الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انقلاب تايلاند.. قفزة نحو المجهول

24 مايو 2014 23:31
وليام بيسيك محلل سياسي واقتصادي أميركي لقد خلّف رئيس الوزراء التايلاندي السابق الذي يعيش في المنفى «ثاكسين شيناواترا» وراءه دليلاً جديداً على أن معظم الزعماء السياسيين يكتسبون شعبيتهم بسلوكياتهم الخاطئة. فمن باراك أوباما إلى الرئيس الإندونيسي «سوسيلو بامبانج يودهويونو»، حاول هؤلاء الرؤساء حكم شعوبهم بطريقة صحيحة، لكن شعبيتهم سرعان ما تهاوت. إلا أن «ثاكسين» كان له اتجاه مختلف. فبين عامي 2001 و2006، تعمّد هذا الرجل اختراق القوانين حتى ملأ جيوبه المكتنزة أصلاً بالأموال، وجعل المحاكم والمرجعيات القضائية محتارة بطريقة التعامل معه. بل تمت إدانته بجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب ضد تجار المخدرات، ولم يبق أمامه إلا الفرار حتى يفلت من السجن. والآن، وبعد نحو ثماني سنوات من عزله عن منصبه كرئيس للوزراء في انقلاب عسكري، لم يعد يحظى بأي شعبية في أوساط مؤيديه السابقين من جماعة «القمصان الحمر» الذين انبثقوا من رحم المعاناة التي تعيشها أفقر فئة من الشعب التايلاندي وتنتشر في القطاع الشمالي الشرقي من البلاد. وهذا بالضبط ما يجعل الانقلاب الأخير المثير للجدل أكثر خطورة من الانقلابات العسكرية الاثني عشر التي شهدتها تايلاند خلال العقود العشرة الماضية. وليس من الغريب ألا يكون بوسع أي من القادة العسكريين الذين اختطفوا السلطة الخميس الماضي أن يوضح للعالم السبب الذي جعل من هذا الانقلاب أمراً ضرورياً. ففي عام 2008 مثلاً، لم تكن جماعة «القمصان الحمر» التي سبق أن التفّت حول «ثاكسين» تمثّل أكثر من حفنة من الصعاليك. واليوم، أصبح هؤلاء أكثر تنظيماً وتمويلاً ورغبة في القتال. وهم الذين قضوا السنوات القليلة الماضية ببناء شبكاتهم السياسية وتحريض مؤيديهم على الثورة. وهي الأعمال التي أوصلت إلى منصب رئيس الوزراء في عام 2011 شقيقة «ثاكسين»، «يينجلوك شيناواترا» التي تم عزلها بقرار من المحكمة الدستورية التايلاندية في السابع من مايو الجاري. وهي تنتظر الآن المثول أمام قادة الانقلاب الجديد. ورغم أن الانقلابيين تمكنوا من اعتقال قادة «القمصان الحمر»، فإن آلتهم السياسية بدأت الآن دورانها الفعلي. وكما قال «بونجسودهيراك ثيتينان»، المحلل السياسي في جامعة «تشولالونجكورن» في بانكوك: «من المرجّح أن تكون القوى المعارضة للانقلاب قوية. وسوف تكون المواجهات والمعارك المنتظرة بين الانقلابيين ومناهضيهم عنيفة هذه المرة». ولعل السؤال الأكثر إثارة للحيرة، والمطروح الآن أمام المحللين والمراقبين: لماذا لا يزال «ثاكسين» يحظى بهذا الولاء من طرف «القمصان الحمر» رغم كل ما فعله؟ أعتقد شخصياً أنه استطاع إضفاء تأثيره الرومانطيقي السوريالي الساحر في أوساط الفلاحين التايلانديين عندما طرح برنامجه السياسي ذا الشعارات الشعبية، والذي أعطي اسماً مشتقاً من اسمه وهو «الثاكسينية». ولا شك أن «ثاكسين» سجل نجاحاً باهراً في رشوة التجمعات السكانية في طول البلاد وعرضها عندما راح يغدق عليها العطايا والأموال النقدية بسخاء، بالإضافة إلى إقامة فروع للشركات الكبرى في الأقاليم النائية وتسهيل منح القروض والعديد من المزايا الأخرى. ومن يمكنه ألا يحب القائد الذي يأتي إلى أبعد البلدات والقرى النائية ليوزع الهبات على كل من حوله؟ إلا أن هذه الأموال ليست إلا بمثابة «رفع نسبة السكر في الدم» لأنها لا تؤدي إلى تحقيق التوازن المطلوب في الدخل، ولا تساعد على تحقيق نمو مستدام. وهذا بالضبط ما يحتاج أنصار «ثاكسين» إلى فهمه. والحقيقة أن تلك الهبات لم تكن إلا سحابة من الدخان الكثيف أراد منها «ثاكسين» صرف انتباه أنصاره عن الممارسات المنحرفة للقيّمين على المؤسسات المختلفة التابعة لحكومته الضعيفة في بانكوك من أجل الإثراء الشخصي فحسب. ولو كانت لتايلاند معارضة سياسية فعّالة، لكان بوسع المرء أن يفكر في عرض الجوانب الإيجابية الواعدة في «برنامج ثاكسين» الإنمائي على الاقتراع الشعبي. لكن، ظهر وكأن العسكر فضلوا حسم الأمور مرة أخرى بأسلوب التدخل وقلب النظام برمته لصالح النخبة السياسية في بانكوك المتمثلة بجماعة «القمصان الصفراء» المناهضة لسياسة «ثاكسين». وبدلاً من إخماد الشعلة الخادعة لسياسة «ثاكسين»، فإن كل ما قام به الجنرالات الذين قادوا الانقلاب الأخير، هو إيقاد شعلة خادعة جديدة. وإذا ما عمدوا إلى القذف بشقيقة «ثاكسين» إلى السجن، فستتحوّل بشكل آلي إلى بطلة جديدة من أبطال جماعة «القمصان الحمر». ونظراً لعدم امتلاك الجنرالات أية استراتيجية للتراجع عما فعلوه، فإن الانقلاب الجديد سوف يثبت أنه أكبر كارثة تحل بالبلاد، ويمكن لها أن تتطوّر إلى حرب أهلية شاملة. ولا يتجاوز احتمال تنظيم الانتخابات الشفافة الموعودة التي من شأنها أن تشفي تايلاند من جراحها خلال السنوات القليلة المقبلة، إلا رقماً عشريّاً واحداً من المئة. ولا تتوافر حتى الآن الفرصة لتشكيل حكومة مستقرة يمكنها أن تفوز بموافقة كل من المجتمع الدولي وجماعة «القمصان الحمر». ولا يشكل تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0,6 بالمئة خلال الأشهر الثلاثة التي انقضت بنهاية شهر مارس الماضي، إلا البدايات الأولى فحسب لانهيار اقتصادي شامل قد تشهده تايلاند في الفترة المقبلة. ولا يبدو أن الأسواق الآسيوية تأثرت بالأحداث الخطيرة التي شهدتها بانكوك هذا الأسبوع. وكأن لسان حال تلك الأسواق يقول: «لقد خبرنا مثل هذه الزوبعة من قبل واعتدنا عليها». ويعكس انقلاب يوم الخميس العقم السياسي المريع الذي بدأ يقود تايلاند نحو المجهول. وما لم ينته هذا الكابوس السياسي التايلاندي بسرعة، فإن الانقلاب سوف يقود البلاد إلى حالة من الفوضى العارمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©