الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهند: التضييق على دعاوى «المصلحة العامة»!

26 يوليو 2010 22:47
يعتبر "فيفيك بايد"، من الناحية المهنية، أحد مزارعي المانجو في هذه المنطقة اليانعة الخضرة الهاجعة في أحضان المحيط، التي تكثر فيها أشجار الفاكهة من كل صنف ولون. ولكن بالإضافة إلى مهنته هذه، فقد احترف أيضاً مهنة أخرى خلال السنوات القليلة الماضية هي الدفاع عن حقوق مجتمعه المحلي، وذلك عندما بدأت شركة كبيرة تفكر في بناء محطات كهربائية في مكان قريب من مزرعته. وخوفاً من أن يؤدي الدخان المتصاعد من تلك المحطات -عندما تبدأ العمل- إلى التأثير على محصوله، دبج "بايد" عدداً لا حصر له من الرسائل والعرائض والشكاوى للمسؤولين والسياسيين الممثلين للولاية التي تتبعها القرية في المجالس المحلية، يطلب فيها إيقاف بناء المشروع، وعندما لم تجدِ هذه الوسائل نفعاً، اضطر أخيراً إلى تجريب السلاح الذي يلجأ إليه المواطنون الهنود العاديون في مثل هذه الحالات وهو رفع دعوى "مصلحة عمومية" لإجبار أصحاب المشروع على تأجيل بنائه بقوة القانون. "أنا مواطن عادي. وليس أمامي من وسيلة للاعتراض على أية قرارات تؤثر عليَّ بالسلب، ويتم اتخاذها في مستويات عليا، سوى اللجوء إلى القانون دفاعاً عن حقوقي" -هذا ما يقوله "بايد" البالغ من العمر 47 عاماً. وخلال العقدين الآخرين، رُفعت في الهند الآلاف من قضايا "المصلحة العامة" ضد الحكومة الهندية، والشركات الكبيرة، التي تتولى إنشاء مشروعات بالغة الضخامة على أراضٍ زراعية، أو بالقرب منها، على أساس أن تلك المشروعات تؤثر على أرزاق المواطنين، كما تصيب البيئة المحلية بأفدح الأضرار. وهذه الدعاوى المرفوعة أسفرت، مرات عديدة، عن صدور أحكام شهيرة في قضايا تتعلق بالتعليم، والبيئة، وحقوق الإنسـان في الهند. ولكن المشكلة هي أن عدد هذا النوع من القضايا قد تزايد على نحو دراماتيكي خلال السنوات الأخيرة، وهو ما شكل ضغطاً على النظام القضائي الهندي، الذي أصبح يئن من كثرة عدد القضايا المرفوعة من ناحية، وأدى من ناحية أخرى إلى تأخير بناء العشرات من المشروعات المهمة، مثل محطات الطاقة الكهربائية، ومحطات الصرف الصحي، ومشروعات التعدين، وخطط تحديث المطارات، وغير ذلك من المشروعات، التي تحتاجها التنمية، ويفرضها بصورة ماسة التوسع الاقتصادي في الهند، كما يقول المسؤولون الحكوميون. من هؤلاء المسؤولين "كمال ناث" وزير المواصلات الهندي، الذي يحتج على تفاقم هذه الظاهرة بقوله: "قولوا لي من أعطى الحق لهؤلاء الأشخاص الذين يعينون أنفسهم كممثلين عن أبناء مناطقهم كي يحتجوا بالنيابة عنهم ويرفعوا القضايا للتعبير عن شكاواهم، كما يقولون، في حين أن الحقيقة هي أن نصف عدد القضايا المرفوعة سببها المنافسات والحزازات أو النظرة الشخصية الضيقة؟". وقد أعلنت الحكومة الهندية في شهر يونيو الماضي عن سياسة جديدة تهدف إلى تقليص عدد القضايا المرفوعة، تتضمن فرض معايير مشددة للإثباتات والأدلة، يجب على كل من يتقدم بشكوى أن يلتزم بها، مع فرض غرامة باهظة على كل من يقوم برفع قضية "مصلحة عمومية" ضد مشروع من المشروعات المهمة ينتج عنها تعطيل هذا المشروع أو تأجيله، ثم يتم رفض الدعوى المرفوعة في نهاية المطاف. وعند تقديمه لمشروع هذا القانون في البرلمان، قال وزير العدل الهندي "إم فيرابا مويلي" بعبارات حازمة: "يجب ألا نتردد في كشف القضايا الزائفة". ولكن الناشطين من ناحيتهم يرون أن مشروع القانون هذا يمثل نكسة لحركتهم، التي سمحت للمواطنين بتحدي لامبالاة الدولة، والفساد، وجبروت الشركات والمصالح الكبرى. يقول "أجيت براكاش شاه" القاضي المتقاعد، الذي أصدر عدداً من الأحكام الشهيرة في قضايا "مصلحة عمومية": "إن البند الخاص بفرض غرامة باهظة على الذين يرفعون دعاوى في حالة رفض دعاواهم في نهاية المطاف، هو بند لا يبشر بالخير في رأيي بالنسبة لهؤلاء النشطاء، وسيجعل كل واحد منهم يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على رفع مثل هذه الدعاوى" . يشار إلى أن دعاوى "المصلحة العامة" قد بدأ العمل بها في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك عندما خفضت المحكمة العليا في الهند المعايير المتعلقة بتقديم الأوراق والمستندات التي تثبت أن الشخص الذي يرفع قضايا قد وقع عليه الضرر بالفعل. وقد أراد حينها القضاة الهنود المتأثرون بقانون أميركي مماثل توسيع حقوق المواطنين المهمشين غير القادرين على الذهاب إلى المحكمة بسبب فقرهم، أو أميتهم، أو إعاقاتهم. ومن جانبه يعلق "براشنت بوشان" المحامي المتخصص في قضايا الحريات المدنية على القانون الجديد بقوله: "إن هذا القانون يمثل تراجعاً عن المكاسب القانونية التي كانت قد تحققت للحركة المطلبية في السابق. والحكومة من خلال هذا القانون، تريد أن تعطي الانطباع بأن كل شخص يرفع قضية من قضايا المصلحة العامة هو شخص صاحب مصلحة شخصية في الأساس، وأنه لا يدافع عن منطقته أو مجتمعه كما يدعي... كما يوجه في الوقت نفسه رسالة ضمنية لكافة القضاة بشأن الطريقة التي يجب أن يتعاملوا بها مع هذا النوع من القضايا". وفي الوقت نفسه يقول المزارع "بايد" المذكور في بداية هذا التقرير، إنه مصمم رغم ذلك على رفع دعوى يطلب فيها من الحكومة تقييم الأضرار التي ستترتب على بناء عدة محطات كهربائية -كما هو مخطط- على منطقته وعلى زراعته. ويقول: "إنهم يقولون إن هذه المشروعات سترفع الهند إلى عنان السماء، ولكن ماذا عن الأضرار الفادحة التي ستلحقها بالبيئة في هذه المنطقة بالذات؟، هذا هو السؤال". راما لاكشمي مالجند - الهند ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©