الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخشخاش في أفغانستان··· معركة الاقتصاد والأمن

الخشخاش في أفغانستان··· معركة الاقتصاد والأمن
8 نوفمبر 2008 23:48
قبل عام من الآن كانت بلدة ''غاني خيل'' الأفغانية تحتل المرتبة الثانية في إنتاج الأفيون، لكنها اليوم أصبحت خالية من نبات الخشخاش وباتت مثالًا ناجحاً لجهود القضاء على الأفيون ونموذجاً يحتذى في عموم أفغانستان· هذا التغيير الكبير الذي حصل في غضون عام فقط يؤشر على وتيرة التقدم المحرز لمحاربة آفة الأفيون بعدما تراجعت محاصيله على مستوى البلاد، غير أنه مع ذلك يتوقع أحد الزعماء القبليين في منطقة ''بات زيراك'' القريبة من البلدة، زوال الحظر المفروض من قبل السلطات على زراعة نبات الخشخاش بعد مدة· فلاستبدال النبتة بمحاصيل أخرى يحتاج القرويون إلى التحكم في المياه من خلال بناء السدود وضبط مواعيد الفيضانات الموسمية التي تغرق حقولهم، وهو ما يشك الكثيرون في قدرة الحكومة على الوفاء به· ويوضح الزعيم القبلي تصوره قائلا: ''إذا لم تفِ الحكومة بتعهداتها فالسكان سيستأنفون زراعة نبات الخشخاش وإنتاج الأفيون''· ومنذ انطلاق الجهود الحكومية الرامية إلى القضاء على آفة الأفيون في أفغانستان، تحولت محافظة ''نانجنهار'' إلى حالة نموذجية للدراسة والاستفادة من تجربتها لفطم أفغانستان عن زراعة الخشخاش· وبالطبع لا بد أن تنعكس الجهود إيجاباً على بلد مثل أفغانستان ينتج 90% من الأفيون في العالم، والذي يرتبط تسويقه بالفساد والعنف المنتشرين على نطاق واسع، لكن بالنسبة للقبائل والمزارعين الذين يعيشون في المناطق النائية والمعزولة، سيؤدي القضاء على زراعة الخشخاش إلى تغيير جوهري في اقتصاد مناطقهم القائم أساساً على تلك الزراعة· والحقيقة أن العديد من الأهالي لم يستطيعوا التأقلم مع واقعهم الجديد بعدما طُلب منهم التوقف عن زراعة الخشخاش واستبداله بمحاصيل أخرى، ولعل ذلك ما أكده مركز الأبحاث والتقييم في كابل، أحد مراكز البحث في أفغانستان، عندما قال في تقرير له: ''من الصعب الاستمرار في عملية الحظر على زراعة الخشخاش، لما لذلك من آثار اقتصادية سلبية على العائلات''· ويكتسي القضاء على الأفيون أهمية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لاسيما في المحافظات الجنوبية، مثل هلمند وقندهار، بسبب الدور الذي تلعبه تجارة الأفيون في تغذية مظاهر العنف وانعدام القانون، حيث أشار المسؤولون الأميركيون إلى التحالف القائم بين أمراء المخدرات والمسؤولين الفاسدين في الحكومة من جهة، وبينهم وبين المتمردين من جهة أخرى· ولهذا السبب سمح ''الناتو'' في العاشر من شهر أكتوبر الماضي لقواته باستهداف تجار الأفيون الذين يتعاونون مع المتمردين ويسهلون عملياتهم، وهو الأمر الذي سبق للقوات الأجنبية المنتشرة في أفغانستان أن عارضته في الماضي بعد رفضها الانخراط في جهود القضاء على الأفيون· وفي هذا السياق تمثل الأنباء الأخيرة حول انخفاض محاصيل الأفيون على نحو ملحوظ، بعد عامين من الارتفاع القياسي في إنتاجه، انقلاباً مرحباً به من قبل الجميع، لكن بينما تتفق الإحصاءات الأميركية مع تلك الصادرة عن الأمم المتحدة في تسجيلها تراجع إنتاج المحصول بنسبة تتراوح بين 19 و22%، فقد اختلفت المصادر في تحديد نسبة الانخفاض الإجمالي في إنتاج الأفيون، بين الأمم المتحدة التي أفادت أن الانخفاض وصل 6% والتقديرات الأميركية التي تتحدث عن نسبة 33%··· ويرجع المراقبون هذا التضارب إلى طريقة جمع المعلومات المتباينة، بالإضافة إلى تقنيات التحليل المختلفة· ويعزو المراقبون هذا التراجع الملحوظ في إنتاج الأفيون إلى موجة الجفاف التي ضربت بعض مناطق أفغانستان، فضلا عن انخفاض أسعاره في السوق المحلية وتزامن ذلك مع ارتفاع أسعار محاصيل أخرى مثل القمح، وهو ما كان له تأثير على الأهالي ودفعهم أحياناً إلى الابتعاد عن زراعة الخشخاش· وفي المجمل وصل عدد المحافظات الأفغانية التي أعلنتها الأمم المتحدة هـذه السنة خالية من نبات الخشحاش الى 18 من أصل 34 محافظة تشكل أفغانتسان، مقارنة مع 15 محافظة في العام الماضي· ومع أن محافظة نانجنهار ليست سوى واحدة منها، فإنها أصبحت نموذجاً يُحتذى به بعدما وصفها وزير مكافحة المخدرات الأفغاني بأنها ''أفضل نموذج في البلاد''· غير أن التجارب السابقة التي لم يكتب لها النجاح، تلقي بظلال من الشك على الجهود الحالية، حيث سبق لحظر مماثل فرضته السلطات الأفغانية على زراعة الخشخاش عام 2005 أن انهار بعد عامين فقط دون أن يتمكن من الاستمرار· وترجع أسباب الفشل إلى ترهل الإرادة السياسية بعدما عادت المناطق النائية والمعتمدة في اقتصادها على الأفيون إلى زراعة الخشخاش، وهو ما يخشى العديد من المسؤولين تكراره مع الجهود الحالية، لاسيما أن الإشارات الأولى الواردة من بلدة ''غاني خيل'' غير مشجعة· ففيما رهن حاكم المحافظة في العام الماضي (جول آغا شيرازي) سمعته بمكافحة الأفيون، و''صمم على الوفاء بوعده، فأدخل المخالفين السجن''، يلاحظ بعض التراجع في هذا التصميم خلال السنة الجارية· ويعزى جزء من نجاح محافظ ''نانجنهار'' إلى إبرامه اتفاقات مع زعماء القبائل في المنطقة وتعهده بتنمية المحافظة مقابل التزام سكانها بعدم زراعة الخشخاش، لكن في بلد غارق في الفساد وخاضع لسلطة مركزية ضعيفة، يشكك المراقبون في إمكانية الحفاظ على هذه الالتزامات والتعهدات· مارك سابنفيلد-أفغانستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©