْت نفسك؟ قال: والله لو وقفت شهراً كاملاً في مسألة ما أنصفتها! وعند دراستنا للمراجع الفقهية والتاريخية، فإننا نجد أن عدداً كبيراً من العلماء المسلمين قد برعوا في مجال التأليف والكتابة في شتى المجالات، رغم ظروفهم القاسية وأحوالهم الصعبة، حيث كانوا يغتنمون جميع أوقاتهم في البحث والدراسة، فقد ألف الإمام السرخسي كتابه الشهير «المبسوط» خمسة عشر مجلداً، رغم أنه محبوس في الجُبِّ!، وكتب الإمام ابن القيم كتابه «زاد المعاد» وهو مسافر! كما وشرح الإمام القرطبي «صحيح مسلم»، وهو على ظهر السفينة!، وجُلُّ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية كتبها وهو محبوسٌ!، كما نبغ عدد كبير من علماء المسلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة فألفوا المجلدات خدمة لدين الله، فمنهم على سبيل المثال: الإمام محمد بن عيسى الترمذي صاحب كتاب السنن، وهو من أشهر علماء الحديث وكان ضريراً، وكذلك الإمام الأعمش شيخ المحدثين، كان أعمش العينيين، والإمام قالون أحد أشهر أئمة القراءات كان رجلاً أصم لا يسمع، وعطاء بن أبي رباح الفقيه المعروف الذي كان ينادى عنه في موسم الحج «لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح»، حيث حدّث أحد خلفاء بني أمية أبناءه عنه قائلاً: يا أبنائي تعلموا العلم فو الله ما ذللت عند أحد إلا هذا، عطاء بن أبي رباح كان رجلاً يصفه الذين ترجموا له بأنه كان أسود، أفطس، أعرج، أشل، وكذلك ابن الأثير صاحب الأصول كان مصاباً بمرض في ركبته ولم يستطع الأطبّاء معالجته، فقال لهم: دعوني إنني لما أصبت بهذه العاهة ألفّت جامع الأصول، ويتكون من أحد عشر مجلداً، وكذلك النهاية في غريب الحديث ويتكوّن من أربعة مجلدات، لقد كتب-رحمه الله- هذه المراجع العلميّة وهو مقعد لا يستطيع القيام، وكذلك سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز الذي كان الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية –رحمه الله– فقد كان فاقداً للبصر، إلا أنه كان علماً من أعلام الشريعة، وإماماً من الأئمة المجتهدين، وله عدد من المؤلفات، وغير هؤلاء كثيرون، رحمة الله عليهم جميعاً. هذه حال سلفنا الصالح، فما حالنا نحن اليوم؟! أين دور أبناء الأمة الإسلامية الذين أنزلت عليهم سورة الحديد؟{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}(سورة الحديد، الآية 25)، وأين دور علماء الأمة من الابتكارات والاختراعات العلمية في شتى المجالات؟ وما دورنا في التقدم العلمي وغزو الفضاء؟!. ونحن هنا نوجه نداء لأبناء الأمتين العربية والإسلامية بضرورة المسارعة في تحصيل العلوم والمعارف المختلفة، حتى يخرجوا من حالة الضعف التي نخرت عظامهم، والوهن الذي أضاع مجدهم. إن ما تشهده دولة الإمارات العربية المتحدة من نهضة علمية ليدل دلالة واضحة على مدى حرص ولاة الأمر في الدولة على مواكبة التقدم العلمي العالمي في شتى المجالات، حيث نرى الجامعات في مختلف التخصصات العلمية والأدبية والتكنولوجية منتشرة في جميع إمارات الدولة، وكذلك المعاهد العلمية، والمستشفيات والمراكز الصحية، وكذلك جمعيات ومراكز تحفيظ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المنتشرة في أرجاء دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك مراكز محو الأمية وتعليم المعاقين، والأخذ بأيديهم إلى حياة كريمة طيبة. إن الإسلام منذ أن أشرقت شمسه، كان ثورة على الجهل، ودعوة إلى القراءة والدراسة والعلم، فالإسلام دين لا يحمله إلا أمة واعية متعلمة، والله تعالى هو الذي خلق، وهو الذي علّم، فالعلم يحتاج إلى التواضع والسكينة، والمواظبة والجد والاجتهاد، وهذه هي حال الصحابة الكرام- رضوان الله عليهم أجمعين- مع الحبيب- صلى الله عليه وسلم. ومن تقدير الإسلام للعلم والعلماء قوله- صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها» (أخرجه البخاري)، فالإسلام يرغب أتباعه بضرورة الحرص على الدراسة والتعلم، حيث يقول -عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة»(أخرجه مسلم)، كما ووردت أحاديث شريفة تبين فضل العلماء ومكانتهم فيقول-عليه الصلاة والسلام: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض وحتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير» (أخرجه الترمذي). جعلنا الله وإياكم ممن يتعلمون فيعملون. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©