الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا الجديدة... وتحولات دورها الإقليمي

تركيا الجديدة... وتحولات دورها الإقليمي
23 يناير 2010 21:49
يبدو أن العلاقة بين تركيا وإسرائيل تعرف بعض التوتر ولا عجب في ذلك بالنظر إلى التطورات التي تشهدها المنطقة والتحولات التي تعرفها تركيا نفسها، فقد احتج مؤخراً نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني أيالون، على السفير التركي في تل أبيت بطريقة غير لائقة، ومع أن إسرائيل اعتذرت لاحقاً، إلا أن التصرف الإسرائيلي يشكل علامة أخرى على التوتر المتواصل بين البلدين ومؤشراً واضحاً على التغير الحاصل في العلاقات بينهما. وعلى رغم المحاولات التي تبذلها بعض الأطراف في الولايات المتحدة وإسرائيل لإضفاء طابع "المعاداة للسامية" على المواقف التركية المتحفظة على سياسات إسرائيل، إلا أن القاصي والداني يعرف الأسباب الحقيقية التي تحرك تلك المواقف، ويعرف أيضاً أنها لا تمت لمعاداة السامية بصلة، وكل من يحلل جيداً العلاقات الدولية من جهة والمزاج التركي وتقاليده من جهة أخرى لابد أنه سيدرك الحاجة إلى أن يتغير واقع الحال بالنسبة للفلسطينيين بما يؤدي إلى تحسن ظروفهم الإنسانية في قطاع غزة، لأن ذلك شرط لازم كي يزول التوتر. كما يعرف الجميع الموقف التركي إزاء استمرار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والحاجة إلى تجميده لاستئناف عملية السلام على أسس صحيحة هذا إذا كان مازال بالإمكان الحديث عن عملية سلام، من الأساس، بعد الانتكاسات التي تعرضت لها على مدى السنوات الماضية. ولعل الجميع يتذكرون أيضاً تلك الأيام التي انتقدت فيها الولايات المتحدة تركيا لانفتاحها على سوريا ومحاولاتها مد الجسور مع جارتها الجنوبية في حين كانت واشنطن والعواصم الأوروبية تنتهج سياسة عزل دمشق وإبعادها عن التفاهمات الإقليمية، ولكننا اليوم نرى عودة غربية متنامية للتقارب مع سوريا واعترافاً متزايداً من قبل الولايات المتحدة والأوروبيين بأن الانخراط مع سوريا هو الطريق الأمثل. والحقيقة أن تجاهل نظرة تركيا لقضايا الشرق الأوسط، بل وانتقاد سياستها في المنطقة من قبل البعض، إنما هو نابع من عدم قدرة الأطراف المنتقدة في الغرب على إجراء ذلك التغير الذهني والمفاهيمي المطلوب، والتكيف مع ما يستتبع هذا من تداعيات على موقع تركيا في الإقليم وتأثيرها فيه. غير أن الأميركيين الذين يراقبون الوضع عن كثب بدأوا منذ عام 2007 في تبديل مواقفهم واعترفوا بأن تركيا باتت قوة إقليمية ولم تعد تلك الدولة التي تدور في فلك الآخرين كما كان عليه الوضع خلال الحرب الباردة، وهم يفهمون جيداً أن هذا التغيير يستدعي تعاملا خاصاً مع تركيا يأخذ بعين الاعتبار الواقع الجديد والمعطيات القائمة. وقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى ينفض الغرب عنه صورة تركيا القديمة ويغير نظرته لها إلى أن جاءت زيارة الرئيس أوباما إلى تركيا لتؤكد النظرة المتغيرة تجاهها. غير أن أوروبا بالتحديد يبدو أنها ما زالت متأخرة في التكيف مع وضع تركيا الجديد وتبديل نظرتها القديمة وهو ما يفسر هشاشة العلاقات بين الجانبين. والشيء نفسه ينسحب على إسرائيل التي يبدو أنها لم تستوعب بعد تغير تركيا ولم تتصالح بعد مع فكرة أن دخول أنقرة إلى الشرق الأوسط جاء ليبقى. فإسرائيل تنظر بنوع من الحنين إلى سنوات التسعينيات في علاقتها مع تركيا، والتي كانت نتيجة أوضاع خاصة في المنطقة، والحقيقة أن تلك الأيام ولت بدون رجعة ومن غير المحتمل تكرارها مجدداً حتى لو خرج "حزب العدالة والتنمية" من السلطة، وقد رأى الجميع كيف التف الأتراك بكل حساسياتهم حول قضية السفير التركي في إسرائيل وانتقدوا جميعاً التعامل المهين الذي تعرض له، ويجب أن يكون ذلك درساً بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنه ما أن يسقط "حزب العدالة والتنمية" حتى تعود الأمور إلى سابق عهدها. والسياسة التركية الخارجية في هذه المرحلة تقوم على إدماج البلاد في محيطها الإقليمي، كما أن تركيا اليوم هي عضو في مجموعة الدول العشرين وعضو أيضاً في مجلس الأمن الدولي في دورته الحالية، بالإضافة إلى انخراطها في مفاوضات مستمرة مع الاتحاد الأوروبي وتنامي نفوذها في العديد من قضايا المنطقة، ومن غير المتوقع في هذا الإطار أن تتوقف أنقرة عن محاولاتها الساعية إلى الاندماج في الشرق الأوسط الذي هي جزء فاعل فيه، بحيث لن تدخر جهداً أو وسيلة دبلوماسية لتسجيل حضورها بين دوله وفي قضاياه المركزية. وكما تشير إلى ذلك استطلاعات الرأي يتعامل الشعب والحكومة التركيان بحساسية عالية تجاه معاناة الشعب الفلسطيني ولا يخفيان تعاطفهما الكبير مع محنته المستمرة منذ فترة طويلة، وما لم يُبذل جهد لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة ويتم تبني موقف أكثر فاعلية في إحلال السلام مع سوريا فإن من غير المرجح أن تتحسن نوعية العلاقات التركية- الإسرائيلية، ولعل الخطوة الأولى في هذا الاتجاه الصحيح هي الاعتراف بالوضع الإقليمي الجديد والإقرار بالمصالح التركية في المنطقة، ولكي يحصل ذلك لابد من تغيير إسرائيل والغرب للذهنية القديمة والتأقلم مع تركيا الجديدة. برلماني ورئيس العلاقات الخارجية في حزب «العدالة والتنمية» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©