الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فقد الحياة بموت صاحبه البلجيكي

فقد الحياة بموت صاحبه البلجيكي
10 نوفمبر 2008 00:04
قصر البارون امبان في ضاحية مصر الجديدة بالقاهرة، مازال إلى اليوم كما أراد له صاحبه، يقف فريدا وحيدا متميزا وشاهدا على فترة تاريخية شديدة الثراء، حتى بعد ان احتشد المحيط الصحراوي حوله بغابات الإسمنت ذات الارتفاعات الشاهقة والاشكال شديدة التنوع، فالقصر بطرازه المعماري النادر يبقى متوحدا وآسرا أيضا لكل من يسلك طريق العروبة في ذهابه أو مجيئه من مطار القاهرة إلى وسط العاصمة المصرية··· والبارون إمبان، صاحب القصر، هو مؤسس ضاحية مصر الجديدة أو كما سماها هو ''هوليوبليس'' اي مدينة الشمس· والقصر ابرز عنوان في سيرة القاهرة عند مطلع القرن العشرين، اذ افتتحت بضاحية مصر الجديدة الأحياء التي ابتعدت لأول مرة، منذ شيد جوهر الصقلي القاهرة، عن شاطئ النيل، لتشغل تقريبا كل الامتداد الصحراوي إلى شرقها وشمالها·· وقتها كان القصر والضاحية في عمق الصحراء، وكانا بالنسبة للعامة من سكان القاهرة في ذلك الوقت مغامرة غير مفهومة في منطقة نائية··· وربما موحشة· لم يشأ البارون ان يقيم في القاهرة الأوروبية التي شيدها الخديو اسماعيل، وقرر أن يقيم بالصحراء التي تلي مباشرة اخر حدود العمران اي شرق العباسية· وبعد عدة سنوات من البحث عن طراز فريد لقصره الصحراوي وجد ضالته في تصميم كان يعرضه المهندس الفرنسي الكسندر مارسيل في معرض هندسي في باريس خلال العام ··1905 وجسد التصميم من الناحية الفلسفية هيمنة القوى الاوروبية الاستعمارية على شبه القارة الهندية والهند الصينية، فكان سوره الخارجي مصمما بتماثيله البارزة وفقا لتقاليد الفن في عصر النهضة الأوروبية، بينما القصر بكامله من الخارج والداخل، يستمد عناصره المعمارية والزخرفية من المعابد البوذية ولاسيما معبد ''انكور'' في كمبوديا، وأيضا من معابد اوريسا الهندوسية· وعهد البارون الى مهندس فرنسي اخر هو ور لويس كلود بإنجاز اعمال الزخرفة لهذا القصر الذي بقي بلا مثيل أو نظير في مصر بل وربما خارج آسيا كلها· وقد استخدمت نفس الخامات في تشييد القصر الذي استمرت اعمال البناء فيه الى أن انجز في عام 1911 فالرخام جلب اليه من ايطاليا والكريستال من تشيكيا مع استقدام خبراء لتنسيق نباتات الحديقة التي كانت بنباتاتها النادرة تحفة لا نظير لها· وروعي في تخطيط القصر ان تدخل الشمس جميع حجراته وردهاته في انتقالها من الشرق الى الغرب وشيدت القاعدة الخرسانية للقصر على رولمان بلي تدور على عجلات بحيث يدور القصر بمن فيه دورة كاملة كل ساعة ليرى الواقف في اي من شرفاته البانوراما المحيطة بالقصر· ويحفل كل جزء من هذا القصر بالاضافة إلى سطحه الشبيه بالمتنزه بالمنحوتات الحجرية التي تضم تماثيل ومنحوتات لبوذا وفيلة وكائنات خرافية تحاكي ما شاهده البارون إمبان في معابد الهند والشرق الاسيوي· وبالقصر نفق يصل بينه وبين كنيسة شيدت فيما بعد وهي قائمة الى اليوم وعندما افتتح القصر في عام 1911 لاقامة الحفلات التي طالما شهدتها ارستقراطية القاهرة من المصريين والاجانب دعا البارون إمبان السلطان حسين كامل الذي