السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حملة استفزازية في «أميركا ما بعد العنصرية»!

27 يوليو 2010 21:52
على كل من يستخدم مصطلح "أميركا ما بعد العنصرية"، الذي كثر استخدامه عقب فوز أوباما بانتخابات عام 2008، أن يرغم على الجلوس ليقرأ بصوت عال ذلك السيل من التعليقات المسيئة عنصرياً التي تتدفق إلى صالات التحرير الإخباري عقب انتهاء عملية البث أو النشر الإعلامي. فمن شأن جلسة كهذه أن تزيل سريعاً إصرار البعض على الحديث عن تمكننا من الانتقال إلى ذلك الطرف المتجانس من قوس قزح. ذلك أننا لم نر ما يدل على هذا الانتقال إلى مجتمع أميركا ما بعد العنصرية خلال الأيام القليلة الماضية، حتى من البيت الأبيض نفسه، الذي يفترض فيه أن يكـون في ظل الإدارة الحالية، دليلاً حياً ملموساً على تجاوز مجتمعنا للنزعة العنصرية. فقد كانت استجابة مسؤولي الإدارة لآخر استفزازات "اليمين" الأميركي عنصرية هي الأخرى. كما أن استجابتها أفضل حالاً من منظمة "إن إي إي سي بي" المعروفة بدفاعها عن الحقوق المدنية. ونفترض هنا أن قصة "شيريل شيرود" قد باتت معلومة للجميع الآن. فقد أرغمت هذه المسؤولة بوزارة الزراعة المحلية في ولاية جورجيا على تقديم استقالتها من منصبها، بناء على شريط فيديو تم إعداده بطريقة معينة لإدانتها. وقد بث ذلك الشريط أولاً عبر موقع "أندرو برايت بارت" اليميني المعروف بترويجه للحملات الاستفزازية، قبل أن يجد طريقه للبث عبر شبكة "فوكس نيوز" وغيرها من القنوات التلفزيونية المعروفة بولائها لـ"المحافظين" اليمينيين. وحسب المادة المسجلة على الشريط، فقد بدت المسؤولة الزراعية السابقة شيريل شيرود، وكأنها رفضت تقديم المساعدة لزوجين فلاحين في ولايتها لأنهما من الأميركيين البيض. وبسبب المادة المبثوثة ثارت ثورة "المحافظين"، الذين سلخوا جلد "شيرود" بألسنتهم وعباراتهم المقذعة. وفي استجابة متعجلة منها، انزلقت كذلك منظمة "إن إي إي سي بي" المدافعة عن الحقوق المدنية، إلى حملة ضد "شيرود". تلك هي الرسالة التي تلقاها وفهمها وزير الزراعة توم فيسلاك على الفور. وكان الواجب على المنظمة ووزارة الزراعة الفيدرالية أن تتريثا قليلاً حتى يتم إجراء التحقيق اللازم مع المسؤولة، والتحقق من صحة المادة المبثوثة في الشريط. ولو فعلتا ذلك لتبين لهما أن شيرود كانت على عكس ما روجه عنها الشريط المفبرك تماماً. فهي لم تقصر في مساعدة العائلة المشار إليها، وأثبتت من خلال سلوكها العملي وممارستها لمسؤولياتها التي فرضتها عليها وظيفتها، فضلاً عن قناعتها الشخصية الخاصة، أن هناك قواسم كثيرة مشتركة بين الفقراء الأميركيين البيض والسود، وأن الذي يجمع بينهم أكثر مما يفرق. ولكن من سوء حظ "شيرود" أن لـ"برايت بارت" وشبكة "فوكس نيوز" قدرة لا تبارى في تشكيل وتحديد مسار الحوار العام السياسي في الولايات المتحدة. فما أن يبدأ هذان الحليفان اليمينيان الهجوم على ضحية ما، حتى يعم الذعر في أوساط خصميهما. وفي عصر الماكينة الإعلامية الجبارة التي لا تكف عن الدوران طوال الأربع والعشرين ساعة، فإنه ليس هناك سوى منتصر ومهزوم. والمعلوم أن التفوق فيها يكون دائماً لصالح الأسرع والأقدر على الفتك بالضحية. وتحت تأثير دعاية تلك الماكينة اتخذ وزير الزراعة قراراً متسرعاً بفصل "شيرود" من منصبها، وبات من واجبه الآن -وكذلك رئيسه في المكتب البيضاوي- ترتيب هذه الفوضى الناشئة عن القرار الوزاري غير المدروس. ثم إن هناك وجهاً عنصرياً آخر لدراما شيرود هذه، يلاحظ أن معظم المعلقين السياسيين والمحررين يتفادون الحديث عنه. فلا تزال وزارة الزراعة تواصل مساعيها لتسوية دعاوى قضائية مرفوعة من قبل عشرات الفلاحين السود الذين حرموا منذ عدة عقود من الحصول على أي قروض، ما ألحق بأراضيهم ومحاصيلهم الزراعية خسائر فادحة. وللمفارقة الغريبة، فقد كانت شيرود نفسها فلاحة رفعت دعوى قضائية على الحكومة بسبب هذا التمييز وكسبتها لصالحها! من جانبها تؤيد إدارة أوباما تشريعاً يخصص مبلغ 1.25 مليار دولار لتسوية قضايا التمييز العرقي المرفوعة من قبل الفلاحين السود، غير أن هذه الخطة تواجه بحملـة انتقـاد ورفض شرسـة مـن قبل "المحافظين". وقد كان من المفترض أن يصوت الكونجرس على تلك الخطة خلال الأسبوع نفسه الذي بث فيه "برايت بارت" شريط الفيديو المذكور عبر موقعه الإلكتروني. فهل كان ذلك التوقيت مجرد مصادفة؟ ومن المفارقات أيضاً أن تطالب منظمة "إن إي إيه سي بي" -التي تسرعت ودست أنفها في مسألة "شيرود" دون أن تتحقق من صحة المعلومات المبثوثة عنها في شريط الفيديو- "حركة حفلات الشاي" "اليمينية" المحافظة بنبذ الممارسات العنصرية التي تبدر منها. ثم لماذا كل هذا الاهتمام المحافظ بحزب "نيو بلاك بانثر" الجديد؟ والإجابة أن شبكة "فوكس نيوز" لن تكف عن توجيه اتهامها الكاذب لإدارة أوباما بأنها لم تفعل شيئاً لتوجيه الاتهامات لقادة المجموعة بأنهم عنصريون. وليس هذا الاتهام سوى عينة واحدة فحسب من سلسلة الاتهامات التي يواجهها البيت الأبيض وتصب جميعها في فكرة واحدة هي: التهاون مع العنصريين المنتمين للأقليات والعناصر الخارجة عن القانون. وبالطبع فإن هناك وجهاً آخر لهذه القصص المفبركة الذائعة الرواج، ألا وهو الحقيقة. ماري سانشيز محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©