الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نهاية رجل كان شجاعاً

نهاية رجل كان شجاعاً
8 نوفمبر 2008 23:46
يتردد كثيرا على مكاتب الخدم ، كل شهرين تقريبا بلا كلل و لا ملل ، وفي كل مره يتعثّر بأحد معارفه القدامى الذين يكاد لا يلتقيهم مؤخرا إلا مصادفة، لم تكن حاله تنبي بالإستقرار ولا أمارات السعادة ترسم شئ من أثرها وألوانها على محياه ، تراه مرهقا ، مُتعبا ، مُشوَشا أشعثا رث الهيئة، تُغالبه العبرة والحسرة التي تستقر في عينيه قبل صدره المكتنز بالهواء الفاسد منذ الصباح الباكر، يبدو بأنه لم يهنأ بنومه ليلة البارحة· يقول ''ماكنزي'': إن الأفعال التي بدون تخطيط غالبا ما تكون وراء كل فشل'' ، أصل الحكاية أن ''عباس'' كسر طوق العزوبية متأخرا وقرر الزواج بعد عمر طويل حافل بالمغامرات والقصص والنزوات ، وأن يدخل القفص الذهبي طوعا ، ''عباس'' مذ أن كان في كنف أمه وهو يعز كل من يخدمه ويخدم أمه بإخلاص ويتفانى في رعايتها ، كان ذلك جليا من خلال طبعه الودود والحنون و الأكثر من اللازم مع خادماتها الوفيات اللواتي توافدن على بيتهم الكبير ، فكان يغدق عليهن الهدايا وبسخاء ، ولا يخلو الأمر من بعض الملاطفات البريئة بحكم طول العشرة لبعضهن! ، مؤخرا ماتت والدته فتزوج من خادمتها وفاءً لذكراها الغالية ، من باب أنها ذكرى من '' ريحة الحبايب'' ! ، خادمة الأمس صارت ''مدام في ضوء ليلة و ضحاها ، وبعد مضي شهرين على زواجهما· حملت مدام ''سرينا'' بولي العهد، وبات من اللازم استقدام خادمة جديدة ولكن بشروطها! ، وهي أن تكون من نفس جنسيتها لضمان سهولة التفاهم والتواصل معها ومنعا للتشفير !، لم يكن يعلم ما ينتظره وراء هذا القدوم المشؤوم ، إنقلبت حياته رأسا على عقب و بعكس ما كان يأمل و يشتهي ،'' كمعرس'' جديد مبتهج بالحياة الجديدة وبالتجربة الحديثة !، هو الذي تأخر كثيرا ليلحق بقطار المتزوجين السعيدين، بات كثير الشكوى من سوء حاله ، فلا المدام الجديدة تبدو مداما حقيقية كما كان ينتظر ويبتغي ، فلا بيت نظيف و لا لقمة ساخنة بطعم ورائحة ، ولا راحة و لا هدوء ينعم به بعد نهار حافل بالشقاء وعناء العمل ، ، فبدت له الأمور على عكس ما كان يريد ويشتهي ، فلم يخفي حنينه القاتل لأيام العزوبية الجميلة وترحمه عليها ، ولكن بالطبع ليس أمام '' ندامته'' المصون ، لأن أقل إجراء ممكن أن تتخذه ضده هو أن يبيت في غرفة الخادمة الجديدة ، ولكن بدونها ، '' لأ·· ناصحة سرينا ما شاء الله عليها ''!، لذا كثيرا ما يتملكه الشعور بالأسف والندم على حريته التي فرّط بها في يوم أسود و''أغبر''، سلبته إياها ، ليصبح ذاك الغضنفر بقدرة القادر و بعد إحكام الرباط ، أرنب مسلوب الإرادة ولكن بشنب كث !، حتى بدأ في نتفه هو الآخر لشدة عصبيته وقلة حيلته حيال ما يجري في بيته من صراعات لا تنتهي صباح مساء ما بين سرينا وماريتا ، نتف شاربه لعْله يُريح ضميره من هذا العار الذي لحق به وبصاحبه بعد هذا الزواج التحفة ، ليجد نفسه نسخة مشوهة للفنان العالمي الشهير ''شارلي شابلن ''!