اعلنته الحماية البريطانية سلطانا على مصر فأعجب السلطان بالقصر خاصة بعد ان شاهد من برجه الذي يدور في اتجاه حركة الشمس عمران القاهرة وأهرامات الجيزة وألمح الى البارون برغبته في ان يقوم البلجيكي باهدائه هذا القصر الامر الذي اعتذر عنه البارون بلباقة· ورأى البارون ان يشيد قصرا اخر على مقربة من قصره ليهديه الى السلطان وتم انجازه بالفعل في زمن قصير ولكن حسين كامل أبى إلا ان يهدي اليه قصر البارون ''إمبان'' ولما كانت بوادر الحرب العالمية الاولى قد بدأت تلوح في الافق فقد فضل البارون ان يغادر مصر ريثما تهدأ ثائرة السلطان وجاءت الرياح بما اشتهت سفنه اذ عزل السلطان حسين كامل بعد اشهر قليلة فعاد البارون إمبان ليقيم بقصره الذي غادره في مطلع عام 1929 ليموت في باريس متأثرا بمرض السرطان· وعقب عودته اقترح على الملك فؤاد الاول ان تؤسس الشركة التي انشأها البارون باسم ''واحة هليوبوليس'' ضاحية جديدة للقاهرة بهذا الاسم ونظرا لبعد رقعتها المحيطة بقصر البارون عن العمران والمرافق الحيوية فقد اشترت الشركة الارض التي شيد عليها حي مصر الجديدة بجنيه واحد للفدان· وكان النجاح حليفا للبارون في مشروعه المعماري إذ أقبلت الأرستقراطية المصرية والجاليات الأوروبية على شراء القصور والفيلات التي شيدت بمصر الجديدة هربا من وسط العاصمة الذي اكتظ بالأنشطة التجارية واعجبت هذه الارستقراطية بالحدائق الغناء التي كانت تنتشر بين ارجاء المدينة الجديدة· وما لبث البارون إمبان ان شرع في تشييد بنايات سكنية متنوعة الطرز··· وفضلا عن أنماط البنايات في بلجيكا وفرنسا و''ايطاليا''، شيدت بنايات مستمدة من تقاليد العمارة الإسلامية·· ولتشجيع الطبقة المتوسطة على السكنى في الحي الجديد، تم انشاء خط المترو الذي يعرف الى اليوم باسم مترو مصر الجديدة، حيث ربط بين الأحياء السكنية لهذه الضاحية ووسط القاهرة وبالتحديد ميدان الاسماعيلية أو ميدان التحرير حاليا· وواصل حي مصر الجديدة ازدهاره بينما أفل نجم قصر البارون ''إمبان'' بعد وفاة مشيده فانقطعت عنه الحفلات الصاخبة ولم تترك الاحداث السياسية التي رافقت الحرب العالمية الثانية للقصر اي فرصة لاستعادة سيرته الاولى وما لبثت ابنة البارون ووريثته ان غادرت مصر الى فرنسا بعد قيام ثورة يوليو 1952 واغلق القصر واهملت حديقته حتى اندثرت· ولم يفتح القصر ابوابه إلا في عام 1961 عندما وضعت اموال البلجيكيين تحت الحراسة اذ دخلت لجان الحراسة لجرد محتوياته ثم فتح مرة ثانية لتصوير فيلم ''الهارب''· ومؤخرا انتهى المجلس الاعلى للآثار من اعمال ترميم واعادة تأهيل قصر البارون إمبان ليصبح من المزارات السياحية في اطار الاحتفال بمئوية ضاحية مصر الجديدة· مكونات القصر والحديقة تبلغ مساحة القصر الاجمالية 125 الف متر مربع تشغل الحديقة معظمها· أما القصر نفسه فهو يتألف من طابقين، ويضم الطابق الأول صالة متسعة وثلاث حجرات، اثنتان للضيافة والثالثة قاعة للعب البلياردو، أما الطابق الثاني فيضم أربع حجرات للنوم، ملحق بكل منها حمام خاص، بالإضافة إلى طابق تحت الأرض كانت به المطابخ والجراجات وإقامة الخدم·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©