الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا وحدها تُغيِّر سلوك روسيا

أوروبا وحدها تُغيِّر سلوك روسيا
8 نوفمبر 2008 23:49
عندما اندلعت الحرب في أغسطس بين روسيا وجورجيا، نجحت رئاسة الاتحاد الأوروبي في رعاية اتفاق لوقف إطلاق النار، فهل كان ذلك مجرد ضربة حظ بالنسبة للاتحاد الأوروبي أم مؤشراً على قوة أوروبا؟ الجواب هو أن ما حدث يمثل أمراً جيداً، وعلى أوروبا أن تستغله: فقد توصل نيكولا ساركوزي إلى اتفاق وقف إطلاق النار ليس لأن الاتحاد الأوروبي يمتلك فِرقاً عسكرية أكثر من تلك التي يمتلكها ورثة ستالين، بل لأن تحركاته الشخصية ووزن فرنسا الاستراتيجي قد يكونان عاملين مساعدين، غير أن قوة أوروبا الحقيقية تكمن في نفوذها وتأثيرها على روسيا والشعب الروسي· فمثلما تشير إلى ذلك نبرة خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف هذا الأسبوع، فإن تحديات كبيرة مازالت موجودة· فعلاوة على اللغة القوية التي خاطب بها واشنطن، فإن روسيا تهيمن عسكرياً على مشارف جورجيا بينما لا يوجد أي وزن غربي مضاد في الأفق· كما أن الهدف من اعتراف موسكو بـ''استقلال'' منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الجورجيتين الانفصاليتين -رغم التنديد الدولي- هو على ما يبدو إرسال إشارة مؤداها أن موسكو لا تنوي التراجع· إن أوروبا، وليس الولايات المتحدة، هي الأقدر اليوم على حمل موسكو على إعادة النظر في سلوكها، وذلك لأن أوروبا جار وسوق كبيرة بالنسبة للطاقة والمعادن الروسية· فأكثر من نصف تجارة روسيا الخارجية في ،2007 على سبيل المثال، تمت مع الاتحاد الأوروبي· ثم إن الروس ينظرون إلى أوروبا نظرة إعجاب وتقدير، كمنطقة غنية ومستقرة حيث تلعب الدولة دوراً كبيراً والمواطنون يتمتعون بمزايا اجتماعية سخية· وعلاوة على ذلك، طالما تطلعت النخبة الروسية إلى النموذج الأوروبي· غير أنه في أعقاب الحرب الجورجية، كانت للأوروبيين أسباب وجيهة للشك على نحو متزايد في روسيا كشريك استراتيجي؛ فقد لمحت موسكو مراراً إلى أن أوكرانيا هي الهدف المقبل، حيث لم يتوان الزعماء الروس عن إطلاق تصريحات منددة ومنتقدة للرئيس يوشينكو، والطعن في وضع منطقة ''كريميا'' الأوكرانية، والتشديد على الاحتفاظ بالقاعدة البحرية الروسية في ''سيفاستوبول'' بعد انتهاء عقد الإيجار عام ،2017 بل إن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين ذهب إلى حد الزعم بأن أوكرانيا أرسلت جنوداً ليقاتلوا إلى جانب القوات الجورجية في حرب أغسطس· وفي الأيام الأخيرة قال ميدفيديف إن الحرب كانت ''من بين أمور أخرى، نتيجة للمسار المتعجرف الذي سارت عليه الإدارة الأميركية''· وعليه، فمن المستبعد أن تكون خطابات نارية كهذه هي ما تتوقعه أوروبا من شريك· ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يمتلك أدوات كثيرة، مقارنة مع الولايات المتحدة أو ''الناتو''، فيما يتعلق بالتأثير على روسيا حتى تتصرف على نحو مسؤول· فالولايات المتحدة، البعيدة عن روسيا، منافس عسكري وليست شريكاً اقتصادياً كبيراً· كما أن الكثير من الروس ينتابهم الارتياب والتوجس من الولايات المتحدة و''الناتو''· وبالتالي، فعلى الاتحاد الأوروبي أن يطور علاقات أقوى مع روسيا حتى يستفيد استفادة كاملة منها، ويبلور طرقاً حتى تدخل جورجيا وأوكرانيا في شراكة ذات أفق اندماج تام، واتفاقات تجارة حرة، وخريطة طريق لعضوية الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف· على أن تكون خريطة الطريق مرفوقة بحوار مكثف بين روسيا والاتحاد الأوروربي، بما يبرز فوائد ومزايا التعاون بالنسبة لجميع الأطراف· وإذا عاملت روسيا جيرانها وشركاءها الاقتصاديين معاملة لائقة، فينبغي بحث إمكانية تعزيز الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا· ولأن المحفزات تكون فعالة أكثر حين تكون مصحوبة بتوقعات واضحة، فإن سوء معاملة المستثمرين في مجال الطاقة، مثل ''بريتيش بتروليوم''، أو إضعاف ''منظمة الأمن والتعاون في أوروبا''، ينبغي أن تكون عواقبه واضحة ومفهومة· إن من شأن هذه الخطوات أن ترسخ شراكة روسيا مع أوروبا ومع جيرانها أيضاً، وأن تحسن المكاسب الديمقراطية والاستقرار السياسي، وتبني أساساً أقوى للرخاء والازدهار؛ حيث سيساهم تبني مزيد من الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية في جعل هذه البلدان شركاء أكثر جاذبية بالنسبة للاتحاد الأوروبي· كما أن من شأن تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أن يثني روسيا عن خوض حروب مع جيرانها خشية تقويض مصالحها مع أوروبا· ويتعين على الغرب أن يتبنى استراتيجية طويلة الأمد مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا شبيهة بعدم اعترافه بضم الاتحاد السوفييتي لدول البلطيق بالقوة عام ،1940 فقد سمحت هذه السياسة للغرب بتنفيذ أهداف ملحة مع موسكو، مثل مراقبة السباق النووي· واليوم ينبغي إيجــاد صــيغة تـــسمح بالمفـــاوضات حـــول اتــفاق شراكة جديد بين روسيا والاتحاد الأوروبي· لقد اقترح الرئيس الفرنسي ساركوزي، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، طريقة جيدة للتقدم إلى الأمام حين قال: ''لماذا لا نبني عبر كل أرجاء القارة فضاءً اقتصادياً مشتركاً يوحد روسيا وأوروبا؟''· وهو صائب في ذلك لأن عزل روسيا سيمثل خطأ تاريخياً؛ ذلك أن روسيا ستستيقظ من تاريخها السلطوي والإمبراطوري المأساوي في نهاية المطاف، وأوروبا تستطيع المساهمة في التعجيل بحدوث هذا الأمر عبر اقتراح احتمال اندماج أكبر في حال احترمت روسيا استقلال وسيادة ووحدة أراضي جيرانها· وحين يتسلم أوباما مهامه الرئاسية، يستطيع تعزيز هذا المسار، غير أن أميركا لا يمكنها أن تكون بديلا لأوروبا· دنيس كوربوي مدير معهد سياسة القوقاز بكلية كينجز كوليدج في لندن وليام كورتني سفير الولايات المتحدة السابق في جورجيا كينيث يالوفيتش مدير مركز ديكي للتفاهم الدولي بكلية دارتموث كوليدج ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©