، يا سادة يا كرام : قرار مصيري كالإرتباط لشخص مثل ''عباس''، عُرف بشغبه وإنطلاقه في الحياة وبالطول والعرض هو قرار في غاية الشجاعة ، وبأن يُضّحي بلقب لطالما أشتهر به طيلة حياته ويُفاخر به ، وهو لقب '' ملك العزوبية ''، ويدخل الفخ وبرجله اليمين وبصحبة ''مفخخة'' باليد اليسار هذا أمر في غاية النبل والشجاعة ، فكان وقته كله مشاعا بحرية للسفر والمرح ولا غير ، فكيف لينتهي أخيرا بزواج ''وصمة'' و بلا بصمة!· الاختيار لا ينم عن أية شجاعة يا'' عباس'' على الرغم من شجاعة الخطوة وحجم التضحية!، لهذا لم تحظى بالسعادة ولا ''بالنوماس''، لذلك ستبقى ''محتاس'' لا محاله بفعلتك هذه!، وإني لأشك في أنك ستفلح في إجبار الخادمة أن تتحول إلى سيدة عصرية كاملة بمعزل عن ذاكرة ورأي الآخرين، وهي التي تفتقد لأبسط المقومات لتتحول من خادمة معدمة إلى سيدة محترمة ، وبهذا تكون كمن وجد زرا فقرر أن يخيط له بدلة !، ربما هي لم تُكلفك شيئا سوى بضع دراهم ونقل كفالة ولا أكثر ، ولكنها ها هي قد قلبت حياتك وأحلامك وشغلتك بصغائر الأمور أكثر مما يجب ، عوضا عن كل ذلك أنك خسرت إحترام وتقدير كل من حولك ، وربما ستكلفك أكثر من ذلك في المستقبل لا تدري ! ، هو ''يعني إنته ما فكرت'' مجرد التفكيرالبسيط بتبعات هذا الزواج أو حتى بآثاره المستقبلية لحظة واحدة، بالتأكيد لا، بدليل أن ''الحادث'' لم يدع لك الفرصة للتفكير حتى بالتركيبة السكانية ومشاكلها، وبأننا نعيش عام الهوية الوطنية يا رجل ؟!!!· ما علينا··· السؤال الكبيرهو لك يا ''عباس'': كيف لك أن ترفع من شأن زوجة لم تتحرر بعد من شعورها القديم ومن ذكرياتها القديمة، من كونها كانت يوما خادمة بأجرة لك ولأمك وربما لغيرك وفي بلد آخر، لتجد نفسها فجأة سيدة موقرة و''مدام عباس···'' وبخادمة بعد ؟!، كيف لها تتدارك الفارق الكبير الذي بينك وبينها دون أن تُخفض رأسها وتتوارى عن أنظار بنات جلدتك ؟! ، وقبل كل هذا وذاك كيف لها أن تنسى ماضيها وقدرها الذي وُلدت به، وفقرها وبؤسها المتأصل في ذاتها، كيف لها أن تمحو كل ذكرياتها معك ما قبل الزواج، وكيف كنت تغدق عليها الهدايا خلسة عن أعين أمك، كيف لها تغض بصرها حينما ترى نظراتك لخادمتها الجديدة التي تذكرها بنظراتك التي كنت تشبعها إياها رواحا وجيئة، عندما كانت تدور في بيتكم القديم ، كيف لها أن ترضى وتهدأ نفسها المولعة بك والغيورة عليك ، بأن تهديها الهدايا الجميلة كما كنت تفعل عند عودتك من أسفارك الطويلة والكثيرة و التي كانت تنتظرها منك بشغف ، كيف لها أن تمرر دفاعك عنها عندما تتجاوز حدودها في المأكل والملبس و الحركة داخل البيت بدون إعتراض، كيف لها أن تهدأ دون أن تستأثر لمملكتها الجديدة، لتصّدق أو لتثبت لنفسها بأنها الآن قد أصبحت هي ''مدام عباس المواطن'' وبأنها ليست في حلم جميل ، وبأنها قد تحررت من عبدتها التي سكنتها سنين طوال و من ماضيها المُعدم ، مالم تمارس سلطتها وسطوتها على بنت جلدتها الدخيلة ، كزوجة مواطن غلبان وتعبان ، إذا ما لم تأمر ''مدام سرينا'' بضرورة تسفير '' ماريتا'' و بأقصى سرعة يا عباس ···كيف ؟!!!·همسة : '' خادم على خادم لايسود''!!!· f_a0006@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©